كلمة عرفات أمام التشريعي: إعتراف بالخطأ أم إصرار عليه ؟
بقلم : د. إبراهيم حمامي *
بعد أيام من الإنتظار والإثارة والإعلان عن الكلمة التاريخية والهامة التي سيلقيها سيادة الرئيس الرمز ياسر عرفات يوم الإربعاء 18/08/2004 أمام المجلس التشريعي وبحضور دبلوماسيين وصحفيين والتي توقع الكثيرون أن تكون كلمة مفصلية في مسيرة سلطة أوسلو سيئة الصيت ومحاولة عملية لإصلاحها وإنتشالها من مستنقع الفساد والإفساد وإحياء كيانها الميت، جاءت الكلمة الموعودة تكرارا لعبارات وجمل فارغة المعنى والمحتوى رغم محاولات من أعدها لتلميعها وتدبيجها بعبارات جديدة !
الجديد في هذه الكلمة كان محاولة - وأقول محاولة- الإقرار بوقوع أخطاء خلال سنوات أوسلو العجاف ولكن طبعا وبكل تأكيد أخطاء لسنا مسؤولين عنها حسب الزعيم الرمز لأنها كانت نتاج طبيعي للعدوان والإحتلال وبناء المؤسسات من الصفر، أي بعبارة أوضح أخطاء طبيعية بسيطة لا تحتاج حتى للتوقف عندها لأن "حتى الأنبياء يخطئون" حسب الإمام عرفات الذي خطّأ نبي الله موسى عليه السلام عندما ذكره كمثال على أخطاء الأنبياء لأنه قال "أرني وجهك" - أستغفر الله العظيم !
إحتوت الكلمة أيضا على سرد مطول وممل وغير دقيق لمراحل أوسلو وتبعاتها لنكتشف أننا وصلنا لمصاف الدول المتقدمة في ظل أوسلو الوارف لولا شارون، ولو كان رابين هو رئيس الوزراء لكنا في أفضل حال فهو الشريك المخلص في سلام الشجعان وهو ما كرره الرمز أكثر من مرة .
محاولة الإلتفاف على المطالب بالتنحي أو على أقل تقدير الإصلاح رغم الكلمات المنمقة لم تستطع أن تخفي إصرارا عجيبا من رأس الهرم الأوسلوي على التمسك بأخطاء - بل كوارث - أوسلو وما أكثرها بل إعادة التأكيد عليها .
المواقف العلنية التي إتخذها عرفات والتي كرر فيها مواقفه السابقة والتي أثارت عليه حتى أقرب المقربين إليه والتي وردت في كلمته هي :
الإصرار على العودة إلى مائدة المفاوضات رغم إقراره الحرفي أنها "ماراثون لا نهاية له" .
التمسك المطلق برؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش للشرق الأوسط - متناسيا أن الجزء الأهم من هذه الرؤية هو رفض حق العودة والإقرار بالإستيطان كواقع ديموغرافي على الأرض وهو ما أيده الكونجرس الأمريكي بأغلبية ساحقة.
إعتبار المقاومة المشروعة ذريعة للإحتلال وشارون وأنها "تقدم السلاح السياسي والإعلامي" لشارون وأنها "ضد المصلحة العليا للشعب الفلسطيني".
التأكيد على مبدأ وشعار "ديمقراطية غابة البنادق" - تلك الديمقراطية التي أبقت الرمز على رأسها لعقود من الزمن والتي أوصلتنا إلى ما نحن فيه من ظلم وطغيان وإستبداد وتفرد.
يقول عرفات "لم نكتف بالشرعية الثورية التي منحتنا إياها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية" ترى متى وأين منحت وما هي بالتحديد الشرعية الثورية وما هي حدودها ؟ عجيب أمر ديمقراطيتنا المزعومة.
الإعلان أن هدف الإحتلال هو "ضرب وتدمير السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها ومؤسساتها" - ما الذي يمنع شارون من القيام بذلك لولا أن وجود هذه السلطة يضفي الشرعية على الإحتلال ويعفيه من المسؤليات والتبعات والنفقات ؟
فيما يتعلق بموضوع الفساد طالب عرفات المجلس التشريعي بإحالة المشاكل والملفات إلى المدعي العام! لسنوات طويلة أحيلت قضايا الفساد والنهب والإختلاس والسرقة للمدعي العام والذي كان دائما يحولها إلى عرفات لتشق طريقها إلى أحد أدراجه ولم تتم محاكمة ولا حتى موظف صغير. هل هذه هي حلول السيد الرمز لمشكلة الفساد والإفساد؟ أم يعتقد أن الشعب ساذج أبله ؟
أما ما يخص موضوع الأمن فقد صال الرئيس عرفات وجال مؤكدا "وحدانية السلطة" وبأنها " لن تسمح بالفلتان الأمني" وستضرب بيد من حديد ..الخ - ولكن يبقى السؤال من بدأ وقام وكان مسؤلا عن الفلتان المذكور؟ ألم يكن هذا الفلتان من قبل حزب السلطة وبين أجنحته المتصارعة المختلفة والتي تتفق فقط على الولاء المطلق للرمز المناضل؟ وأين كانت الأجهزة الأمنية عند الإجتياحات أم أنها أجهزة تتسلح بشروط وإذن شارون وموفاز لمهام خاصة ؟
أكد عرفات "جاهزية السلطة لإستلام قطاع غزة" ولكن ضمن تنسيق وضمن خارطة الطريق وهي المرة الأولى التي تطالب فيها قيادة شعب تحت الإحتلال المحتل بالتروي في إنسحابه !
الخطيئة الكبرى كانت الإصرار على تجزئة حق العودة والتركيز على لاجئين دون غيرهم لحل مشكلتهم - مع الإقرار بالوضع المأساوي للاجئين في لبنان- لكن حق العودة غير قابل للتفاوض أو التجزئة أو التلاعب وهو ما يتغافل عنه الرمز ويصر على عكسه.
من المتفرقات الأخرى في كلمة عرفات والتي تبقى دون تفسير واضح أو دون طعم أو لون أو رائحة :
في سياق حديثه عن إستحداث منصب رئيس وزراء قال وبالحرف الواحد " أخي وحبيبي ورفيق دربي أبو مازن - اللي بيشوفوا يسلم عليه" !!
أما قريع فقال: "أكرر مرة أخرى ثقتي بأخي ورفيق دربي أبو علاء - رغم أنفكم"!! ولا أدري أنف من، أعضاء التشريعي أم الأجانب المتواجدون في الجلسة أم الشعب ككل ؟
الإشادة ببعد نظر السفاح موشي ديان عندما ذكر في بداية حديثه أنه أنزل علم الإحتلال عن الأقصى تفاديا لإستفزاز مشاعر المسلمين - الملفت للنظر هو الذاكرة الحديدية للرمز عندما يتعلق الأمر بالطرف الآخر حيث حدد تاريخ 17/6 /1967 للحادثة المذكورة.
لم ينس عرفات الجانب المادي في الموضوع ليستقطع راتب يوم من كل موظف وعامل في سلطة أوسلو دعما للأسرى المضربين أي ما مجموعه 10 مليون شيكل - هل ستجد هذه الأموال طريقها للأسرى أم سيكون مصيرها كغيرها، أما الرمز فإكتفى بالصيام لمدة يوم واحد دعما للإضراب !
لا أجد أملا في إصلاح أو نزاهة أو شفافية لأن من شب على شيء شاب عليه وسلطة أوسلو لايمكن لها أن تعيش إلا إذا تنفست فساد وإعتاشت على الإفساد.
بعد هذه الكلمة وبعد ما ذكره القائد والرمز والمناضل عرفات هل كان ذلك إعتذارا وإعترافا بالخطأ والخطيئة أم إصرارا عليه وتكرارا له ؟
د. إبراهيم حمامي
طبيب وناشط فلسطيني
لمراسلة د. إبراهيم حمامي
تاريخ النشر : 23:58 18.08.04
|