ثلاثية الورود والجمود والوعود
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي
أبالورود والريحان تودعهم يادحلان؟

في لقاء مع القناة الثانية التجارية في التلفزيون العبري، نُشرِت تفاصيلها يوم الأحد 17/04/2005 في عدة صحف قال المتمصلح دحلان: إن الاجهزة الأمنية لن تسمح للتنظيمات الفلسطينية المختلفة استغلال الانسحاب من اجل القيام بأعمال قد تخل بالامن والنظام العام. واضاف: ان فك الارتباط سيتم بهدوء تام من قطاع غزة، مشددا علي ان الفلسطينيين سيودعون جنود الاحتلال الاسرائيلي بالورود خلال الإنسحاب من القطاع" !

لا أستغرب أن يصدر مثل هذا الكلام بالصوت والصورة عن المتمصلح دحلان فهو وبالتأكيد مُمتن للإحتلا ل وإفرازاته التي لولاها لما كان، كيف لا وهو من ترعرع واعتاش من هذا الإحتلال: جهاز أمني ينسق مع الإحتلال يقوده دحلان لسنوات ويسقط تحت تعذيب جلاديه الضحايا، ومعبر يسيطر عليه ل"يسترزق" عدة ملا يين من ورائه عام 1997 (معبر كارني)، وأموال تغدق عليه من جهات مختلفة لتنفيذ برامج أمنية قمعية كما اعترف بنفسه أكثر من مرة، ولقاءات صحفية وتلفزيونية يُنظّر فيها ويزاود، وغيرها من الأمور التي ما كان ليحلم بها دحلان وأمثاله لولا الإحتلال وإفرازاته.

لم يحدث في التاريخ القديم والحديث أن طلبت "سلطة" من المحتل الهارب دون قيد أو شرط التريث في إندحاره لتنسق معه، وتحول الإندحار والهزيمة إلى مكرمة وتنازل مؤلم يستوجب الشكر والتنسيق، ولتجمل صورة الإندحار ليبدو وكأنه إتفاقية بين طرفين، ليفرض المحتل شروطه من جديد بعد أن كان موليّاً الأدبار دون قيد أو شرط!

يحق لدحلان أن يحزن على رحيل الإحتلال وأن يودعه بالورود والزهور، بل بالقبلات والعناق الحار، ويحق له أن يرسل تهديداته "للميليشيات والتنظيمات" إسترضاءاً لمن سيودعهم بالورود.

أما شعبنا الصامد الصابر المرابط والذي عانى ويعاني من الإحتلال، ودفع ويدفع ثمنه آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، ومئات آلاف الدونمات والمباني والأملاك التي دمرت، فلا يمكن أن يودع الإحتلال ومن يتباكى عليه المندحر إلا بالنعال وبالنعال فقط، ومن لم يعجبه ذلك فليدحل مع الداحلين المحتلين.

يا رئيس الوزراء لم يعد لك بقاء!

أخت الرجال التي وقفت وواجهت قريع يوم الأحد أيضاً أثناء مظاهرة أهالي الأسرى والمعتقلين في رام الله، فطار صوابه وخرج عن حدود العقل ليصرخ في وجهها مستنكراً، لترد عليه بما يستحق وهو الفاشل في كل أمور السياسة اللهم إلا "الحرد"، أخت الرجال هذه كانت كلماتها مزلزلة مدوية ومعبرة أكثر من كل أبواق أوسلو مجتمعين، سجلتها عدسات وأقلام الصحفيين، وتلكم هي القصة بتفاصيلها:

"واجهت امهات واخوات المعتقلين قريع بالصراخ حين وقف امام المتظاهرين، وخاطبهم معتبرا ان قضية الاسري هي القضية الاهم علي جدول اعمال القيادة الفلسطينية.

وقال قريع، قبل ان تقاطعه مجموعة من النساء، نحن كمسؤولين ومواطنين وكشعب فلسطيني، علينا مسؤولية بذل الجهد المتواصل من اجل اطلاق سراح الاسري.

وتابع قريع قائلا توجد قضيتان اساسيتان علي سلم اهتماماتنا، الاولي تحرير الارض والثانية تحرير الانسان . وردت عليه احدي النساء بصوت عال لكن الانسان يجب ان يكون اهم من الارض.

وواصل قريع خطابه قائلا هؤلاء الابطال اسري الحرية في السجون الاسرائيلية يجب ان يأخذوا مكانهم في مواقع صنع القرار.

الا ان النساء عدن لمقاطعة قريع لا نريد خطابات، شبعنا من هذا، نريد افعالا . وتقدم قريع الي المرأة التي قاطعته مرارا وقال لها ماذا تريديني ان افعل، هل انزل في عملية انتحارية؟ وردت المرأة عليه قائلة اذا لم تستطع عمل شيء فاترك كرسيك".

يا أخت الرجال ردّك عجزت عنه الرجال، وبكلمات بسيطات أخرست كل القيادات، وكأنك دون أن تدري واجهت العجز الرسمي الفلسطيني والجمود القاتل في مؤسسات أوسلو، وكأن لسان حالك يصرخ أمام من امتهنوا الظهور أمام الشاشات والأضواء: لقد انطفأت الأضواء، فيا رئيس الوزراء اترك كرسيك فلم يعد لك بقاء، لا فض فوك يا أخت الرجال.

عبّاس : 100 يوم من ضرب الأخماس بالأسداس!

مائة يوم بالتمام والكمال أنهاها عبّاس كرئيس لسلطة أوسلو لم ينجز فيها شيء يذكر رغم كل الوعود.

عام 2003 وبعد مائة يوم مشابهة لكن كرئيس للوزراء استقال عباس في خطبة عصماء أما التشريعي يوم 04/09/2003، محمّلا ًعرفات مسؤولية فشله، لكنه هذه المرة يصر على البقاء ويصر على منحه مهلة أطول، فعرفات لم يعد موجوداً ليحمله فشله، والمنصب الآن هو الرئيس ولو بالإسم فقط، ولا بأس أن يعيد التاريخ نفسه لكن مع تبادل الأدوار، أي تحميل قريع مسؤولية الفشل!

في خطاب الإستقالة المذكور قال عبّاس وبالحرف الواحد: "إنني أقول هذا- بعد قراءة لتجربة المائة يوم الأولى من عمل هذه الحكومة إنني لا أوافق على بيع الشعب الفلسطيني أوهاماً وخيالات ولا وجود لها على أرض الواقع. إن هذا الشعب الذي لم ولن يرفع الراية البيضاء بحاجة لمن يوقف تدهور شارون حياته..وليس من يتاجر بها، بحاجة إلى أن يعزز صموده بتوفير كل إمكانات النمو والتقدم في كافة نواحي حياته وليس بحاجة لمن يعتبر كل بيت ينسف أو كل شهيد يسقط هو مطلب بحد ذاته، لذا عملت وفق هذا الفهم".

بعد المائة الثانية له نسي ما قاله بعد أن اعتنق سياسة الإستياء والإستجداء والإسترضاء، إستياء علني وشكاوي متكررة للرباعية والولايات المتحدة وتوسل بالتدخل من "الأشقاء" شرقاً وغرباً لممارسة الضغط المفقود الموعود، وإستجداء وإسترضاء من أجل البقاء شريكاً للفرقاء دون فائدة أو حياء.

لم يخرج الأسرى من المعتقلات بل زادوا عدداً، ولم تُخفف معاناة الشعب على المعابر بل اضيفت غرف للموت، ولم تتم الإنسحابات إلا بشكل وهمي ولساعات أعيدت بعدها الحواجز، ولم تتوقف الإغتيالات والإجتياحات والتجريفات، ولم يتوقف الإستيطان، وحوصرت القدس، وبدأ الحديث عن تنازلات مؤلمة حول حق العودة، أما عبّاس فلا زال في مكانه يراوح خلف المتراس، أقصد خارطة الطريق التي تحولت لمتاهة الطريق بالنسبة له ولأركان سلطته العاجزة عن فعل أي شيء حتى أمام من رفعه على الأكتاف في جنين، ليطلق النار لاحقاً على وزير داخليته، وليحتل يوم الأحد أيضاً مقر التشريعي في المدينة لتكون البلاد في أيدي الأولاد من الشطّار والزعران من العباد!

أسمع جعجعة ولا أرى طٍحناً

ما بين دحلان ووروده، وقريع وجموده وعبّاس ووعوده ينطبق المثل العربي: أسمع جعجعة ولا أرى طحناً، نعم جعجعة من ثالوث سلطة أوسلو والذين أشبعونا شعارات وكلام وأوهام لم يعد يسمن أو يغني من جوع، وهو ما يفسر لفظ الشعب لهم ولجوقتهم، وانفضاضهم من حولهم في صناديق الإقتراع، لأن السيل بلغ زبى الشعب وما عادت الوعود كافية دون أفعال غابت عن أركان أوسلو، إلا التلاعب بإرادة الشعب ومقدراتهم، فهاهم يحاولون مرة أخرى التلاعب بالقانون الإنتخابي وتفصيله على مقاسهم كانتخابات "الرئاسة" تماماً، وإن لم يفلحوا فلا بأس من تأجيل الإنتخابات برمتها، ولن يعجزوا حجة أو سبب لتبرير ذلك، خاصة وأن دعم المحتل مضمون، فبيريز صرح بوجود دحلان أنه لابد من منع "المتطرفين" من إفشال العملية السلمية حتى ولو من خلال صناديق الإقتراع، وقبله طلب شالوم من "العرب" رفض ووقف سيطرة القوى المعادية للسلام على سدة القرار السياسي الفلسطيني!

رغم كل ما سبق، وهو ما كررته مراراً وتكراراً، يقفز البعض مدافعاً وبكل قوة عن أوسلو ورموزها، دون ردٍ حقيقي على ما يجري، ودون جوابٍ غير عبارة ما البديل، وهو ما أشبعته وغيري رداً وتفنيداً، لكن هؤلاء مثلهم كمن يضع يده على عينيه ليعلن أنه لايرى، والحل هو بإنزال اليد وفتح العينين واستخدام الفكر والعقل اللذان منحهما رب العزة لعباده وارتضى البعض تعطيلهما لسبب أو لآخر.

لن تنفع دحلان وروده، ولا قريع عصبيته الفارغة وجموده، ولا عباس استجدائه ووعوده، لأن الإحتلال ماضٍ في تحجيمهم وتقزيمهم، تماماً كما فعل مع غيرهم ممن قدّم أكثر منهم، وحتى وإن تنازلوا عن ورقة التوت، وما عليهم إلا قراءة التاريخ الذ لا يجيدون قراءته ليعرفوا مصيرهم المحتوم.

د. إبراهيم حمامي
DrHamami@Hotmail.com

19/04/2005