دروس من سقوط أحمد الجلبي
ألهامى الميرغنى باحث مصرى

إن من يفرط في حقوق بلاده ولو مرة واحدة
يبقى أبد الدهر ، مزعزع العزيمة سقيم الوجدان .
                                  مصطفى كامل


كان احمد الجلبى يحلم بحكم العراق تحت حماية الدبابات الأمريكية ، وباع وطنه للمحتل مقابل بضعة ملايين من الدولارات ،ولكن رغم انه أستاذ في الرياضيات إلا أن لم يحسبها بشكل صحيح ، ووقع في الخطأ عند حساب علاقته مع الأمريكان وظن أنه سيظل عميلهم المدلل رغم تبدل الظروف وتغير الأدوار، استنفذ أغراضه فتخلى عنه سادته والقوا به في أقرب صندوق قمامة ليدخل مزبلة التاريخ مع كل الخونة والعملاء الذين باعوا أوطانهم.
لقد غادر الجلبى العراق عام 1956 وعمل في الجامعة الأمريكية في بيروت حتى عام 1975 ، ثم أنشئ بنك البتراء في الأردن عام 1977 ، وفى عام 1989 أنهار البنك في أكبر فضيحة فساد وصدر على الجلبى حكم في الأردن بالسجن لمدة 22 سنة مع الأشغال الشاقة ، وكان قد هرب إلى سوريا ومنها إلى بريطانيا حيث أسس حزبه المسمى " المؤتمر الوطني العراقي".( الأستاذة شيرين يونس على ـ أحمد الجلبي .. مقامر أم حالم بالسلطة ؟ موقع إسلام أون لاين 21/4/2003 ) .

عندما وصل الجلبى إلى الولايات المتحدة كان يعرف طريقه جيدا وكان على استعداد ليضع نفسه في خدمة كل من يدفع ، فوثق علاقاته مع صقور الإدارة الأمريكية مثل ريتشارد بيرل ورونالد رامسيفيلد وجيسى ولسي المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية.وتمكن الجلبى في عام 1995 من إقناع إدارة الرئيس كلينتون بإمكانية الإطاحة بصدام حسين من خلال ثورة كردية مولتها الولايات المتحدة وانتهت بمجزرة جديدة بحق الأكراد. وفى عام 1998 عندما أصدر الكونجرس " قانون تحرير العراق " ووضع 100 مليون دولار لتمويل هذه الخطة حصل الجلبي وحزبه على نصيب مناسب من هذه الصفقة حيث كان الأمريكيون يعتبرونه بديل لنظام صدام .
وفى عام 2001 بدأت أول محاولات لوزارة الخارجية الأمريكية في فتح ملفات تمويل الجلبى وحزب المؤتمر الوطني العراقي ولكن تأجل الموضوع لحين سقوط صدام.
لقد سمي الجلبى احتلال العراق " إنقاذ " ودفعه طموحه وغروره إلى محاولة تشكيل حكومة مؤقتة عقب سقوط نظام صدام ولكن الإدارة الأمريكية رفضت ذلك بشدة وهددت بقطع الدعم عنه . وعند تشكيل مجلس الحكم الإنتقالى كان الجلبى ضمن التشكيل الرئيسي له، ولكن ظل حلم قيادة العراق يراوده رغم تخلى المحتل عنه منذ شهور بعد أن استنفذ أغراضه ، وحين ظن أنه قادر على أن يكون لاعب مستقل في مستقبل العراق السياسي أطاح به حلفائه واقتحموا منزله وصادروا وثائق حزبه المزعوم ليعطوا درس جديد لكل العملاء ، بأنهم مجرد أوراق في اللعبة وعندما سيأتي دورهم سيلقى بهم إلى طاولة اللعب لينتهي استخدامهم وأن طال الزمن.

وعندما نتأمل صعود وهبوط الجلبى نجد عدد من الدروس الهامة منها:
    ـ إن الخائن وان طال به الزمن حتما سينتهي دوره ولننظر في التاريخ إلى سلطان باشا الذي فتح مصر أمام الاستعمار الإنجليزي عام 1882 والى بطرس باشا غالى عميل الاستعمار الإنجليزي والى كافة العملاء على امتداد الوطن العربي وأين انتهى بهم المطاف.
    ـ إن الدول الكبرى تبحث دائماً لها عن عملاء لأداء أدوار محددة وفق خططهم ومصالحهم وما يظنه العملاء مكسب سيدوم ينتهي عادة بمأساة ولننظر إلى رؤساء الدول من شاه إيران إلى موبوتو وعيدي أمين وأخيرا ارستيد رئيس هايتي المخلوع حين انتهى دورهم تخلى عنهم أسيادهم وتركوهم يلاقون مصيرهم المناسب.
    ـ إن ملايين الدولارات التي يجمعها الخونة لمصالح بلدانهم وبيع أوطانهم للمستعمر هي ثمن ضئيل ومهما تضخمت أرصدتهم وثرواتهم فهي لن تفيدهم حين يصبحون منبوذين من أسيادهم ويلقون بهم على قارعة طريق .

هل يفهم الخونة العرب أن نهايتهم حتمية ، وأن أدوارهم الحالية لابد ستنتهي ، وان موازين القوى لن تستمر لصالحهم ، وأن مكانهم محفوظ في مزبلة التاريخ . وأن المستعمر لن يسمح لأحد من عملائه أن يتجاوز الخطوط التي رسمها له وحين يفكر في اللعب بشكل مستقل سيلقى مصير الجلبى .
هل يعي الخونة الدرس ... نرجوا ذلك ...

إلهامي الميرغني
21/4/2004
eme55@hotmail.com