أضغـاث أحـلام
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي

بعد كلمة عرفات الأخيرة أمام المجلس التشريعي يوم 18/8/04 والتراجع عنها في اليوم التالي مباشرة برفضه الإلتزام بأي قرارات أو مراسيم رغم هشاشة الوعود، وبعد تسرب الأنباء عن عقد إجتماع "أخوي" بين طرفي الصراع الفوضوي على السلطة وأعني هنا عرفات وربيبه دحلان (المتوقع عقده يوم الإثنين 23/8/04) وإحتمالات تسلم دحلان لمنصب وزاري جديد، وبعد شد ورخي وإستعراض للعضلات والردح اللغوي عبر الفضائيات بين مؤيد ومعارض لهذا الطرف أو ذاك وصلت في بعض الأحيان إلى درجة الإتهام بالعمالة، بعد كل ذلك عصفت بي عدة تساؤلات لتختصر في تساؤل وحيد يجمعها كلها وهو : ما هي المواقف التي "لو" - وأقول لو- إتخذت لأجمع الشعب عليها بقياداته وأفراده وبكل ألوانه وإتجاهاته؟ مواقف تصب في مصلحة الشعب وقضيته ونضاله وتحقق الحد الأدنى من الكرامة والعزة، سؤال ليس باليسير ولكنه في نفس الوقت ليس بالعسير !

بالتأكيد أنه من الصعب بمكان حصر تلك المواقف ولكن لنبدأ بما يجري على الساحة الآن ونتناول القضايا الخلافية بالأساس بعيدا عن الثوابت التي لا مجال للتفاوض عليها أو التلاعب بها كقضية اللاجئين والمستوطنات والقدس وغيرها دون ترتيب أو تسلسل ترابطي :

  • عرفات يعلن أنه يتحمل المسؤلية الكاملة عن أداء سلطة أوسلو ويقرر البدء بالمحاسبة من نفسه فيكشف عن حساباته المصرفية وأملاكه المنقولة وغير المنقولة.

  • النائب العام يقرر فتح الملفات المتراكمة لقضايا الفساد والنهب والسرقة والكسب غير المشروع ويصدر مذكرات إحضار بحق من وردت أسماؤهم في لوائح الإتهام

  • المتهمون جميعا يعلنون إلتزامهم التام بقرارات النائب العام ويضعوا أنفسهم رهن القضاء

  • السلطات الثلاث - التشريعية والتنفيذية والقضائية- تبدأ إعادة تقييم شامل لأدائها معلنة الإستقلالية التامة وإنتهاء الوصاية الفردية عليها

  • سلطة أوسلو تعلن وقف كافة أشكال الإتصالات مع المحتل حتى تتحقق مطالب الأسرى المضربين عن الطعام ووقف بناء الجدار والإجتياحات المتكررة والإغتيالات والإعتراف بحقوقنا المشروعة غير المنقوصة

  • في الوقت نفسه يتم حشد الإمكانات القانونية لرفع قضايا قانونية دولية أمام المحاكم المختصة لدعم الأسرى ولتطبيق قرار محكمة العدل الدولية الخاص بجدار الفصل العنصري

  • البدء في حوار وطني شامل وتشكيل مرجعية عليا من كافة قوى الشعب تعمل ليل نهار على مراقبة أداء الجميع

  • وزير المالية يعلن برنامجا واضحا محددا بالتواريخ والأرقام لإعادة بناء المناطق الفلسطينية

  • دحلان يقر بتحريكه للموالين في محاولته الأخيرة للوصول إلى السلطة ويقرر إعتزال الحياة السياسية

  • النائب العام وبعد إستجواب المتهمين يقرر أن هناك ما يكفي من الأدلة لمحاكمتهم وبالتالي عليهم الإستقالة من مناصبهم - تخيلوا من يتبقى في السلطة حين تصبح بلا رئيس أو رئيس وزراء أو وزراء ؟

  • وزارة الثقافة - وبدلا من حملات دعم السوبر ستار- تقرر إطلاق حملة لنصرة الأسرى والتعريف بقضيتهم ومعاناتهم

  • إلغاء الرقابة على الصحف والمطبوعات

  • إطلاق سراح جميع المعتقلين لدى سلطة أوسلو والإعتذار والتعويض عن الضرر والخسائر خلال سنوات أوسلو العجاف

  • إجراء تغييرات جذرية على ممثلي السلطة في الخارج بعد أن إلتصقوا بمناصبهم لسنوات وسنوات دون أي مردود حقيقي على الصعيد الدولي لدعم القضية الفلسطينية

  • الإمتناع عن الظهور في أية برامج إذاعية لمهاجمة هذا الطرف أو ذاك

  • حل جميع الأجهزة الأمنية بدون إستثتاء والإبقاء على جهاز الشرطة للإشراف على راحة المواطنين وأمنهم

  • زيادة ميزانية الصحة - من 2%- للرقي بمستوى القطاع الصحي وكذلك التعليم مع تحسين أوضاع العاملين في القطاعين

  • حشد الناس فكريا وثقافيا ورفع مستوى الوعي النشط لديهم

  • الإبتعاد عن ثقافة التجهيل والتسبيح بحمد الرمز

  • التعامل مع ظاهرة الجواسيس والعملاء بما ينبغي لها أن تعامل به !

  • إلغاء إحتكارات رموز أوسلو وأبناؤهم وأقاربهم للشركات والمؤسسات الرئيسية

  • دعم قطاع الإسكان خاصة لمحدودي الدخل

  • دعم الإنتفاضة رسميا حتى تحقيق الحرية والإستقلال

  • إنهاء سياسة الحزب أو الفصيل الواحد

  • خلق فرص عمل حقيقية تؤدي في النهاية إلى إنهاء الإعتماد الكامل على إقتصاد الإحتلال

  • إعتبار الكفاءة هي الأساس الأول في التوظيف والقضاء على ظاهرة الواسطة والمحسوبية

  • التركيز على المشاريع الإنتاجية بدلا من الخدمية الإستهلاكية من فنادق وكازينوهات!

  • تطوير القطاع الفلاحي والزراعي الذي يشكل عصب الحياة لغالبية سكان فلسطين

  • إطلاق الحريات العامة والفردية دون رقابة أو قمع

  • إعتبار الجميع سواسية أمام القانون

  • التمسك بالثوابت والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني (دون الدخول في تفاصيل ذلك)

  • هل هذا بكثير على شعب مناضل مكافح؟

    من يقرأ النقاط السابقة لن يملك إلا إجابة واحدة لا ثاني لها "إنت بتحلم" ولا أختلف مع القاريء في ذلك لعدة أسباب منها العقلية المسيطرة على رموز سلطة أوسلو وتغليبهم مصالحهم الشخصية على أية مصلحة أخرى ولأن سلطة أوسلو هي إفراز عملية سياسية ماتت ودفنت.

    لا أعتقد أن هناك أمل في إصلاح أوتغيير إيجابي، طبعا لو إفترضنا جدلا أن هناك سلطة حقيقية تمارس دورها السيادي الفعلي من خلال مؤسسات رسمية وهو ما لا يوجد أصلا، وكل محاولات بث الروح في هذا الجسد الميت هي مضيعة للجهد والوقت وإعاقة لعملية البناء الحقيقية.

    سلطة أوسلو بنيت على باطل وما بني على باطل فهو باطل ونهايتها ستكون أسوأ من بدايتها لأن سوء الخاتمة هو من فساد الإبتداء ومهما عددنا من نقاط وآمال ورغبات فهي وبكل أسف وفي ظل رموز أوسلو تبقى أضغاث أحلام.

    د. إبراهيم حمامي
    طبيب وناشط فلسطيني

    لمراسلة د. إبراهيم حمامي

    تاريخ النشر : 14:51 22.08.04