تحية لشعب فلسطين
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي

برغم الآلة الإعلامية ومحاولات التضليل والخداع التي مورست يوم الأحد 09/01/2005، وفي تكرار لحملة الإنتخابات البلدية قبل أسابيع، لتظهر "الإقبال الكثيف والكبير" على صناديق الاقتراع، وبرغم الجهود المكثفة التي بذلها مراسلوا إذاعات وفضائيات تناسوا أخلاقيات المهنة لينحازوا لمرشح "السلطة" الأوحد، الذي لم يكن هناك شك بأنه الفائز منذ ترشيحه لنفسه، برغم كل ذلك جاءت الأرقام والحقائق دامغة تثبت كذب ونفاق كل هؤلاء، وصفعة حقيقية لكل محاولات التزييف ورسالة واضحة من الشعب العظيم، الذي قرر مقاطعة هذه المهزلة المعد لها سلفا، حتى وإن حاولت الأبواق المعروفة إظهار الأمر بأنه "عرس فلسطيني" وبأنه إنتصار ساحق، فهم يرسمون قصور في الهواء، وأحلام يقظة، وهنا أذكر الحقائق من على ألسنة لجانهم التي شكلوها بأنفسهم، وهذه قصة يوم الأمس وبشكل مختصر وبسيط.

  • حشدت لتلك المهزلة الإنتخابية الجيوش الجرارة من المراقبين والصحافيين الذي كان عددهم أكثر من الناخبين في بعض المراكز، برئاسة الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وبمشاركة 800 مراقب من 66 دولة منهم 25 مراقب من 6 دول عربية، وأكثر من 2300 من 20 هيئة رقابية محلية.

  • إعتمد السجل الإنتخابي بداية كمرجع رئيسي للناخبين وبتكلفة بالملايين وحملة إستمرت 5 أسابيع، ثم أضيف له السجل المدني العبري المعرب والمليء بالمشاكل، وهنا لابد من ملاحظة أن مراكز السجل المدني كانت مفصولة عن مراكز السجل الإنتخابي وبدون مراقبين!

  • التلاعب بالتصويت بدأ منذ اللحظات الأولى بتصرفات وزعرنات معهودة وبضغوطات وتهديدات وصلت لحد إغلاق 3 مراكز في منطقة خان يونس في منتصف النهار رغم التعتيم الإعلامي الرهيب حول هذا الموضوع، وبدأت الطعونات تصل للجنة المشرفة.

  • كانت نسبة التصويت وحتى الساعة الخامسة مساءا بالتوقيت المحلي وعلى لسان بهاء البكري لم تتجاوز 25-30% فقط من المسموح لهم بالتصويت، مع ملاحظة أنه في تلك الأثناء كانت جميع الأبواق السلطوية دون إستثناء تلتزم الصمت المطبق من هول المفاجأة.

  • قررت اللجنة بعد ذلك تمديد فترة التصويت لمدة ساعتين كاملتين والسماح بالتصويت دون الرجوع للسجلات وبالهوية الشخصية/الوطنية فقط وفي أي مركز كان، وهنا بدأ المسلسل المدروس:

  • - قام العديد بالتصويت أكثر من مرة وفي أكثر من مركز حيث أن الحبر الذي كان من المفترض أنه لا يزول إلا بعد 24 ساعة ثبت أنه يزول في دقائق وهو ما شاهدناه على الشاشات
    - جيّرت السيارات الرسمية لنقل المصوتين من مركز لمركز
    - إنتشر الزعران داخل وخارج مراكز الإنتخابات
    - لم يتم تبرير التمديد حيث ينص القانون أن التمديد يتم في حالتين فقط إما وجود طوابير أو تدني نسبة الإقبال، وبالـاكيد لم تكن هناك طوابير!
    - الحجة التي قدمها السلطويون على الشاشات هي إعطاء الفرصة لسكان القدس للتصويت بسبب العراقيل الإحتلالية، ولكن حتى ولو صوت كل سكان القدس فالنسبة لم تكن لتتأثر لدرجة بلغت 50% حسب التصريحات العنترية، وأيضا لا يبرر ذلك التمديد في كل المناطق

  • لم تعرض أية إذاعة دون إستثناء صور لطابور واحد أو مركز عليه إقبال، وبشكل ملفت للنظر من حيث التعتيم، وذلك لضعف الإقبال الذي كان يقارب 8% فقط في بعض المراكز، وفي البعض الآخر أصبحت خاوية رغم التمديد.

  • قبل إنتهاء موعد التصويت الممدد ب 20 دقيقة أعلنت المواقع العبرية النتائج كما هي، وكأنها كانت تعلم النتيجة مسبقا، وبناءا على تسريبات من لجنة الإنتخابات، وفي تناسق وتناغم مع الأرقام والإحصاءات التي أعلن عنها أحمد عبد الرحمن والطيب عبد الرحيم وباقي الشلة، فيالها من مصادفة.

  • ما أن أغلقت صناديق الإقتراع حتى بدأت حملة من نوع جديد وهي أراء المصوتين لدى خروجهم وهو ما يسمى Exit Polls لتصل نسبة عباس الى ما يقرب 70% ونسبة التصويت الى نفس النسبة تقريبا وبقدرة قادر خلال ساعتين من 30%، علما بأن هذه الإحصائيات عادة ما ترافق الإنتخابات في كل ساعاتها ولا تظهر فجأة بعد إنتهائها، مع ملاحظة أنه لم تثبت علميا صلاحيتها لدولنا بسبب عوامل الخوف من السلطة الحاكمة والتي تجبر الخارجين من مراكز الإقتراع على القول بأنهم أيدوا مرشح السلطة.

  • ثم بدأ الصامتون لساعات طويلة والمذهلون المسبوهون من حجم المقاطعة بنشر أكاذيبهم الإستباقية عن نسبة 80% من التصويت بل أن أحدهم لم يتمالك نفسه وراح يغني بصوته الأجش على الشاشات وكأنه غير مصدق، ليعلن عباس ومن معه فوزا مبكرا لقطع الطريق على الباقين الذين قدموا طعونات، وليقرأ من معه الفاتحة عنه!

  • قدم بعض المرشحين طعونات رسمية وكذلك فعلت العديد من المؤسسات المدنية مثل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومركز الميزان يذكروا فيها وبالتحديد الخروقات والتجاوزات ولا شرعية التمديد وإعتماد الهوية ونوعية الحبر والتصويت لأكثر من مرة وبشكل رسمي موثق، مطالبين نصاَ " بإلغاء قرار لجنة الانتخابات المركزية القاضي بالسماح للمواطنين الاقتراع بواسطة بطاقات الهوية وكل ما يترتب على هذا القرار من إجراءات باطلة.

  • رغم تأكيد بهاء البكري أنه في حالة تقديم طعون فإن النتائج النهائية قد تتأخر لمدة قد تصل أسبوع، وهو ما حدث فعلا من تقديم لتلك الطعون، إلا أن اللجنة الإنتخابية المفصلة تفصيلا تجاهلتها تماما وكأن لم تكن، وقررت إعلان النتيجة اليوم 10/01/2005

  • تأخر اليوم إعلان النتيجة مرتين ليخرج حنا ناصر أعلى شخصية في لجنة الإنتخابات بأرقام مذهلة تثبت كذب كل الإدعاءات السابقة وزيفها، وهذه بعضها:

  • - عدد من شارك في الإنتخابات 775146 ناخبا من أصل مليون و800000 ناخب أي بنسبة 43% فقط!
    - عدد الأصوات التي حصل عليها عباس 483039 أي بنسبة 62.3% ممن أدلوا بأصواتهم، أو 26.8% فقط ممن يحق لهم التصويت من فتحاويين وغيرهم
    - إعترف حنا ناصر بوجود من صوّت أكثر من مرة
    - لمّح ناصر للمخالفات في السجل المدني عندما ذكر أن الإنتخابات حسب السجل المدني كانت جيدة، رغم أنه حاول التقليل من عدد المصوتين بناء عليه ليحصرهم في 70000 فقط منهم 30000 في مهلة الساعتين، وهو ما لا يفسر زيادة النسبة من 30% الى 70% التي يصرون عليها رغم أن الأرقام لا تعطيهم سوى 43%، منهم 18% تركوا أوراقهم بيضاء!

  • أول المهنئين بفوز عباس بعد إعلانه المبكر عن الفوز من مقر بلدية البيرة كان الناطق الرسمي للبيت الأبيض يليه شارون في إتصال هاتفي، هنيئا لهم هذا الفوز الكبير للمرشح الأوحد.

  • لازالت الطعون والشكاوى تتوالى، منها من يطالب بإلغاء أصوات السجل المدني كالمؤسسات السابقة الذكر، مما يعني إنخفاض نسبة التصويت إلى 20%، ومنها من يطالب بإعادة الإنتخابات برمتها مثل المرشح سيد بركة

    هذه قصة يوم الأمس، وبرغم كل ما مورس من تضليل وخداع وتزييف وتزوير وتجاهل للشكاوى والطعون، أسقط في يد المتلاعبين ليعلنوا رسميا أن نسبة التصويت هي 43% فقط، هذا مع الزيادات والتعديلات والفبركات والضغوطات، فأين هي نسبة ال 80% التي أًعلن من قبل أبواق الإعلام؟

    لايهم فوز عباس فهو فوز مضمون ومعد له سلفا، لكن ما يهم أن شعبنا العظيم أثبت أنه واع لما يجري ومدرك لحقيقة هذه المهزلة، وهو ما عبّر عنه بمقاطعة التصويت وبشهادة بهاء البكري وحنا ناصر وباقي المسؤولين في لجنة الإنتخاب، ففي أحسن أرقامهم وأفضلها قاطع 57% من الشعب الفلسطيني تلك المهزلة، فأي رسالة أوضح من ذلك؟

    ليحتفل السلطويون كما يشاؤن وليملأوا الشوارع رقصا ماجنا وغناءا كما رأينا، وليطلقوا الرصاص في الهواء وهو الذي لا يجيدون غيره، وليغنوا أغاني النصر، فهم في الواقع أكثر الناس دراية بما جرى وحقيقته لأنهم من قاموا بالتزوير والتلاعب، ولأنهم يعرفون تماما حجمهم وحجم التأييد لهم في الشارع الفلسطيني، ويعرفون درجة نفاقهم بعد هتافات "قل أعوذ برب الناس..من دحلان ومن عباس" و " لاأبو مازن ولا دحلان..أبو عمار هو العنوان" ليصبح الشعار "بعد الختيار أبو مازن هو الخيار" فسبحان مغير الأحوال.

    ليهنأ من دعموا مرشحهم الأوحد بهذا "الفوز"، وليهنأ معهم من باركوا وهنأوا واتصلوا فهو مرشحهم أيضا، وحرصهم عليه لا يقل عن حرصه على نفسه، وليهنأ المطبلون والمزمرون، لكن عين الشمس لاتغطى بغربال والحقيقة أنصع مما يتخيلون، وإحتفالاتهم بتحرير فلسطين، عفوا بفوز عباس لن تضلل من يعيش ويرى ويسمع.

    كل أساليبهم وإعلامهم لم يستطع إخفاء إخفاقهم فالعبرة ليست بإنتخاب عباس أو غيره ولكن في رأي الناس، الذي لو أعلنت الأرقام الحقيقية الصادقة ستثبت أن من قاطع هم 80% من أبناء الشعب الفلسطيني، وأتحدى أن يظهر هؤلاء صورة واحدة، واحدة فقط لا غير لطابور إنتخابي، هل هذا بكثير؟

    هذا دليلنا على كذبكم وتزويركم وخداعكم، فأين ردكم يا من قاطعكم الشعب رغم كل تهديداتكم وإغراءاتكم، إن كان غير ما نقول، فعليكم بالدليل، والحجة بالحجة والرقم وبالرقم، وما دون ذلك أقول:

    تحية لهذا الشعب الذي فضح هؤلاء وعرّاهم وأوضح لهم حجمهم الحقيقي، وعلى لسان من عيّنوهم هم وارتضوهم، تحية إجلال وإكبار وإعتزاز لهذا الموقف الرائع الذي يبقي الأمل في نفوسنا.

    د. إبراهيم حمامي

    DrHamami@Hotmail.com

    10-01-2005