بالأفعال لا بالأقوال
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي

إنتهت مراسم تنصيب عباس رئيسا لسلطة أوسلو بكلمة ألقاها أمام المجلس التشريعي المنتهي المدة والصلاحية منذ سنوات، وأمام رئيسه روحي فتوح العائد من الرئاسة المؤقتة لسلطة أوسلو، وبحضور رئيس وزراء مستمر في موقعه دون أفعال تذكر، وبمشاركة من وزراء سابقين ولاحقين تتغير وزاراتهم ولا يتغيرون، وبتغطية إعلامية صاحبت عباس منذ عودته لمناصبه قبل عملية تسفير عرفات، وهي المناصب التي سبق واستقال منها جميعا.

هذه الكلمة أعاد فيها عباس تأكيد منهجه وبرنامجه والذي للأمانة هو أوضح البرامج وأثبتها، فأدان المقاومة وساوى بينها وبين الإحتلال، وتلاعب بالكلمات قافزا على حق العودة قائلا وبالحرف الواحد: "والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين على أساس الشرعية الدولية وأولها القرار 194 ومبادرة السلام العربية الصادرة عن قمة بيروت"، وبالتالي تحول "حق" العودة عند عباس إلى "حل عادل ومتفق عليه" أي قابل للتفاوض والتفسير والتأويل.

وجه عباس كلمته قائلا "إخوتي وأخواتي أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات"، أبناء الشعب في الشتات الذين تم إقصاؤهم من قبل سلطة أوسلو من كل ما يخصهم من قرارات مصيرية أو من التصويت والترشيح والإنتخاب ليتحدث الآن باسمهم، علما بأنه في الإنتخابات المشابهة التي سيتم فيها تنصيب رئيس موالي تحت حراب الإحتلال في العراق، سيسمح لكل العراقيين في الخارج بالتصويت، بل سيسمح لمئات الآلاف من يهود العراق المقيمين في فلسطين بالتصويت!

ما ميّز هذه الكلمة هذه المرة هو إستجابة عباس الفورية لمطالب وأوامر شارون الذي وجه له صفعة سياسية مبكرة جدا بقطع كافة الإتصالات مع سلطة أوسلو حتى تلبية الشروط، مطالبا وعلى لسان رعنان غيسين بالأفعال لا بالأقوال لمحاربة "الإرهاب" وبإعتبار المهلة الممنوحة لعباس انتهت ، فما كان من عباس إلا الإستجابة الحرفية ماداً يده "للشريك الإسرائيلي" ومؤكدا تمسكه المطلق بتطبيق خارطة الطريق بالأفعال لا بالأقوال، نعم السلطة والرئاسة تلك التي تعطى مهل وبشروط محددة لتستجيب لها حرفياً!

ليست هذه المرة الأولى التي يستجيب فيها عباس وبرضوخ كامل على طريقة "سمعاً وطاعة" لمطالب الإحتلال فخلال الأسابيع القليلة الماضية رضخ لمطالب وقف "التحريض" وأصدر أوامره للمؤسسات الرسمية خاصة تلفزيون فلسطين بوقف "التحريض"، ثم لم يجد حرجا في إعتبار وصفه للإحتلال ب"العدو الصهيوني" زلة لسان في وقت كانت فيه الأعصاب مشدودة حسب قوله، وهاهو الآن يستجيب وحرفيا لمطلب بالأفعال لا بالأقوال.

المطلب الوحيد الذي استأسد فيه عباس ورفضه تماما وأصر فيه على موقفه هو مطلب الفصائل الستة التي طالبته بالإعتذار (وهو سيد الإعتذارات) عن تسفيهه للمقاومة والإنتفاضة وتحميل الشعب الفلسطيني ما يجري بحجة إعطاء الذرائع، وهو ما يتم تكراره الآن على أساس أن عمليات هذا الأسبوع تسببت في إغلاق المعابر وازدياد معاناة الناس، متناسيا ومن معه أن المعابر مغلقة أساسا، ومتجاهلا نداءات عدة وصلته للتدخل من قبل من علقوا على معبر رفح منذ أكثر من شهر.

لم يصدر عباس وسلطته أي تنديد بالإجتياحات والإغتيالات والأعمال الوحشية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني يوميا، ولولا سقوط جنود الإحتلال في اليومين الأخيرين بين قتيل وجريح لما سمعنا كلمة واحدة بحق شعبنا من عباس ومن معه، والذي ذكر الشهداء على إستيحاء.

لم أسمع يوما عن سلطة قامت في ظل حراب الإحتلال وبموافقته وتشجيعه ودعمه وأطلق عليها وطنية، ولم أعرف رئيسا يتلقى الأوامر من عدوه ويستجيب لها بهذا الشكل المهين ثم يستأسد على شعبه، ولم يسبق أن أدان رئيس الشعب بأكمله متمثلا بفصائله إرضاءاً للآخرين، ومساوياً بين معاناة شعبه والإحتلال.

هذا هو خطاب عباس الأول كرئيس منصّب، وهذا هو إستهلاله وإستفتاحه، وخارطة الطريق هدفه الأسمى، وإرضاء شارون غاية لاتقل أهمية عن خارطة الطريق، ومبدأ بالأفعال لا بالأقوال الذي استجاب له لا يعني إلا مواجهة الشعب ومقاومته المشروعة والشرعية حسب كافة القوانين والأعراف الدولية.

للتذكير، ففي الوقت الذي كان عباس يمد يده "للشريك الإسرائيلي" ويدين فيه شعبه، كان هذه الشريك يحصد أبناء الشعب ليصل عدد الشهداء وقت تنصيبه تحديدا إلى ستة، ولا أتوقع تعليقا على ذلك، اللهم إلا إذا وقعت عملية "إرهابية" فلسطينية جديدة تستحق التنديد والإستنكار، وربما بالمعية يتذكر عباس أن هناك شهداء!

لكل من ينادي بإعطاء عباس فرصة جديدة ليجرب فينا كما جرب غيره وجلب لنا المآسي والكوارث، لكل هؤلاء نقول سياسات عباس ومنهجه واضحة وصريحة وقاعدته مبنية على مباديء "سمعا وطاعة" وشبيك لبيك"، فهل علينا أن نكون حقل تجارب أوسلوي جديد؟

د. إبراهيم حمامي

DrHamami@Hotmail.com

15-01-2005