إلى عرفات : إرحل فلصبر هذا الشعب حدود !
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي

من مواطن فلسطيني 23/7/2004

السيد...... لا أدري بأي الأسماء أناديك أو بأي الألقاب أخاطبك فالنعوت كثيرة، فأنت المناضل ياسر عرفات والأخ أبو عمار والقائد الرمز وصخرة الصمود وأنت الرقم الصعب والشريك في سلام الشجعان وأنت الجبل اللي ما يهزه ريح أما المناصب الرسمية فهي أكثر، رئيس دولة فلسطين، ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ورئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وزعيم حركة فتح والقائد العام لقوات الثورة الفلسطينية !

لايهم أيها تختار أو تفضل فهذا لن يغير من الأمر شيئا فكل ذلك وهم وشعارات وأسماء وهالات خلقتها بنفسك ونسجتها حولك كما يفعل أي حاكم مستبد لتصبح شبه إله معبود يسبح بحمدك من زرعتهم حولك من أفاقين ومنافقين ودجالين ومنتفعين وفاسدين، صنعوا منك خطا أحمر دون الوطن ورمزا أسطوريا لايجوز المساس به .

السيد المناضل

هذه ليست رسالة مديح وثناء وتطبيل وتزمير كما عودتك الجوقة الملتفة حولك ولكنها مجموعة من التساؤلات تشغل بالي وبال الكثيرين ولكن بالهمس والمجالس الخاصة، وصدقني أن هؤلاء الكثيرون أكثر مما تتصور، والتساؤلات مشروعة ومبنية على حقائق تاريخية عشناها جميعا فصلا فصلا ودفعنا ثمنها دموعا ودم .

إن حالة الفوضى التي أوصلتنا إليها قراراتك الكارثية والعقيمة هي التي دفعتني للكتابة في هذا الوقت خاصة ما جرى ويجري هذه الأيام من عبثية واضحة وإستهتار برغبات الشعب الفلسطيني البطل ومن تعيينات فردية فاسدة لإقالة فلان وتعيين آخر على قاعدة الولاء لك رغم فساد الجميع الواضح والمعروف وعمالة البعض للإحتلال، ثم إعادة تعيين من أقيل بعد ترقيته ثم وبكل بساطة عادت المياه إلى مجاريها بسبب حكمة الرمز !

قد تظن أنك تستطيع التعامل مع الشعب الفلسطيني كرموزك الفاسدة والتي تتعامل معها كأحذية تنتعلها متى تشاء وتخلعها كما تشاء وهي كالأنعام أو أضل سبيلا لاتشتكي أو تعترض طالما بقيت بطونها وجيوبها مملؤة بما تغدقه عليها وما تيسر من نهب وسرقة، وقد تظن أنه يمكنك المراهنة على مكانتك التي خلقتها بنفسك ووضعت هالة من العظمة والحكمة عليها لتمرير هذا القرار أو ذاك، ولكن هيهات فقد إنكشف المستور وبان المرج بعد أن ذاب الثلج ولم تعد تلك الحيل والأساليب تنطلي على أحد .

السيد أبو عمّار

لقد تعاملت معنا ولأكثر من ثلاثة عقود من الزمان وكأننا قطيع من الأغنام تهش عليها بعصاك السحرية فننصاع لك لأنك صاحب التاريخ النضالي الطويل فأنت من أعطى للفلسطيني هويته -وكأننا لم نكن على وجه الأرض قبلك- وأنت من بدأ المقاومة -متناسيا ولاغيا تاريخ طويل ممتد على مدى القرون- وأنت صاحب إنتصار الكرامة ?الذي صنعته سواعد المقاتلين من فلسطين والأردن- ولكن لحظة... عن أي تاريخ نتحدث؟ هل هو التاريخ السابق الذكر المحرف والمشوه ليظهرك كبطل ورمز وأسطورة؟ أم عن الكوارث التي جلبتها أينما حللت؟ أم عن عشرات الألوف ممن سقطوا في الأردن ولبنان والآن في فلسطين بسبب ممارسات الفساد ذاتها التي نتحدث في صلبها والتي دأبت عليها وأصبحت منهاجا ثابتا منذ أصبحت على رأس الهرم السياسي الفلسطيني عام 1968؟ أو ربما عن مآسي عشرات الألوف في الدول العربية الذين شردوا بسبب سياسات خرقاء -دون إعفاء هذه الدول من المسؤلية ؟

لاأعرف من أين أبدأ أو أين أنتهي فإنجازاتك العظيمة لاحصر لها ولا أعرف تحديدا ما الذي حققته قيادتك للشعب الفلسطيني غير الدمار وليس العمار يا أبو..عمار

ولكن دعني أفترض جدلا أنك صاحب التاريخ النضالي الطويل ودعني أقر زورا وبهتانا أنك بطل هذا الزمان فهل يا ترى يبرر هذا ما قمت وتقوم به؟ التاريخ النضالي حتى وإن كان حقيقة لم يكن يوما ولن يكون ولن نسمح له بأن يكون مبررا للغطرسة والدكتاتورية والتسلط والفساد والتفريط .

السيد عرفات

أنا أعلم أنك لطالما نجحت في إسكات كل معارضيك إما بالإغراء وشراء الذمم أو بالتهديد والوعيد أو حتى بالتصفية الجسدية والقائمة طويلة والذاكرة لم تصدأ بعد لننسى ناجي العلى وسعد صايل وإطلاق النار على د.عبد الستار قاسم أو النائب معاوية المصري أو ضرب أعضاء التشريعي بعد بيان العشرين، وأعلم كذلك أنك نجحت في إخماد كل من شكل خطر على مشاريعك التصفوية ومن المستحيل أن تكون صدفة أنك وصلت غزة وحدك بعد أن تحول كل رفاقك إلى المرحوم فلان والمرحوم علاّن، وليست صدفة أن تصفى جماعة الفهد الأسود الفتحاوية قبل دخولك غزة وتوقيع إتفاق أوسلو المشؤوم كما أنها ليست صدفة أن يتم إغتيال نايف أبو شرخ ورفاقه بالتوالي بعد أقل من نصف شهر من تصريحه الشهير ضد سلطتكم الفاسدة. أعلم كل ذلك ولكنني سأواجهك بالحقيقة كما هي لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس ولا نية لدي لأكون واحدا حتى وإن كان لذلك ثمن باهظ .

السيد الرمز

بكل تأكيد ستبدأ الأبواق المعروفة بمهاجمة كل من يتجرأ على الرمز الإله في عصر سقطت فيه الآلهة وستبدأ بلعني ألف مرة وسأتهم بأنني طابور خامس وما أقوله يصب في مصلحة شارون والإحتلال وأمريكا، وهذا ليس بمستغرب فهذا سبركم دائما في قلب الحقائق. من يخدم شارون والإحتلال هو وجودكم نفسه على رأس سلطة وهمية لاسلطة لها إلا على الورق اللهم السجادة الحمراء وطابور الشرف ولقب رئيس! ألست من فرط بالأرض والشعب وعبثت بالحقوق والثوابت؟ ألست من غير الميثاق وإعترف بالإحتلال وتنازل عن أكثر من 78% من فلسطين التاريخية مقابل كرسي لاوجود له؟ ألست أنت من شكل الأجهزة الأمنية القمعية التي لاوظيفة لها إلا أن تكون حارسا أمينا للإحتلال؟ ألست من فاخر بإحباط عمليات المقاومة وكنت دائما السباق لإدانة كل أشكالها حتى السلمي منها؟ألست من تنازل عن حق العودة جهارا نهارا؟ ألم تتحول فلسطين في عهدك الميمون إلى إقطاعيات تتنازعها ميليشيات ومافيات الفساد؟ منذ وصولك من تونس عاث أزلامك فسادا في الأرض وإنتهكوا الحرمات والمحرمات وتعاملوا مع الشعب كسيد وعبد ورغم ذلك ظل هذا الشعب صابرا مصابرا وكله أمل أن ينصلح الحال ولكن خاب فأله وجاءت الإنتفاضة المباركة لتنقذك ومن معك من الشعب الذي كاد أن ينتفض عليك ولكن كان المتنفس في مقاومة المحتل .

السيد القائد العام

أين كانت بنادق أزلامك عندما أجتيحت رام الله عام 2002 ولك بها آلاف المسلحين؟ ترى كم رصاصة أطلقت من بنادقهم ؟ وكم مرة هبت قوات القمع للدفاع عن الشعب والممتلكات؟ وكم مرة واجهت الإجتياحات المتكررة؟ أم أنها وجدت فقط لقمع هذا الشعب وإطلاق النار عليه كلما خرج للتظاهر ليسقط منه الشهداء والجرحى؟ أيستحق الشعب المناضل أن يزج في السجون والمعتقلات ليعذب فيها على أيدي جلاديك ويسقط منهم العشرات تحت التعذيب؟ ألا تشعر أيها القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية أن إعلان حالة الطواريء عندما إهتز الكرسي من تحتك قبل أيام دون إعلانها طوال سنوات أربع رغم الدمار والتشريد والقتل والتجريف يضع علامات الإستفهام عن سبب وجود قواتك المغوارة والتي أصبحت كالمرتزقة بين يديك؟ هل لازلت تذكر أن رفح تعرضت لعدوان أشبه بالزلزال منذ أسابيع ولم تحرك لا أنت ولا أزلامك ساكنا ولكن عندما أصدرت أوامرك قبل أيام نصبت مضادات الطائرات من عيار 500 ملم فوق الأسطح والمباني في رفح للدفاع عن إبن عمكم في الإستخبارات العسكرية وأطلقت آلاف الرصاصات في الإشتباكات بين أجنحة تنظيمكم وسقط فيها الجرحى ؟ هل هذه ثورتكم التي وعدتم بها ؟

السيد المناضل

سيظهر من يقول أنك وأجهزتك صمام الأمان لهذا الوطن لتحقيق سيادة القانون ووحدانية السلطة وإنهاء فوضى السلاح وغيرها من الأوضاع التي تسببت بها بسياساتك المتكررة وبالتالي تحولت ومن معك إلى خطر داهم وصمام للفوضى والتناحر والتنافس غير الشريف على سلطتك الوهمية الفاسدة وأصبحت ومن تربى في مدارسك مثال هذه الفوضى وظهر لك من هو أعتى منك من بين من إستأمنتهم لينافسك على التنازل وشراء الذمم وليمارس دورك في رش الأموال والعطايا ليكسب ولاء من والاك سابقا فكان دحلان كالتلميذ الذي فاق معلمه بل وإنقلب عليه لتتحمل أنت وحدك المسؤلية من جديد .

السيد الرئيس

ألم تستغرب أن الجميع إستقال أو عرض الإستقالة إحتجاجا على الفساد والفوضى، من رئيس وزراء إلى رئيس المجلس التشريعي إلى قادة الأجهزة القمعية وغيرهم؟ يا ترى من الفاسد إذا إن كان الجميع يحتج ويستقيل ومن بقي غيرك بعد أن تنصل الجميع من المسؤلية؟ أنت الوحيد من بقى في الميدان ولم تقدم إستقالتك بل رفضت إستقالاتهم حتى لاتقع في الحرج ولأنهم حجارة شطرنجك وافقوا وبايعوا وأقروا! هذا لن يعفيك من تحمل النتائج فأنت وحدك المسؤل عن حالة الفساد والفوضى تلك لأنك من عيّن وأقال ومن يمسك بزمام القرار وأنت من رميت بكل ملفات الفساد في أدراج مكتبك وأنت من لايزال مصرا على تعيين الفاسدين منهم بل ترقيتهم، ترى لماذا هذا التمسك والإصرار إن لم تكن معهم في مركب واحد؟ المحاسبة يجب أن تبدأ منك سيادة الرئيس .

السيد القائد

لقد طالت مسرحية حصارك الهزلية التي تنشط كلما إشتدت معارضتك لنكتشف أنك الضحية بعد أن كنت المتهم، وطال معها إصرار الإحتلال وأمريكا على عدم المساس بك وبقاؤك ولكن بدون صلاحيات؟ لماذا سيادة الرئيس؟ هل الخوف منك أم من جيشك الجرار؟ أنا أعلم أنك مشروع شهادة "من زمان" وأنك بطل هذه المسرحية الذي لابد أن ينتصر في النهاية ولكن ألا تعتقد أن الكيل طفح وباتت النهاية مكشوفة ومعروفة؟ ألم تفكر مرة واحدة بالآخرة التي دنا أجلها؟ أم أنه عمى البصر والبصيرة ؟

لن أطيل أكثر من ذلك فما قمت به وآثاره التدميرية كان أوسع وأشمل وأعم من آلة الإحتلال العسكرية ويحتاج لأكثر من رسالة، يحتاج إلى مجلدات لحصره ، فقد إستطعت خلال سنوات معدودة أن تخرب نسيج الشعب الفلسطيني الإجتماعي والأخلاقي ودمرت البنية التحتية بالنهب والسرقة والواسطة والمحسوبية وترعرع في ظلك العملاء ليعدوا بالآلاف وقضيت تقريبا على الإنتفاضة المباركة وفصلت الشعب الفلسطيني ثقافيا وسياسيا عن محيطه الطبيعي العربي والإسلامي وإستفردت به لتقوده وبإقتدار نحو الهاوية وحولتنا في نظر العالم من ضحية إلى جلاد .

الأسوأ من ذلك أنك ضمنت أنه حتى بعد موتك ستبقى الأمور في حيص بيص على يد تلاميذك الورثة وكأنك تطبق المثل: إذا مت فلا نزل القطر .

سيلومني الكثيرون لأنني لم أذكر كل المصائب والمآسي وسيلمومني أكثر ممن يعرفون أكثر فما فعلته أصاب كل بيت وفرد في الصميم وآثاره علّمت على الجميع.

السيد القائد والرمز والمناضل وما تحب وتشتهي من الأسماء والصفات

أقترح عليك حلا :

الحل بسيط وسهل وهو يحفظ ماء الوجه للجميع فيتحرر الشعب من قبضتك وسلطتك الزائفة الفاسدة وفي الوقت ذاته تبقى الآله المعبود لمن يسبح بحمدك دون الله. الحل أن تحزم أمتعتك وترحل ومن معك من فاسدين ومفسدين، إذهب إلى أي مكان تختاره، مصر، تونس أو تل أبيب لايهم ولكن إرحل..إرحل..إرحل .

من يقف حجر عثرة في وجه الشعب وطموحاته وأماله هو أنت ومن معك من فاسدين ومفسدين. لقد نجحت دائما في الخروج من الأزمات بالحيل والوسائل الملتوية، نعم نجحت وأكثر وكنت الناجي الوحيد والمستفيد الأوحد والمنتصر بلا منازع ولكن إلى متى؟ دوام الحال من المحال ولو دامت لغيرك لما آلت لك وما تفعله سيخرج الميت من قبره وسينطق الأخرس ليقول لا وألف لا لأن لصبر هذا الشعب حدود .

* د. إبراهيم حمامي : طبيب وناشط فلسطيني
DrHamami@Hotmail.com
تاريخ النشر : 06:41 23.07.04