.... ولا يوجد أحقر من الذي يتبرأ من وطنه
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي
هذه العبارة جزء من قول مأثور يقول: لايوجد أسوأ من الذي يتنكر لوالديه.. ولايوجد أحقر من الذي يتبرأ من وطنه، قول قفز لذاكرتي عند قراءة خبر توقيع سري نسيبة بصفته رئيساً لجامعة القدس، مع رئيس الجامعة العبرية علي اتفاقية تعاون مشترك بين الجامعتين، وهو ما قد يبرره البعض باعتباره اتفاق أكاديمي بين جامعتين لكن أن تصل الوقاحة أن يدين الموقف المشرف والشجاع لاتحاد الأكاديميين البريطانيين بمقاطعة جامعتي حيفا وبار ايلان، وأن ينصب نفسه مدافعاً عن تلك الجامعات التي تحولت لأداة تحريضية سياسية للإحتلال، فهو ما لايمكن تبريره، وينطبق عليه سابق القول.

قبل البدء: عفواً يا من ستقولون مهلاً وحسبك، خفف قولك واختر ألفاظك، ولا تجلد الرجل واحترم رأيه، واترك الصفات والكلمات "الجارحة" واترك "للصلح مطرح"، عفواً فمثل هذا لا يستحق الإحترام ولا التلطف في القول، ولا المسايرة والمسايسة فقد بلغ السيل الزبى، والسكوت عنه وعن أمثاله هو ما يُطمع أعداءنا فينا، ويُصغر موقفنا، ويفسد إنجازات فئة تعمل بصمت لحشد الدعم لقضيتنا العادلة، وينحاز لأعداء شعبنا، فأي احترام يستحق، وأي تلطف مطلوب، بل ولولا أن الموقف لا يحتمل لكان في القول غلظة وشدة أكثر من ذلك، عليه وعلى من يدعمه من الله ما يستحق.

ليست هذه المرة الأولى، وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، التي يتبنى فيها سري نسيبة مثل هذه المواقف والأفكار ضد شعبه ووطنه وقضيته، وهو ما كان سبباً للكثير من المطالبات بعزله بل ومقاضاته على مواقفه المخزية تلك، مطالب جاءت من أفراد وجماعات وفصائل، ورغم ذلك تمسكت ولا زالت تتمسك به سلطة الفساد والإفساد، سلطة اوسلو، ليستمر في نفث سمومه وحقده على شعبه، مشوهاً نضالاته وتضحياته، ومبدياً إعجابه بالآخر دون تحفظ.

مرة أخرى هذه ليست تهم ترمى دون دليل، أو تجنٍ على الحقيقة، ولندع مواقفه المشينة تتحدث عنه:

  • عام 1987 كان سرى نسيبة أول من يخرق المحرمات الفلسطينية علناً (سبق أن خرقها محمود عبّاس سراً ومنذ عام 1968) باجتماعه مع عضو حزب الليكود موشي عميراف، ليعلن لاحقاً وفي نفس العام أنه يجب الرضوخ للأمر الواقع لأنه لا يمكن الوقوف بوجه "إسرائيل".

  • في عام 1991 شارك مارك هيلر في كتاب "بدون أبواق، بدون طبول" داعياً لحل المشكلة في إطار دولتين دون عودة اللاجئين

  • تسلم رئاسة جامعة القدس عام 1995، ومنذ ذلك الحين نشر العشرات من المقالات التي تدعو لإسقاط حق العودة

  • مكافأة له على تلك المواقف المنسجمة مع موقف سلطة أوسلو، وبدلاً من الضرب على يده وعزله، تم تعيينه مسؤولاً عن ملف القدس في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2001

  • في العام 2002 لم يترك مناسبة إلا وهاجم فيها الإنتفاضة واعتبرها مأساة على الشعب الفلسطيني، وصدرت الكثير من الدعوات لمحاكمته كان أشهرها بيان كتائب العودة في شهر يونيو/حزيران 2002 بعد أن صرح بأنه سيبحث ويجد شيخاً يفتي له بوقف الإنتفاضة وضررها!!

  • في نفس الشهر وبتاريخ 29/06/2002 وفي برنامج حوار مفتوح على قناة الجزيرة ولدى إحراجه حول رأيه وموقفه من الإنتفاضة قال أن الإنتفاضة الصحيحة هي فارس عودة وما حدث في جنين، بمعنى أن نذبح بصمت دون المساس بالإحتلال ليصول ويجول وأمثاله.

  • في نفس العام أيضاً وفي لقاء مع صحيفة "زود دوتشه" الألمانية قال نسيبة وبالحرف: علينا أن نتعلم من اليهود فهم شعب يحترم القيم الدينية، كذلك علينا أن نتعلم من تراثهم وعاداتهم، بما في ذلك حبهم ومساعدتهم للآخرين، ليضيف " إذا كانت مقاومة الاحتلال لا تثمر في نهاية المطاف عن حياة حرة ديمقراطية فأنا لا أريد نهاية الاحتلال"

  • أما الشعب الفلسطيني فكان نصيبه وصفه بالإرهاب ليقول في لقاء مع صحيفة القدس يوم 28/11/2002 أن "وقف الإرهاب – يقصد الإرهاب الفلسطيني طبعاً - يساعد معسكر السلام "الإسرائيلي"

  • برز اسم سري نسيبة وبشكل كبير بعد نشره لخطة الهدف المعروفة باسم وثيقة نسيبة- أيالون في 02 سبتمبر/أيلول (عامي أيالون هو قائد سلاح البحرية وجهاز الشين بيت السابق)، وتنص حرفياً على:
  • "يعترف الشعبان، اليهودي والفلسطيني، كل واحد بالحقوق التاريخية لغيره على نفس الارض. على مدار الاجيال سعى الشعب اليهودي الى اقامة الدولة اليهودية في كافة ارجاء ارض اسرائيل، بينما سعى الشعب الفلسطيني هو الاخر الى اقامة دولة في كافة ارجاء فلسطين. يتفق الطرفان بهذا على حل وسط تاريخي، يقوم على مبدأ دولتين سياديتين دائمتين تعيشان الواحدة بجانب الاخرى. اعلان النوايا المقدم هنا هو تعبير عن ارادة غالبية الشعب. يؤمن الطرفان ان هذه المبادرة ستسمح لهما بالتاثير على قادتهما وبذلك يفتحان فصلا جديدا في تاريخ المنطقة. هذا الفصل الجديد سيتم تحققه ايضا بدعوة الاسرة الدولية لضمان امن المنطقة والمساعدة في تطوير الاقتصاد فيها.

    اعلان النوايا:

    1) دولتان لشعبين: يعلن الطرفان ان فلسطين هي الدولة الوحيدة للشعب الفلسطيني واسرائيل هي الدولة الوحيدة للشعب اليهودي.

    2) الحدود: تتفق الدولتان على اقامة حدود دائمة بينهما على اساس حدود 4 حزيران 1967 وقرارات الامم المتحدة ومبادرة السلام العربية (المبادرة السعودية).

  • تقوم التعديلات الحدودية على تبادل مناطق بالتساوي (واحد الى واحد) بموجب المتطلبات الحيوية للطرفين، وبضمنها الامن والتواصل الاقليمي والاعتبارات الديموغرافية.
  • المنطقتان الجغرافيتان اللتان ستشكلان الدولة الفلسطينية – الضفة الغربية وقطاع غزة – تكونان متصلتان ببعضهما.
  • بعد ارساء الحدود المتفق عليها لن يبقى مستوطنون في الدولة الفلسطينية.

    3) القدس: تكون القدس مدينة مفتوحة وعاصمة للدولتين. يتم ضمان حرية الديانة والوصول التام للاماكن المقدسة للجميع.

  • الاحياء العربية في القدس تكون تحت سيادة فلسطينية والاحياء اليهودية تحت سيادة اسرائيلية.

  • لن تكون لأي طرف سيادة على الاماكن المقدسة، ويتم تعريف دولة فلسطين على انها حارسة (guardian)للحرم الشريف لصالح المسلمين. وتعرّف اسرائيل كحارسة للحائط الغربي لصالح الشعب اليهودي. ويتم الحفاظ على الوضع القائم بخصوص الاماكن المقدسة للمسيحية. لن تجري حفريات داخل الاماكن المقدسة او تحتها.

    4) حق العودة: اعترافا بمعاناة وضائقة اللاجئين الفلسطينيين، فان الاسرة الدولية واسرائيل والدولة الفلسطينية ستبادر وتقدم الاموال لصندوق دولي لتعويض اللاجئين.

  • اللاجئون الفلسطينيون يعودون فقط الى دولة فلسطين. واليهود يعودون فقط لدولة اسرائيل.
  • تقترح الاسرة الدولية تقديم تعويضات لتحسين حال اللاجئين الراغبين بالبقاء في الدول التي يعيشون فيها او الراغبين بالهجرة الى دول ثالثة.

    5) تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وتضمن الاسرة الدولية امنها واستقلالها.

    6) نهاية الصراع: مع التطبيق الكامل لهذه المبادىء توضع نهاية لكافة مطالب الطرفين ويصل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني الى نهايته". انتهت الوثيقة

  • لم يتوقف مسلسل التصريحات واللقاءات والتهجم على الإنتفاضة والمقاومة، والدعوة لإسقاط حق العودة، حيث قام بحملة قبل عام لنشر إعلانات مدفوعة الأجر في الصحف الفلسطينية المحلية يروج فيها لحل الدولة الفلسطينية مقابل التنازل عن حق العودة، هذه الحملة جرت بالتوازي مع حملة أخرى قادها رديفه ياسر عبد ربه لجمع التواقيع تأييداً لتوأم وثيقة نسيبة ألا وهي وثيقة جنيف.

  • وهاهو الآن يوقع إتفاق مع الجامعة العبرية، وتحديداً في لندن كرد على الأكاديميين البريطانيين الأحرار، ليقدم هدية مجانية للإحتلال هو بأمس الحاجة لها لضرب موقف المؤيديين للقضية الفلسطينية ليصرح بوقاحة منقطعة النظير لصحيفة هآرتس العبرية قائلاً: "ان هناك جهات في الطرف الفلسطيني تعمل علي توسيع مقاطعة الجامعات الاسرائيلية، ونحن نقول ان هذه الطريق غير مقبولة علينا البتة ونشجبها ونستنكرها، ونعتقد انه في ظل هذا الوضع علينا تكثيف التعاون بين الجامعات الاسرائيلية والفلسطينية، وعلينا ان نفرق بين مؤسسات المجتمع المدني في اسرائيل وبين سياسات حكومة اسرائيل".
  • كانت مواقفه التي يكافأ عليها غالباً من قبل سلطة أوسلو تُبرر بأنها مواقف فردية لاتمثل الموقف الرسمي رغم أنه كان يشغل مناصب رسمية في حينها، أما موقفه الأخير فجاء بصفته رئيساً لجامعة القدس الفلسطينية وللأسف، وأفضل ما قيل هو ما نشره الزميل نضال حمد في مقاله الأخير حيث قال: "تعتبر هدية سري نسيبة للصهاينة وحلفائهم طعنة قوية و حادة كذلك جريمة بشعة بحق الفلسطينيين وحلفائهم في إنكلترا وأوروبا والعالم،خاصة أنها جاءت من شخص مفترض انه فلسطيني ومحسوب على شعبنا وجهاً وطنياً مقدسياً، كذلك من قادة منظمة التحرير الفلسطينية.مع العلم انه من قادة المصادفة الذين صنعتهم القيادة التي كانت تتحكم وتتنفذ في المنظمة. إن جريمة أو هدية نسيبة تلك ستعطي الصهاينة وأعوانهم دفعة قوية في محاولاتهم إفشال قرارات مقاطعة إسرائيل في أوروبا والعالم،ولا يمكن وصف اتفاقية نسيبة مع الجامعة العبرية سوى بالجريمة النكراء. ولو كان لدى الفلسطينيين دولة مستقلة و قضاء عادل وحر ونزيه لتوجب محاكمة سري نسيبة بتهمة الخيانة العظمى ... سري نسيبة وأمثاله من أوباش السلام الملعون،هؤلاء الذين يعتاشون على مص دماء أبناء الشعب الفلسطيني والاتجار بقضيته وحقوقه الوطنية. شيء مخجل أنهم لازالوا أحرارا بيننا، فهل بعد تلك الأفعال يجوز تركهم طلقاء؟.. هؤلاء لا يمتون لفلسطين بصلة، هؤلاء همهم البيع والشراء والمتاجرة بفلسطين سرا وعلانية ... هذا نسيبة يقوم بدور المنقذ للجامعات الصهيونية.ولم يكفه خيانته لشعبه ولمناصري القضية الفلسطينية في بريطانيا والعالم، بل ذهب ابعد من ذلك حين انتقد قرار المقاطعة الذي اتخذته نقابة المحاضرين البريطانيين. فهل يكتفي الفلسطينيون المطالبة بإقالته وطرده من وظيفته؟ اعتقد أن عليهم أيضا واجب محاكمته".

    لا يكفي عزله وكف يده عن صرح تعليمي فلسطيني شوهه بأقواله وأفعاله المشينة، لكن لابد من محاكمته وأمثاله من المطبعين البائعين للحقوق كرديفه ياسر عبد ربه الذي وللأسف الشديد لازال عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، محاكمتهم وعلى رؤوس الأشهاد ليكونوا عبرة لمن يعتبر.

    كذلك ومن باب العدل وإحقاق الحق لابد أن يحاسب رموز أوسلو لموقفهم المؤيد والمؤازر لهؤلاء من أشباه الرجال وأعداء الشعب، بل وتقريبهم من مراكز صنع القرار وترقيتهم، ومشاركتهم في مخازيهم كحضور توقيع إتفاقية جنيف من قبل أعضاء في التشريعي، وبوفد رسمي يمثل سلطة أوسلو قاده جبريل الرجوب، والضغط على المجلس التشريعي للتصويت ضد قرار إدانة وثيقة جنيف.

    ربما كان نسيبة وعبد ربه هم الصفوف المتقدمة لزمرة وسلطة أوسلو، وقد يكونوا في "بوز المدفع" أي أن يقوموا بتمرير وتعويد الشعب على تنازلات محتملة تدريجياً بالإتفاق المسبق مع سلطة أوسلو، ليتقبلها الناس بعد فترة بعد الإعتياد على سماعها وقراءتها في الصحف، ولا يفوتنا أن فخامة الرئيس وفخامة رئيس الوزراء في السلطة المبجلة وقعوا أيضاً إتفاقات مشابهة لا تقل تفريطاً وشبهة تحت مسميات ثنائية منها وثيقة عباس - بيلين، ووثيقة قريع -بيريز، نعم قد يكونوا كذلك، لكنهم أيضاً يجب أن يكونوا ومن يقف وراءهم ومعهم عبرة لمن يتطاول على شعبنا ومقاومته وحقوقه وثوابته مهما كان منصبه ومركزه.

    خلال تظاهرات سابقة منددة بالإتفاقات المشبوهة أطلق أبناء شعبنا شعارات وهتافات ضد المطبعين، أختم ببعضها للتدليل على وعي شعبنا لما يحاك من مؤامرات:

    يلي تحطّو مشاريع
    حق العودة ما بيضيع
    ارض الوطن ما بنبيع

    سري نسيبة اسمع منا
    ضب لسانك وابعد عنا

    سري نسيبة يا بن أنور
    حق العودة هو الأخطر

    اوعى تقايض حق بحق
    والا راسك راح يندق

    سري صرح سري قال
    انسوا العودة يا أجيال

    ردوا ردوا يا رجال
    نار ولعنة عالدجال

    يا دعاة الاستسلام
    يا أنذال يا أقزام

    يا عباس ويا بو قريع
    حق العودة مش للبيع

    يا عباس لا تنسى
    ملايين في المنفى

    والله عجايب يا اخوان
    صاروا سباع هالفيران

    من جنيف للهدف
    باعوا الوطن والشرف
    وأخيراً، ألا يتفق القاريء معي بعد كل ذلك على العنوان، الذي يعتبر أقل مما يمكن أن يوصف به هؤلاء؟

    د. إبراهيم حمامي
    DrHamami@Hotmail.com
    26/05/2005