إرهاصات إنهيار سلطة أوسلو
توثيق وتعليق د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي
حملت الساعات الثماني والأربعين الماضية تطورات جديدة على الصعيد الداخلي الفلسطيني وعلى مستوى سلطة أوسلو، وهي تطورات لم تحظ بأي تغطية إعلامية تذكر رغم مدلولاتها الخطيرة الت تعكس نتيجة واحدة لا غير مفادها أن سلطة أوسلو على شفا الإنهيار المدوي وأنها بدأت إحتضارها وهو ما أدركه بعض رموز هذه السلطة فآثر الهروب المبكر قبل فوات الأوان أو حفاظا على مكاسب جمعها سابقا من خلال التواجد ضمن تركيبة سلطة أوسلو، وفي ظل فوضى مسلحة شبه شاملة إمتدت من القطاع إلى الضفة وبأيد سلطوية صرفة وبين أجنحة متصارعة.

التطورات تلك جرت خلال يومي 18 و 19 أكتوبر/تشرين ثاني 2004 و التي يبدو أنها مرشحة للتصاعد والإستمرار تلخصت في:

  • إستقالة على الجرباوي أمين سر لجنة الإنتخابات المركزية بعد عمل إستمر سنتين وفي أوج العملية التسجيلية وسط أنباء شبه مؤكدة أن الإستقالة جاءت إحتجاجا على الضغوطات الكبيرة التي تعرض لها الجرباوي لتأجيل المرحلة الأولى من الإنتخابات "الرباعية على مدار عام" والتي من المفترض أن تبدأ يوم 09/12/2004 وبسبب حالة الإحباط من عملية التسجيل نفسها. الجدير بالذكر أن عمار الدويك عيّن قائما بأعمال اللجنة وبشكل مؤقت!

  • أيضا قدم المدعو محمد رشيد أو خالد سلام (وهو مستشار عرفات للشؤون الإقتصادية وعرّاب جريمة صفقة المبعدين في كنيسة المهد) إستقالته من مجلس إدارة صندوق الإستثمار وعلى قاعدة "اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب" ليفر بالملايين التي جمعها من قوت وعرق ودماء أبناء هذا الشعب دون رقيب أو حسيب.

    قريع بدوره وفي محاولة لتجاوز أزمته مع التشريعي طالب رئيس التشريعي فتوح بمهلة إضافية لمدة أسبوعين (إبتداءا من يوم 20/10/2004 موعد الجلسة المقررة) لإعداد تقريره حول أداء حكومته خلال الفترة الماضية. قريع الذي فشل في تقديم هذا التقرير على مدار عام في ظل عجز كامل وفشل كلي عن القيام بأي شيء يذكر رغم جيوش الوزراء والموظفين يبدو الآن جاهزا للفلفة تقرير على عجالة خلال أسبوعين لتجاوز حجب الثقة المزعوم!

  • حتى لا نظلم قريع ونتهمه ب"اللاإنجاز" أصدر سيادته ومعاليه أمرا بإنشاء جهاز أمني جديد مهمته حراسة الوزارات الفلسطينية و بلورة تقدير وضعٍ أمني و سياسي مستقل . والجهاز الذي يسمّى مؤقتاً "جهاز أمن المعلومات في ديوان رئيس الوزراء" ، بدأ العمل في شهر آب وبقيادة أمين الجعبري القائد السابق في شرطة القدس، علما بأن سيادته وحكومته لم تتوقف يوما عن وعودها بدمج الأجهزة الأمنية والحد منها ومن نفقاتها. الإنجاز العظيم لحكومة سلطة أوسلو بإنشاء هذا الجهاز لم يحدد مهام الحراسة إن كانت ضد جيش الإحتلال أم هي حراسة من شكاوى وهموم المواطنين الكثيرة والآخذة في إزدياد؟

  • أما عرفات وبعد أن قضى على الفساد والمفسدين في فلسطين فقد قرر فتح تحقيق بفساد "سفارات أوسلو" بالخارج وطلب فاروق القدومي الإضطلاع بهذه المهمة وتشكيل " لجنة تقصي الحقائق حول وجود ممارسات فساد مالي وسياسي مفترضة علي مستوي بعض السفارات الفلسطينية في عدد من العواصم العربية والغربية" وبدوره كلف القدومي كلا من جمعة الناجي السفير بالدائرة السياسية، واحمد جرار مدير مكتب الرئيس عرفات بغزة بالتوجه الي اوروبا للتحقيق مع السفراء. أما كبار الفاسدين المتربعين في مناصبهم في سلطة أوسلو ومنهم وزراء وردت أسماؤهم في تقارير التشريعي فلا حرج في التغاضي عنهم لأن دورهم النضالي أهم وأعظم!

  • "فتح" في هذه الأثناء وبدلا من حل الصراعات الداخلية بتأثيراتها الخارجية وبدلا من تعزيز الحوار الفتحاوي الداخلي وحل المشاكل بين الأجنحة المتصارعة وفي خطوة تدل على التخبط الأعمى وضياع البوصلة والأولويات و في محاولة للهروب إلى الخلف، إرتأت تعزيز الحوار مع الإحتلال من خلال تشكيل لجنة جديدة أنشأها المجلس الثوري للحركة تحت إسم لجنة (الشؤون الإسرائيلية) في حركة "فتح بقيادة عباس زكي وعضوية مفيد عبد ربه – الذي كشف النقاب عن هذه اللجنة- وآخرين لم تعرف أسماؤهم. اللجنة لم تضيع وقتا وعقدت أولى إجتماعاتها وبشكل فوري مع الجانب الآخر معتبرة أنها "مبادرة خلاقة و مبدعة من أجل خلق قواعد للتفاهم ، حتى الوصول إلى إنهاء الاحتلال (الإسرائيلي) ، و إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في جانب (إٍسرائيل) ، من أجل خلق واقعٍ جديد في منطقة الشرق الأوسط" حسب تعبير مفيد عبد ربه!

  • على الصعيد الميداني الأمني تواصل مسلسل الزعرنات و"فلت عيار" أجهزة سلطة أوسلو الأمنية/القمعية لتبدأ حلقة جديدة من هذا المسلسل في إطار الصراع على السلطة والمناصب والإمتيازات وفي تناحر بالأسلحة هذه المرة وبسقوط جرحى منهم من هم في حال الخطر وبعد عمليات إختطاف متبادل بين جهازي ما يسمى بالأمن الوقائي والإستخبارات العسكرية وهجومات مضادة بالرشاشات والقنابل اليدوية على مقار الجهازين في السرايا وتل الهوى وإشتباكات بكل أنواع الأسلحة، مع ملاحظة أن هذه الأسلحة وعناصرها تختفي مع كل إجتياح جديد وتظهر فقط لتمارس دورها القمعي ضد أبناء شعبنا المقاوم.

  • زكريا الزبيدي بدوره قام بإستعراضه المسلح المعهود في شوارع جنين ليقوم بمهاجمة مقار التشريعي و دائرة الضرائب في المدينة وليطرد من فيهما معلنا إغلاقهما لأجل غير مسمى! ترى من أعطاه أو أعطى غيره هذا الحق ولماذا السكوت من قبل زمرة أوسلو على هكذا ممارسات وزعرنات لا حصر لها؟ أم أن الزبيدي من "عظام الرقبة" و"ذنبه مغفور"؟

  • طولكرم أيضا نالها نصيب مما يجري فأطلقت النيران بإتجاه منزل رئيس بلديتها محمود الجلاد وسط فوضى مسلحة عارمة لم تشهد لها المدينة مثيلا، وهو ما خلّف موجة إستياء شعبية غاضبة في صفوف المواطنين.
  • كل تلك الأحداث تمت خلال اليومين الماضيين، وبالتأكيد ستحمل لنا الأيام المزيد من علامات وإرهاصات الإنهيار المؤسساتي والأخلاقي لسلطة أوسلو وبدلالات ليست بالبسيطة يدفع ثمنها عادة المواطن الكادح من أمنه وراحته وممتلكاته وأيضا من دمه.

    ما جرى وكما ذكرت تم في ظل صمت إعلامي مطبق تماما كالذي يصاحب ممارسات الإحتلال من قتل وتشريد وتدمير في تشابه غريب ولكن ليس بالمستغرب لأن هدف هذا الإعلام هو بالأساس خدمة المشروع الأوسلوي وإظهار السلطة بمظهر المسيطر على الوضع وكأن شيئا لم يحدث رغم الزلازل المتكررة وعلى قاعدة "يا جبل ما يهزك ريح" فما يهم الإعلام المحلي ومن ورائه العربي والدولي أن شعث يلتقي ب"نظرائه" في لندن ويعقد المؤتمرات الصحفية، وقريع يترأس جلسات حكومته العنينة ويطلق التصريحات يمنة ويسرة، أما عرفات فها هو يستقبل الوفود ويبتعث "المسؤولين" برسائل لقادة العالم وكأننا دولة وحكومة ورئيس ومؤسسات حقيقية وكأن الإحتلال الجاثم على صدورنا وما يجري من أحداث ذكرتها سابقا هي من وحي خيالنا أو أنها إشاعات مغرضة الهدف منها المساس "بالسلطة والمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني" وهي النغمة الجديدة التي إلتقطتها الأبواق المعتادة لتتغنى بها في كل مناسبة.

    ما نراه اليوم وما نشهد عليه هو رقصة المذبوح لطير غرّد خارج السرب لسنوات، وصحوة الموت لسلطة ولدت ميتة أصلا وعلى أساس باطل.

    ما يهم الآن هو أن يعيَ كل منا دوره وأن يقوم به لنتفادى حالة من الفوضى العارمة قد تنجم عن السقوط المروع والإنهيار القادم لا محالة لسلطة فرّطت في كل شيء من أجل لا شيء، وهو ما يتطلب أعلى درجات الحيطة والحذر والوحدة الميدانية والتنسيق بين الجميع.

    كما أردد دائما أعيد من جديد أن: سوء الخاتمة هو من فساد الإبتداء وأضيف ما تعلمناه على مقاعد الدراسة منذ زمن: من جد وجد ومن زرع حصد، لقد زرعت سلطة أوسلو ورموزها الفساد والظلم والطغيان وبدأت الآن في حصاد الحصرم والعلقم والمرار لنهاية لا يعلمها إلا الله.

    أللهم إضرب الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين .... آمين يا رب العالمين

    د. إبراهيم حمامي

    لمراسلة د. إبراهيم حمامي

    19-10-2004