فئران وزعران
بقلم : د. إبراهيم حمامي *
المشهد في غزة : قائد للشرطة الفلسطينية برتبة جنرال يختطف لعدة ساعات وقائد للإرتباط العسكري برتبة عميد لازال مختطف وقائد للأمن الوقائي وآخر للإستخبارات العسكرية وأبوات وكتائب شهداء وأجهزة أمنية قمعية وإختطاف وتفاوض ومجلس أمن قومي يعلن حالة الطواريء التي لم تعلن حتى عندما دمر نصف القطاع وأخيرا إعتداء بشع على فرنسيين وضعوا أرواحهم على أكفهم وتحدوا المحتل لنصرة شعبنا!
الخلاصة مشهد قبيح كريه وعفن تزكم رائحته الأنوف في تبادل للأدوار وتصفية حسابات داخلية وإستهتار بكل ما هو آدمي وعقلاني وكأننا دولة حقيقية ولنا جيش يسد الآفاق وبطولات عظيمة، مشهد لايمكن أن يكون صدفة ولايمكن أن يكون دون تخطيط فعمليات الإختطاف الثلاث تمت في وضح النهار وبمشاركة مئات المسلحين وبتنسيق عجيب لم يسقط فيه قتيل واحد أو يؤذى فيه مسؤول وشارك فيه فئران وزعران.
إنقسم الوضع ما بين فئران فاسدة ومفسدة إنتفخت بطونها على حساب الشعب وثقلت أكتافها بالرتب التي لاأدري كيف ومتى حصلوا عليها وقادة لأجهزة طالما تفاخروا بقدرتها على قمع الشعب وحماية المحتل لم تستطع حمايتهم هم، وبين زعران فقدوا كل عقل ومنطق وتسموا بأسماء شهداء والشهداء منهم براء لم نسمع منهم أو بهم من قبل أرادوا أن يظهروا بمظهر الحريص الذي لم يعد يطيق صبرا فعالجوا الفساد بفساد أكبر وخطيئة أعظم حتى وإن إتفقنا معهم على مطالبهم المشروعة فهذه ليست الطريقة وإحتجاز أجانب كل ذنبهم أنهم وقفوا مع الحق الفلسطيني عار لايغتفر والأهم أن الفساد ليس حكرا على الجبالي -وهذا ليس دفاعا عنه- ولكن من أراد أن يحاسب فعليه أن يسمي الأشياء بمسمياتها لأنه ما كان للجبالي أن "يتفرعن" لو أن من أعاده لمنصبه لم يكن شريكا معه في هذا الفساد فالكل في مركب واحد والحساب يبدأ من الرأس ولا يبدأ من "البردعة".
محاربة الفساد ورموزه لاتكون بأخذ القانون باليد على مبدأ "حارة كل من ايدو الو" ولاتكون بالفوضى، رغم أن الفوضى أصبحت عنوان الحزب الحاكم من ضرب محافظ جنين العام الماضي في الميدان العام إلى تصفية الحسابات في الشوارع إلى فرض خوات على أصحاب المحال التجارية وأخيرا عمليات إختطاف على الطريقة الهوليودية وكلها للأسف الشديد فتحاوية خالصة بصمت وإدارة ظهر ممن هم على رأس الهرم الأوسلوي.
تساؤل بسيط وسريع، ترى كيف كانت ردة فعل الأبوات والعقداء والعمداء والألوية ?وما أكثر عددهم وأقل فعلهم- لو أن ما جرى ويجري كان بأيد غير فتحاوية أو بعبارة أوضح من أحد التنظيمات التي يصفونها بالمعارضة؟ حتما كانت ستثور ثارات قريش وستبدأ حرب لا هوادة فيها ضد من خرجوا عن القانون دون تفاوض أو رضوخ لمطالب "الإرهابيين"، أما وإن الأمر داخلي بحت فكل الخيارات مفتوحة!
الفئران إستغلت الظروف وأعلنت حالة الطواريء ليس لصد العدوان على رفح أو بيت حانون ?معاذ الله- بل إستقال بعضها إحتجاجا ?ليس على عدم صدور الأوامر بصد العدوان- ولكن لعدم إعطائهم الصلاحيات لوقف فوضى السلاح، عجبا أليسوا هم من أوصلنا لهذا الوضع؟ أم أنها محاولة للصيد في الماء العكر لتحقيق أهداف ومآرب أخرى بحجة هذا الإنفلات الذي خلقوه هم بأنفسهم في تمثيلية رخيصة لفرض أمر واقع جديد تتم فيه تصفية كل من يقف في طريقهم من وطنيين وإسلاميين وبهذا يقوى الفئران بمساعدة الزعران.
الزعران أصبح لهم أسماء ووجوه وناطق بإسمهم ومفاوضين ومطالب وشروط، والقائد الرمز يتدخل شخصيا ليعدهم أنه سيعمل على محاربة الفساد "وإمسحوها بدقني هالمرة وطلعوا المسكين الجبالي" والمهزلة أن المفاوض والمفاوض من نفس الفصيل ونفس الخلفية وفي النهاية "غلابة يا فتح غلابة".
التوقيت والأسلوب والطريقة وردة الفعل والإستعراضات المسرحية من إستقالات وإعلان لحالة الطواريء وإجتماعات مجلس الوزراء العاجلة والتخبط العلني المقصود تفوح منها رائحة مؤامرة إتفق عليها الفئران مع الزعران قد تتراوح بين سيطرة إستباقية في ظل إنسحاب إسرائيلي محتمل أو تقوية نفوذ لفصيل أو فئة على حساب آخر وفي أحسن الأحوال تصفية حسابات داخلية يدفع ثمنها شعبنا من سمعته وتضامن الآخرين معه ولاأعتقد أن أي أجنبي سيبقى بعد اليوم في القطاع المحتل ليساعد المحتاج ويضمد الجراح وينقل صورة حقيقية عما يجري لنا.
ما جرى هو خطيئة وعار وذنب لايغتفر والسكوت عنه جريمة أكبر ولكن العزاء الوحيد أن أمر هؤلاء سينكشف عاجلا أم آجلا أمام الجميع وستثبت فتح أنها أكبر من أي فرد أو جماعة مهما كان حجمها وستنتصر إرادة الحق على الفئران والزعران معا.
أما الشعب فهو مطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يصرخ بوضوح ويخرج إلى شوارع المدن والقرى والبلدات والمخيمات مطالبا بحل هذه السلطة البغيضة وأجهزتها الأمنية المترهلة والغارقة في الفساد لينهي هذا الوضع الشاذ وليفرز ومن خلال مؤسساته وفصائله وإتحاداته ونقاباته قيادة وطنية حقيقية تعبر عن تطلعاته وبرنامجه في الحرية والإنعتاق وإنهاء الظلم والإحتلال معا وإلى غير رجعة.
* د. إبراهيم حمامي : طبيب وناشط فلسطيني
DrHamami@Hotmail.com
تاريخ النشر : 15:30 17.07.04