حكاية الأسد العجوز
إلهامي الميرغني باحث مصري

في بلد لا يحكم فيه القانون
يمشى فيه الناس إلى السجن
بمحض الصدفة
لا يوجد مستقبل
في بلد تتعري فيه المرأة
كي تأكل
لا يوجد مستقبل
صلاح عبد الصبور

كانت هناك نكتة قديمة تقول أن الأسد لما يعجز القرود ..... ! باعتبار انه فقد وقاره كملك الغابة وأصبح العوبة في يد الصغار.حضرتني هذه القصة وأنا اتامل الأحوال المصرية ووضع النظام المصري محلياً وإقليما ودولياً.

لقد كانت مصر كبيرة ليس بعدد سكانها وموقعها الجغرافي فقط ولكنها كبيرة بمواقفها ودورها حتى كانت وبحق قلب العروبة النابض ولكن منذ النكسة تراجع الدور المصري وتقلص حتى أصبحت دويلة مثل قطر تتطاول على مصر التي أصبحت عزيز قوم ... . لقد كانت مقولة السادات أن 99% من أوراق اللعبة في يد أمريكا هي تاريخ انتهاء الدور المصري وتحول النظام الحاكم وبالكامل إلى معسكر التبعية الذي أعقبه الاعتراف بالعدو الصهيوني وفتح أبواب مصر أمام جحافل الشركات الدولية النشاط ومؤسسات الإقراض والفساد الدولية وبداية انهيار النظام العربي .كما أن متابعتنا لدور النظام المصري في غزو العراق والتسهيلات التي قدمها للإمبريالية الأمريكية لخير دليل على ذلك كما أن وجود القواعد العسكرية كشكل من أشكال الاستعمار المباشر لمصر هي دليل آخر على المهانة التي يعيشها النظام ، كذلك فأن الدور الذي يلعبه النظام المصري تجاه القضية الفلسطينية والتواطؤ على حصار عرفات والسعي للعب دور ضمن خطة شارون للانسحاب من غزة كل ذلك يعكس موقع النظام المصري الآن في الدرك الأسفل من التبعية.

لقد بلغ الهوان بنظام التبعية والفساد منتهاه وها هو يستضيف قمة شرم الشيخ تنفيذا للتعليمات الأمريكية ، وفى محاولة لإضفاء الشرعية على حكومة إياد علاوى العميلة ، وربما أجبرت الحكومة سكان أرض الفيروز الذين اعتقل المئات منهم في أعقاب تفجيرات طابا على الخروج حاملين جريد النخيل لاستقبال علاوى ليغنون له " طلع البغل علينا ". فهذا هو سلوك النظام التابع الذي باع كل شئ من اجل عدة سنوات يقضيها في الحكم في حراسة أسياده الأمريكان.

كل يوم تطالعنا وسائل الأعلام والفضائيات بأخبار عن تطاول على مصر وأبنائها تحت سمع وبصر نظام القهر والاستبداد والتبعية فمنذ فترة خطفت إسرائيل ستة طلاب مصريين من رفح ولم تتحرك الحكومة ، ومنذ شهور نشرت الأهرام العربي في 26 يونيو مقال عن 8 مصريين كانوا معتقلين في أمريكا بدون اتهام ، وبالأمس القريب قتلت إسرائيل ثلاث جنود مصريين في رفح وهي تعلم جيداً رد فعل نظام التبعية علي ذلك وهو لن يتعدى الرفض والشجب والإدانة التي سامنا سماعها ومللنا الاستهانة والمهانة التي تتعامل بها إسرائيل مع نظام فقد كل مبررات وجوده. إن جوهر الأزمة التي نعيشها هو وجود نظام فاسد وتابع انتهى عمره الافتراضي وفقد كل مبررات وجوده ولكن للأسف لا توجد قوى وطنية بديلة مهيأة للحلول محله ولذلك هو مستمر جاسم فوق رؤوسنا. لقد قضت مصر ألاف السنين وهى تعيش على مياه النيل الذي يتدفق من وسط وشرق إفريقيا دون مشاكل ولكن خلال السنوات الأخيرة تراجع التواجد المصري في أفريقيا وبدأت دول حوض النيل تتحدث عن حصول مصر على حصة اكبر من نصيبها بينما تعاني بعضها الجفاف والتصحر ، لقد أهمل النظام التواصل مع أفريقيا رغم أنها العمق الجغرافي لمصر وتواطئ على تجاوزات حكومة الخرطوم تجاه الحركة الشعبية في جنوب السودان رغم أهميتها ضمن منابع النيل ولعب دور سلبي في معركة الجنوب لذلك بدا التمرد الأفريقي على الدور المصري رغم ما نسمعه عن اتفاقية الكوميسا أو الحلابسة ، هكذا تراجع دور ومكانة مصر. وهل صفر المونديال بمعزل عن تراجع مكانة مصر وتدهوره على كافة المستويات الرياضية والثقافية ، وهل هجوم الجراد الأخير وسحابة التلوث السوداء بمعزل عن عجز وإفلاس هذا النظام التابع.

لقد أدت سياسات هذا النظام إلى تدهور الزراعة المصرية وأصبحنا نعتمد على استيراد القمح وحدث خلل في الهيكل المحصولى وأصبحنا نستورد حتي العدس والفول ونصدر الكانتالوب والفراولة ، وارتفعت أسعار الخضروات والفاكهة لمستويات غير مسبوقة وأصبحنا نعانى من أزمات الخبز واللحوم أليست هذه نتائج سياسات الإفقار والتبعية. وعلى مستوى الصناعة المصرية ورغم فتح أبواب الاقتصاد المصري أمام الاستثمار الأجنبي وتقديم كافة التسهيلات له ، تدهورت الصناعة بشكل غير مسبوق وفقدت المنتجات المصرية قدرتها على المنافسة وتقلصت الصادرات الصناعية نتيجة تدهور مستويات الجودة ، وأغدق النظام الفاسد القروض على اللصوص بينما يعانى المنتجين المصريين والجادين وتحاصرهم المشكلات حتى يضطرون لإغلاق مصانعهم . إننا لن نتحدث عن الخصخصة وتأثيراتها الضارة على الاقتصاد المصري والصناعة المصرية وإهدار الثروة الوطنية بأبخس الأسعار، بل لنتابع عدد مصانع القطاع الخاص التي أغلقت خلال العشر سنوات الأخيرة رغم كل الأفلام الهابطة عن تحديث الصناعة المصرية .إن الفساد الذي أصبح سمة رئيسية للرأسمالية البيروقراطية وجزء من آليات عمل النظام أدي لخروج الرأسمالية المنتجة من السوق أمام المضاربين والنصابين.ويتحدثون عن الحكومة الاليكترونية ونحن نصدر برمجيات بقيمة 200 مليون دولار بينما إسرائيل تصدر برمجيات بأكثر من 5 مليار دولار ، والهند تصدر بأكثر من 10 مليار دولار فأي اليكترونية يتحدثون عنها؟!!!

أما التنمية البشرية فهي بعد غائب عن صناع السياسة المصرية فلقد وصل تدهور التعليم على جميع المستويات مرحلة لايتخيلها البعض رغم التوسع في التعليم الخاص والجامعات الخاصة وتطوير المناهج الذي يتم بإشراف الأمريكان منذ منتصف التسعينات حتى أصبحت مخرجات نظام التعليم رديئة الجودة وغرقت الأسر المصرية في طوفان الدروس الخصوصية وسباق المجاميع . لقد نظر النظام للموارد البشرية باعتبارها قضية السكان ورغم تراجع معدلات النمو السكاني إلا أنها ظلت الشماعة التي يعلق عليها النظام فشله وغياب أي توجهات تنموية حقيقية .

إن البطالة وما تمثله من كارثة اقتصادية واجتماعية تعد وحدها سبب كافي للتأكد من فشل توجهات النظام الرأسمالي التابع .إن الفشل عام وعلى جميع المستويات فهناك غياب لأي توجهات تنموية لهذا النظام رغم كل الديون التي يغرق فيها محليا ودولياً ورغم كل التسهيلات التي يقدمها لرأس المال الأجنبي ورغم كل الانبطاح الذي يقدمه للمؤسسات الدولية . إن صفر المونديال ليس بمعزل عن الديون والبطالة ، واستقبال مؤتمر شرم الشيخ والموقف في العراق ليس بمعزل عن تدهور الصناعة وأسراب الجراد ، والدور الحالي تجاه القضية الفلسطينية ليس بمعزل عن السحابة السوداء وتدهور الزراعة المصرية وتدهور صناعة السينما وتدهور الثقافة المصرية ، فالانحطاط عام وشامل على كافة المستويات والأصعدة . لقد قادت سياسات التبعية لكل ما نعانيه اليوم وهو ما سيمتد للأجيال القادمة.

وبينما نري العلاقة مع أمريكا تبعية يهلل البعض لها ويلهثون لتوقيع اتفاقية منطقة تجارة حرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل بعد أن تدهورت الزراعة والصناعة بفضل سياستهم ويسعون لمزيد من الانبطاح أمام العم سام من اجل المزيد من العمولات والمزيد من الفساد والإفقار والتبعية.وبينما نري مؤتمر شرم الشيخ عار على مصر استضافته ، يهلل له البعض باعتباره دليل على عظمة دور مصر الأقليمى والدولي كما كتب الدكتور عبد المنعم سعيد في مقاله بالأهرام في 19 نوفمبر.

من الطبيعي أن تنقسم النخب الثقافية بين مؤيد لهذه السياسات ومعارض لها على أساس المصالح الطبقية لك فريق ومن الطبيعي أن يرى الدكتور سعيد ومن لف لفه من مثقفي الطبقة الرأسمالية الطفيلية التابعة أن ما يحدث تعبير عن ثقل دور مصر وأن نراه نحن مسخرة وتراجع في دور مصر التي أصبحت مثل الأسد العجوز مطية ومسخرة لقرود الغابة التي تعبث بنا !!!

إن النظام المصري العجوز أصبح غير قادر على الحوار وإنما القهر والقمع واحتكار الإعلام لتشويه الوعي وترسانة القوانين المعطلة للحريات وقانون الطوارئ وجحافل الأمن المركزي فقط ، فهو يريد أحزاب شكلية ومعارضة هذيلة ، ومن يختلف معه فليس له غير تلفيق التهم كما حدث مع الدكتور جمال عبد الفتاح أو الضرب كما حدث مع الأستاذ جمال بدوى أو السحل والتجريد من الملابس في الصحراء كما حدث مع عبد الحليم قنديل فهذه هي أساليبهم في إدارة الصراع السياسي. حين يفقد القانون هيبته ويفقد القضاء وقاره ويصبح المال والسلطة هي مصدر القوة يصبح الحديث عن الديمقراطية نوع من الخيال ، حين تكمم الأفواه وتكسر الأقلام يصبح لا معنى للحديث عن الديمقراطية ، حين يصبح التعذيب سمة للحكم وليس تجاوز أفراد يصبح الإصلاح السياسي نكتة بايخة لا معني لها ، وكذلك فإن الحديث عن التجديد لمبارك لولاية جديدة أو إحلال نجله جمال مكانه لا معنى لها ، لأن الجسد الحاكم كله فاسد وعفن ولا يجدي معه علاج سوي البتر.

من حقنا أن نأسف لدور النظام المصري الحالي وتحوله إلى ذيل للسياسة الأمريكية الذي أصبح مثل الأسد العجوز هفية ومطية لقرود الغابة ، من حقنا أن نفكر بشكل جماعي في كيفية مواجهة الجراد وتنمية مصر ، علينا أن نضع خطة للمستقبل ونسعى لتحقيقها وان نسعى للتغيير على كافة المستويات فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

إلهامي الميرغني
21/11/2004
eme55@hotmail.com