رغم رأيي الواضح في إتفاقية أوسلو وإفرازاتها التي شرعت وتشرع الإحتلال وتجمله، ورغم يقيني بأن الإنتخابات المزمعة لن تقدم أو تؤخر في الوضع، اللهم إلا الإيحاء بأننا دولة ذات سيادة تمارس ديمقراطيتها، ورغم قناعتي بأن رموز أوسلو الذين يدعون أنهم يمثلون الشعب الفلسطيني لا يمثلون في حقيقة الأمر إلا مصالحهم، ورغم إعتقادي شبه اليقيني بأن الفائز في تلك الإنتخابات أعد سلفا بالإسم حتى قبل رحيل عرفات، إلا أنني سأفترض بعض الإفتراضات حول الأوضاع بشكل عام وأطرح بعض الأسئلة عن "لعبة" الإنتخابات، عل الإجابة عليها تثبت أن رأيي ويقيني وقناعتي وإعتقادي لا أساس لهم من الصحة .
دعونا نفترض سويا:
أننا دولة مستقلة ذات سيادة، تمارس حريتها ضمن مؤسسات تحترم القانون – وهذا غير صحيح فنحن شعب تحت الإحتلال، ولا زلنا نعاني من ويلات هذا الإحتلال، ولا يستطيع أي "مسؤول" من دخول الحمام إلا بإذن من شارون أو موفاز.
أن دولتنا المستقلة وسلطتها الحرة ذات موارد جبارة وأنها غنية وتستطيع تحمل نفقات إجراء إنتخابات رئاسية في شهر 1 ثم تشريعية في شهر 5 ثم بلدية على مدار السنة وفتحاوية داخلية في شهر 8 – وهذا غير صحيح فالوضع المالي لا يعلم به إلا الله والأموال المختفية لا يعرف مصيرها بعد، والمواطن يعاني الأمرين ويعيش عيشة الكفاف.
أنه لا ضغوط دولية أو إحتلالية علينا وأن العالم سيحترم إختيار الشعب الفلسطيني مهما كان توجهه وسيدعمنا لسواد عيوننا وحرصا على مصلحتنا ولا يريد مرشحا بعينه – وهذا غير صحيح فالمرشح معروف والفائز معروف و "الرئيس" القادم معروف، ولن يقبل "المجتمع الدولي" غيره بديلا.
أن الدول العربية والأجنبية ستتدافع لبناء ما دمره الإحتلال ومحو آثاره بعد أن زالت العقبة التي طالما تذرعوا بها – وهذا غير صحيح فعرفات لم يكن يوما عقبة في طريق التسوية حتى وإن كان ورثته الآن يحاولون الإيحاء بذلك.
أن هناك فصل تام بيت السلطات في منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية ولا يوجد أي تداخل في المهام، وكذلك لا توجد أي عوائق أمام المجلس التشريعي في ممارسة مهامه – وهذا غير صحيح لأن حكام المنظمة هم أنفسهم حكام السلطة والتشريعي تابع يبصم ويقر.
أن حركة فتح بإعتبارها الحزب الحاكم تراعي مصلحة الشعب وتقدمها على المصلحة الحركية ولذلك سترفض أي مرشح عليه علامات إستفهام، وستقر فقط من يثبت حرصه على الوطن والمواطن – وهذا غير صحيح حيث أقرت فتح بحرسها القديم وبمعتقليها وبكتائبها ترشيح من كانت ترفضه قبل شهرين فقط!
أن الفائز من فتح يتحمل وحده مسؤولية ما يطرحه – وهذا غير صحيح لأن الآخرين سيتحملون النتائج وعلى رأسهم البرغوثي الذي أقر وأثنى وشجع وبارك وتمنى الفوز الكاسح للمرشح الأوحد وتاريخه النضالي العريق.
أن القيادات في الخارج تمارس مهامها بحرية ورأيها يحترم ويؤخذ بعين الإعتبار والجميع يحرص أن تكون متواجدة في الإجتماعات وفي صنع القرار – وهذا غير صحيح فقد تم إقصاء وإستبعاد هذه القيادات كفاروق القدومي وغيره بالإصرار على عقد الإجتماعات في الأراضي المحتلة.
أن قانون الإنتخابات وبرتوكول الإنتخابات لا يخضعان لأحد واللجنة الإنتخابية تمارس عملها بحرية وعدل بين المرشحين – وهذا غير صحيح فبقراءة بسيطة نكتشف أن صاحب الكلمة الفصل في قبول أو رفض المسجلين والمترشحين هي سلطات الإحتلال.
أن السجل الإنتخابي شرعي وقانوني – وهذا غير صحيح فالتجاوزات خطيرة والإعتراضات كثيرة وفترة التسجيل مددت أكثر من مرة.
أن جميع المرشحين لمنصب الرئيس، وما أكثرهم، يمارسون حقهم في الدعاية الإنتخابية على قدم المساواة وبشكل متكافيء مع المرشح "الرسمي" المرضي عنه – وهذا غير صحيح فصاحب الحظوة يستقبل ويودع ويصدر القرارات ويعد بأمور كثيرة، فهو يدرك أنه الفائز، اما الآخرين فلا نعرف حتى أسماء بعضهم.
أن جميع الحركات والفصائل والأحزاب والمنظمات في فلسطين المحتلة تقر وتشارك في هذه الإنتخابات وبالتالي فهي شرعية وممثلة لكل الشعب – وهذا غير صحيح فالغالبية من أبناء الشعب والمؤسسات التي تمثله ترى في الإنتخابات إستمرار لنهج عبثي تفريطي.
أن برنامج "السيد الرئيس" القادم واضح وجلي وقائم على الثوابت الوطنية – وهذا غير صحيح فالبرنامج الوحيد الذي صدر ويصدر عنه هو إستمراره وإصراره على نهج أوسلو.
بطبيعة الحال يمكننا أن نستمر في الإفتراضات إلى ما لا نهاية، لكن لنسلّم جدلا أنها واقع ملموس وليس إفتراضات – رغم أنها غير صحيحة – ولنقبل بها ونبدأ الأسئلة :
كيف قفزت شعبية المرشح الأوحد من أقل من 3% في شهر 9 من عام 2002 إلى 40% في الأسبوع الذي تلا رحيل عرفات؟
ماذا قدم المرشح الأوحد للشعب أو الوطن منذ توقيعه الأول عام 1993 وحتى الآن ليصبح فجأة مناضل وصاحب تاريخ نضالي عريق؟
كيف لنا أن نقنع الناس والشعب والناخبين أن المرشح الأوحد هو مصلحة عليا وإختيار وطني ويجب أن يفوز بأغلبية ساحقة كما صرح مروان البرغوثي من سجنه يوم 28/11/2004؟ وهل هو مقتنع بذلك ورأيه السابق في هذا المرشح لم ننسه بعد؟
لماذا لا تجري الإنتخابات التشريعية مع الرئاسية والبلدية في وقت واحد، فمراكز الإقتراع والفرق المشرفة وبطاقات التصويت ستكون جاهزة وسيوفر ذلك الكثير من المال والجهد والوقت والعناء، أم أن هناك أسباب لا نعرفها؟
أليس من المنطق أن يكون التشريعي الذي من المفترض أن يوافق على أي قرارات ذو صلاحية غير منتهية؟
لماذا لا تتم إنتخابات حركة فتح الآن ومن بعدها تقر الحركة مرشحها بدلا من تأجيلها لشهر آب/أغسطس القادم؟ أم أن المرشح يعلو ولا يعلى عليه؟ أو أن الصفقة بين الحرس القديم والحرس الجديد تحتم ذلك؟
لماذا لا يصدر المرشح الأوحد المضمون الفوز برنامجه الإنتخابي، أو بالأحرى كيف تم إعتماده من فتح بشيبها وشبابها دون برنامج واضح؟
هل تقبل كوادر فتح بمرشح الحركة حتى وإن كان من مؤيدي وثيقة جنيف ومن أشد المعادين للإنتفاضة؟
من الذي أعطى هذا المرشح الحق بإصدار القرارات التنفيذية الخاصة بالسلطة رغم أنها لم يصبح رئيسها، ولو الآن فقط، وبغض النظر كونه تربع على رأس منظمة التحرير وهو ما لا يعطيه الحق في الأمور السلطوية التنفيذية في وجود رئيس مؤقت لها؟
هل يحق لأي كان في الفترة الإنتقالية تغيير أيا من القوانين السارية تجهيزا للمرحلة التي يستلم فيها الرئاسة المضمونة؟
كيف يمكن البدء في المفاوضات مع الإحتلال الآن وقبل حسم نتائج الإنتخابات كما صرح بذلك رعنان غيسين؟ أم أن النصر والفوز المضمون يعطيان الشرعية لما هو مؤقت ومرحلي؟
ألم يمل الشعب من وجوه الفساد التي عادت إلى الواجهة أو أعيد بعضها لمناصبه بعد رحيل عرفات؟ أم أنه مكتوب علينا أن نبقى نعيش زمن الأبوات؟
أليس من العدل، بل ومن ضمن قانون الإنتخابات الذي وضعته سلطة أوسلو نفسها أن يقدم كل مرشح ذمته المالية وأن لا يكون متورطا في قضايا مخلة بالشرف؟ ما هو مصير ملفات الفساد للمستشارين والوزراء الأشاوس أم أننا نسير على قاعدة العهد الجديد يجب ما قبله؟
لماذا يتم رفض مبدأ القيادة الجماعية وبإستمرار، وأين التنسيق مع الآخرين فيما يخص القضايا المصيرية؟
أين هي نتائج التحقيق بأموال الشعب التي لا يعرف مكانها أو حجمها والتي كانت في يد "الزعيم الراحل" لعشرات السنين؟ ومن أعطى المرشح الأوحد الحق في إبرام الصفقات لإرضاء فلان أو علان أو أرملة الراحل؟
بعد الفوز المضمون للمرشح الأوحد هل سنعود لدوامة الممثل الشرعي المنتخب ديمقراطيا والممثل للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج بإعتباره رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية؟ وهل سيقبل من همّشوا لسنوات بهذا الشرعي اللاشرعي؟
ما هو موقف القوى الأخرى في فلسطين من المطروح حاليا والذي يستهدفها مباشرة؟ أم أن الجميع إعتاد على ما يجري على قاعدة أدر خدك الأيسر؟
تساؤلات كثيرة مع إفتراضات باطلة من أساسها، أضعها بين يدي القاريء، وأنا على يقين أن هناك غيرها الكثير والكثير، وأتركها لعقله وفهمه وإدراكه، والإجابة عليها وبالتأكيد ستلقي بالضوء على حجم "اللعبة" الإنتخابية التي تعد وتطبخ.
لا يهم إن فاز المرشح الأوحد المناضل العريق، ولا يهم من يكون الرئيس، لأن من سيأتي سيكون مجرد صورة لتمرير تلك "اللعبة"، والخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني، وما يحاك أكبر وأخطر من الصراع على المناصب الوهمية لسلطة ورقية، يتحكم الإحتلال بكل شاردة وواردة فيها، والتركيز لابد أن يكون على الأهداف المعلنة والخفية، بدلا من الصورة الخارجية التجميلية.
لقد دخلت الأمور مرحلة دقيقة وحاسمة من جولات أوسلو، والمرحلة المقبلة ستكون بين الثوابت والحقوق والمباديء، وبين نهج أوسلو ورموزه الذين يحاولون تزوير التاريخ وتشويهه والترويج لأفكار سبق وأن رفضت وتمرير المخططات للتفريط فيما تبقى من المرحلة السابقة.
المطلوب هو أن ننتبه جميعا لتلك اللعبة وأن لا ننجر وراء الأشخاص والزعامات والقيادات التي تعقد الصفقات علنا وسرا، من خارج القضبان ومن داخلها، من أجل مصالح فئوية ضيقة، وبحجج واهية وبمسميات عديدة.
علينا أن نصر على قيادة جماعية موحدة وطنية، تقود الشعب على مبدأ التحرير والإنعتاق، ومن خلال التمسك بالثوابت الوطنية والمباديء والحقوق، كما أن علينا أن نرفض سياسات التفرد وفرض الأمر الواقع ومحاولات تزوير التاريخ والتنازل المجاني مقابل وعود فارغة، وأن نصر أيضا على تفعيل مؤسسات العمل المدني والمؤسسات الرسمية الممثلة للشعب، والأهم من هذا كله التحرر من عقلية الأبوات أصحاب التاريخ النضالي.
وللحديث بقية