دحلانيات ... من فمك أدينك
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي
يأبى المصلح الجديد والدعي القديم محمد دحلان إلا أن يغوص أكثر في الأخطاء ويورّط نفسه بقصد أو بدون قصد وأصبح كمن يضيف لنفسه تهمة كلما فتح فمه أو في أحسن الأحوال يزيد من هم ضد تصرفاته وممارساته واحدا أو أكثر ويبدو أن كل دورات التدريب والتي أشرف عليها الإختصاصيون لم تنجح في تغيره رغم التلميع والتسريح الخارجي في مظهره !

محمد دحلان في لقائه الأخير من خلال برنامج بلا حدود على قناة الجزيرة أثبت أنه فاشل بدرجة إمتياز وبدلا من يحسن صورته البائسة زادها سوءا إما بمحاولة "إستهبال" المشاهد بسرد قصص وهمية أو بنفي وإنكار ما ثبت عليه ويعرفه القاصي والداني أو بمدح النفس وشرح خصاله النبيلة !

قبل أن يقفز مؤيدوا دحلان من مقاعدهم وقبل أن يدّعوا أن ما سبق هو إتهامات باطلة سأذكر النقاط الرئيسية لذلك اللقاء على قاعدة "من فمك أدينك" ولهم أن يحكموا على دحلان من كلامه :

  • المقدمة - والتي يتفق عليها عادة بين مقدم البرنامج والضيف- إحتوت على معلومات أقل ما يمكن أن توصف به أنها مغلوطة ومنها أن دحلان كان من مؤسسي الشبيبة الفتحاوية في غزة وهو ما سبق وفندته بالحقائق الدامغة في مقال سابق وكذلك أنه كان مساعد أبو جهاد وهو ما رد عليه من كان مع أبو جهاد في تلك الفترة، كما تغاضت تلك المقدمة تماما عن ذكر الفترة التي قضاها دحلان في ليبيا والجزائر لأسباب لا تخفى على أحد، فكانت المقدمة بداية مسلسل الفشل والإدعاء في هذا اللقاء.

  • إعترف دحلان بلقاء عرفات 4 مرات - علما بأن المصرح به إثنتان- وأنه تم في اللقاء المنفرد الأخير "إسترداد العلاقة العملية مع عرفات" وأسهب في تمجيد تلك العلاقة إلا أنه ورغم دورات التدريب دق إسفين بينه وبين مربيه ومعلمه عندما قال "أن عرفات لديه الآن قابلية للتأثر بمن يوسوسون في آذانه بسبب الظروف التي يمر بها!" وهو إتهام لعرفات بالضعف وإتهام لمن حوله بأنهم شياطين (ربما لا أختلف معه في هذه الجزئية) .

  • بدأ بعدها المصلح دحلان في ذكر محاسنه ومآثره وركز على تربيته وأخلاقه التي تمنعه من الإساءة للآخرين (اللهم إلا في معتقلات الأمن الوقائي التي كان يديرها) وبحنكته ورؤيته وموقفه السياسي وجرأته التي هي محل ثقة عرفات وبأنه لا يبحث عن مجد ضائع أو منصب أو وظيفة ليختم بقوله "أنا لا أدعي الكمال" - السؤال هنا هل الشعب ساذج لهذه الدرجة لتنطلي عليه صفات مدح النفس رغم ماضي دحلان المعروف ؟

  • عندما بدأ حديثه عن الإصلاح مر على مجموعة من الأكاذيب منها أنه بدأ الدعوة للإصلاح منذ عام 1998 - لا أدري كيف يستقيم ذلك وقد كان يرأس أكثر الأجهزة القمعية دموية؟- وأنه ربما كان له دور في خروج 30000 متظاهر في إشارة للمظاهرة التي قادها في شهر تموز/يوليو الماضي والتي يعلم الجميع أنها لم تتجاوز ال 3000 متظاهر !

  • ثم جاء دور الرد على الإتهامات فتحول المصلح دحلان إلى البهلوان دحلان في محاولة لإستهبال المشاهد فهو "بيته من زجاج" وجاهز أن يكون "أول المحاسبين" فهو سمع خبرا سعيدا أن أخاه في السعودية مساهم في فندق أو قطعة أرض أما هو فلا فندق له - هكذا سمع من غيره أو ربما من الصحف أما فندق الواحة فقد قيد ضد مجهول. دحلان وهذه المرة بدهاء قال أنه يتحدى أي شخص أن يقول أن له دين عليه - سابقة جميلة ولكن الدين هو للشعب بأكمله فملايين دحلان لم تأتي من شخص أو أفراد بل من الأموال العامة التي هي ملك لكل الشعب.

  • ويستمر المسلسل لنكتشف أن البيت أبو الـ 600.000 دولار هو بيت صغير في البراري مساحته 190 متر ومن طابقين، يا بلاش لماذا كل هذا التواضع أم أن الناس لا ترى ولا تسمع ولا تعلم عن قصر الشوا شيء ؟

  • نسي دحلان أنه قال أنه كان من المطالبين بالإصلاح منذ عام 1998 لينزلق وفي إطار محاولته الفاشلة لدرأ التهمة عن نفسه ليقول بالحرف الواحد: "أنا حميت السلطة وواجبي كان في جهاز الأمن الوقائي أن أحمي السلطة حين احتكرت المواد البترولية.. مادة البترول وفعلا أنا ساهمت في حماية هذه المادة" - نعم هكذا يكون الإصلاح: حماية السارق والمحتكر من خلال جهاز أمني قمعي .

  • أما الـ 30 مليون دولار فإكتشفنا من خلال لقاء الصدق والنزاهة أنها 7 مليون وأنها دفعت لتنفيذ خطة دحلان الأمنية عندما كان وزيرا لشؤون الأمن في حكومة عباس، بالتأكيد الخطة الأمنية المذكورة كانت جزء من البرنامج الدحلاني الإصلاحي ولذلك حظيت بموافقة الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي - للتذكير فقط تلك الخطة كانت ساعة الصفر لها الثانية عشر ليلا في ليلة 21/22 من شهر آب/أغسطس من عام 2003 على أن تبدأ بقطع التيار الكهربائي عن قطاع غزة لتبدأ فرق الأمن الوقائي وفرق الموت بقيادة الإصلاحي دحلان بضرب "البنى التحتية للإرهاب" في القطاع، ما أفشل تلك الخطة رغم الملايين التي دفعت لتنفيذها لم يكن رفض عرفات لها كما إدعى دحلان ولكن إستشهاد إسماعيل أبو شنب في عملية الإغتيال الجبانة قبل موعد ساعة الصفر المحددة ب 10 ساعات و45 دقيقة والتي إضطرت المصلح دحلان للتراجع بسبب حالة الغليان الشعبي !

  • لم ينس دحلان بالطبع تغذية النعرة التعصبية والتي يلعب على أوتارها قائلا حرفيا: "تصور أن الوضع الفلسطيني جيد ومُصلَح في فتح وفي السلطة وبالتالي تكون حركة حماس في مأزق لا تستطيع أن تتهم السلطة لا تستطيع أن تتهم حركة فتح وبالتالي أن يخرج هذا النداء من أوساط كادر حركة فتح هذا شيء مزعج لكثير من الذين لا يريدوا لنا مستقبلا متماسكا في حركة فتح ومميزا ومتميزا كما كانت على مدى السنوات الماضية" وليكرر عبارة المشعوذين أكثر من مرة .

  • تغيرت رسالة المناضل دحلان بعدها وتحولت إلى صيغة الجمع للتعظيم والتفخيم وبنبرة تهديدية قائلا: " لذلك نحن حين وجدنا أننا وصلت هذه الرسالة أوقفنا خطواتنا الاحتجاجية وهذا لا يعني التخلي عن أي مطالبة من المطالبات التي طالبنا بها لأنها مطالبات من وجهة نظري مطالبات على حق ومطالبات مقدسة يجب علينا أن ننفذها" وليكرر مرة أخرى أنه من القلائل الذين سجلوا إستقالات في تاريخ المنظمة وفتح وبأنه "لو لم نستقل لبقينا حتى هذه اللحظة" !

  • التسلق والإنتهازية لم تفت البريء المسكين دحلان فوجه دعوة أن يكون يوم الجمعة (03/09/2004) يوما للتضامن العربي مع الأسرى وهو الذي يعلم جيدا أن هذا اليوم قد تم الإتفاق عليه مسبقا ليكون يوما عالميا للتضامن مع أسرى الحرية ولكن أراد تسجيل نقطة لصالحه وكأن الجماهير العربية خرجت إستجابة لدعوته !

  • ثبّت دحلان قضية السفينة كارين A على عرفات عندما إعتبرها السبب في القضاء على العلاقة بين عرفات والولايات المتحدة .

  • أخيرا لمن لم يلاحظ فقد زفر دحلان زفرة طويلة خرجت من بين أضلاعه عند إنتهاء البرنامج وبشكل يوضح درجة التوتر التي كان عليها مع ملاحظة أنها ربما كانت الحلقة الأولى من برنامج بلا حدود التي لا يستقبل فيها أي إتصال هاتفي مباشر - ترى لماذا ؟
  • اللقاء لم يكن نهاية المطاف حيث تذكر دحلان فجأة وفي اليوم التالي أنه نسي جزء مما أعده للضحك على المشاهد فأطلق تصريحه الصحفي أنه كان على علم بمخطط "لإغتياله" في رام الله عند توجه للقاء عرفات ولكنه أصر على الذهاب، أية بطولة وعظمة تلك !

    الأيام التي تلت اللقاء حملت الكثير من المفاجأت لدحلان فخرجت إحدى الصحف بتحقيق مطول جدا يظهر حقيقيته ثم سربت وثائق على شبكة الإنترنت ووصلتني بالبريد الإلكتروني(بغض النظر عن حقيقة هذه الوثائق أو كونها أصلية) تحتوي على فظائع مالية لاتوصف لجهاز الأمن الوقائي في غزة وتستحق فتح تحقيق فيها لإثباتها أو نفيها !

    هذا هو رافع لواء الإصلاح الدعي دحلان وهذه هي السلطة التي أنجبت أمثاله وأوصلتنا إلى ما نحن فيه من فساد وإفساد بقيادة أشد سوءا وفسادا على طريقة "إذا كان رب البيت بالدف ضارب، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص" .

    كل ما حدث ذكرني بأبيات أمير الشعراء أحمد شوقي والتي أختم بها :

    برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظينا
    فمشى في الأرض يهذي ويسبّ الماكرينا
    ويقول : الحمدلله إله العالمينا
    ياعباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
    وازهدوا في الطير إن العيش عيش الزاهدينا
    واطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
    فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
    عرض الأمر عليه وهو يرجو أن يلينا
    فأجاب الديك : عذراً يا أضلّ المهتدينا
    بلّغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
    أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا
    مخطئٌ من ظنّ يوماً أنّ للثعلب دينا


    د. إبراهيم حمامي
    طبيب وناشط فلسطيني

    لمراسلة د. إبراهيم حمامي

    تاريخ النشر : 21:50 05.09.04