معركة الأمعاء و"سوبر ستار" الغناء !
أعلنت الطواريء ، أصدرت البيانات ، أرسلت الإشارات والرسائل عبر الجوال، توالت الإتصالات على أعلى مستويات، إمتلأت الساحات والميادين بالشاشات في أول أيام الإضراب العام لأسرانا الأبطال الصامدين في سجون الإحتلال ولكن .... ليس دعما لهم ونصرة لقضيتهم وتضامنا مع إضرابهم بل تأييدا ودعما للمقاتل الجديد الذي وصفه قائد مسيرتنا ورمزنا المقدام بأنه "مقاتل من طراز مختلف"! بعدها إستنفرت المؤسسات الرسمية على أعلى مستوى وبدأت التجهيزات إستعدادا ليوم الفخر والعزة يوم النصر المؤزر يوم الحصول على لقب "سوبر ستار العرب" الأسبوع القادم لنهزم جحافل الحاسدين من شعوب المنطقة ولنثبت أننا "شعب الجبارين" الذي لا يقهر حتى في الطبل والزمر ولنحتفل بالبطل الجديد المغوار فاتح البلاد والأمصار وقاهر روم العصر الحديث والتتار. للوهلة الأولى ظننت أن ما نشر هو من باب الدعاية أو الدعابة الصحفية أو النقد اللاذع أو على أقل تقدير مبالغة لا أساس لها فاستقصيت الأمر وبحثت وإتصلت ليخيب ظني وأكتشف أن كل ما ذكر هو حقيقة ، نعم حقيقة مرة بتفاصيل أشد مرارة فمؤسسات سلطة أوسلو لم يعد لها هم أو عمل إلا الدعاية لبرنامج "السوبر ستار" والمتسابق فيه عمار حسن وصرف الأموال الطائلة من قوت هذا الشعب في وقت يبدأ فيه آلاف الأسرى والمعتقلين إضرابا عاما مفتوحا عن الطعام وفي وقت تستمر فيه آلة الإحتلال بالقتل والتشريد والتجريف والإبادة والتدمير في نابلس وجنين وطولكرم وبيت حانون ورفح وغيرها من مدن وقرى ومخيمات وطننا الحبيب . قد يقول قائل : وما الخطأ أو العيب أن يقاوم شعبنا وفي نفس الوقت يفرح ويحتفل؟ ما المانع أن نعيش كباقي شعوب العالم لنحتفل ونحتفي؟ ألا نشيع الشهداء نهارا لنزف عرساننا ليلآ؟ بالتأكيد نعم وألف نعم ولكن هناك فرق بين ممارسة الإنسان حقه الطبيعي بالفرح والحياة والإبتهاج رغم المعاناة على صعيد فردي أو جماعي إجتماعي لأن الحياة لابد وأن تستمر، وبين أن يتبنى من يدعون المسؤولية عن هذا الشعب وبأنهم الزعماء والقادة والرموز الإحتفال والبهرجة والفرح في وقت يذبح فيه الشعب من الوريد للوريد ولتصرف وتبعثر الأموال يمنة ويسرة بلا رقيب أوحسيب دون أي فائدة تذكر أو مصلحة تتحقق مهما صغرت . من هذا المنطلق بأحقية الفرد في الحياة والفرح وبشكل فردي مجرد وبغض النظر عن رأيي الشخصي قد أجد لعمار حسن العذر إن كان طموحه وحلمه في الحياة هو أن يصبح مغني أو مطرب مشهور، لا يهم فهذا شأنه وكذلك ليدعو له من يشاء بالتوفيق والفوز وليتصل من يشاء ويصوت له وليفرح من يشاء بنصره في "السوبر ستار" ولكن أن تتحول المؤسسات الرسمية إلى أبواق دعاية بأموال الشعب فهذا الذي لايمكن قبوله . لا أتحدث هنا عن إجراءات أو حملات بسيطة أو إستثنائية بل حملة منظمة تشبه الحشد والإستنفار الكامل يكاد أن يكون إعلان حالة طواريء "فنية" وأستعرض هنا بعضا من هذه المظاهر المستهجنة : عضو لجنة التحكيم فادية طنب الحاج قالت للمشارك عمار حسن على الهواء مباشرة «عادة يكون الفن في خدمة القضايا ولكن ما نراه الان اصبحت القضية الفلسطينية في خدمة الفن في اشارة الى تدخل الرئيس عرفات في الموضوع. اما الفنان الياس الرحباني في الحلقة نفسها فقد علق على الموضوع قائلا لعمار «صوتك قوي جدا ويخترق الاجواء ويمكن ايضا ان يخترق الجدار» في اسقاط سياسي واضح" الطامة الكبرى أن كل هذه الحملة تزامنت تحديدا مع إضراب الأسرى الأبطال عن الطعام في تزامن غريب عجيب إلا على سلطة أوسلو التي عودتنا دائما أن آخر ما يهمها هو القضايا المصيرية ومصالح الشعب، فمقابل كل ما سبق نجد التحرك لدعم الأسرى هزيل ويكاد يكون معدوما على المستوى الرسمي لسلطة أوسلو : لم أتوقع يوما ولا أتوقع من رموز سلطة أوسلو غير ما فعلوا لأنهم إنسلخوا عن الشعب ونبضه وهمومه وأصبحت مصالحهم الشخصية وتحقيق الكسب والشهرة وإستغلال الأحداث حتى ولو كانت برنامج "سوبر ستار" من أهم أولوياتهم. أما أسرانا الأبطال فلهم ألف ألف تحية ولهم منا العهد والوفاء أن يبقوا في قلوبنا ووجداننا حتى تتحقق لهم الحرية والإنعتاق، وتحية أيضا لمن إرتقى لمستوى معركة الأمعاء من أمثال الشيخ تيسير رجب التميمي ، قاضي قضاة فلسطين و الأب الدكتور عطا الله حنا الناطق الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية في القدس و الديار المقدّسة الذين إنضما إلى المضربين عن الطعام في خيمة الاعتصام بمركز بلدنا الثقافي وسط محافظة رام الله وكذلك أمثال المواطن أحمد الديك الأب لأربعة أسرى وحفيدين والبالغ من العمر 71 عاما، كل هؤلاء أعلنوا إلتزامهم بشروط إضراب الأسرى وليس ليوم واحد كما رموز السلطة. كذلك التحية للمعتقلين في سجون ومعتقلات سلطة أوسلو وعلى رأسهم الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات والذين إنضموا بدورهم للإضراب العام ليصبح إضرابا ضد سجون الإحتلال ومعتقلات سلطة أوسلو سواءا بسواء. أسرانا الأبطال قرروا خوض معركة الأمعاء بالجوع والإعياء باسم المناضلين والشرفاء ونيابة عن البسطاء ليبقوا كما عودونا عظماء في وجه الظلم والقمع أقوياء ... أما سلطة أوسلو من الضعفاء الذين يدعون القيادة والزعامة وهم أدعياء فلا هم لهم إلا الطبل والزمر والغناء ودعم البرامج والتصويت بغباء على حساب الضعفاء ومن قوت الفقراء فإننا نعلن منهم البراء دون أسف ولا بكاء لتبقى فلسطين لنا إنتماء ولنحقق يوما الحرية والرخاء بسواعد المناضلين الشرفاء وبعيدا عن السفهاء. د. إبراهيم حمامي طبيب وناشط فلسطيني لمراسلة د. إبراهيم حمامي تاريخ النشر : 23:57 17.08.04
|