عن أي نجاح يتحدث عبّاس ؟
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي

تفاؤل وابتهاج ووعود برّاقة ومستقبل موعود، ودولة على الأبواب قاب قوسين أو أدنى، وإصلاح ونجاحات باهرة في زمن قياسي هو زمن العهد العبّاسي، مقارنة بالعهد العرفاتي، وتصريحات تصل لدرجة الطرب والغناء بما تم تحقيقه وإنجازه، وكأن الحديث هو عن بلد آخر غير فلسطين، أو عن أناس من الفضاء لا علاقة لهم بالشعب الفلسطيني!

معزوفة تتكرر بعد لقاء لندن تماماً كما عزفت بعد شرم الشيخ بقيادة عباس ومشاركة أركان سلطته ممّن ثبتهم في مناصبهم ليكونوا ذراعه الضاربة كدحلان ونصر يوسف، حتى وان حاولوا ذر الرماد في العيون بتشكيلة وزارية من "التكنوقراط" كما يحلو لهم أن يسموها، حبكت في أقل من 24 ساعة على نظام "الوجبات السريعة" للحصول على موافقة التشريعي، المنتهي الصلاحية وذو اللون الواحد، للحفاظ على ماء الوجه والظهور بالمظهر الديمقراطي المصطنع.

دخل عبّاس شرم الشيخ بشروط شارون ليناقش المسائل الأمنية فقط لاغير، وخرج شارون بما أراده منتصراً منتفخاً ليدخل العواصم العربية الواحدة تلو الأخرى ببركات عبّاس ومن معه، مقابل وعود لم يتحقق منها شيء، اللهم إلا إطلاق سراح مئات الأسرى ممن قاربت محكوميتهم على الإنتهاء، ولتتبخر باقي الوعود في الهواء وليستمر شارون في مخططه، وسط تفاؤل وابتهاج وفرح بانجازات عبّاس.

ودخل عبّاس مرة أخرى لقاء لندن الذي أعده رئيس الوزراء البريطاني توني بلير كجزء من حملته الإنتخابية لكسب أصوات المسلمين والعرب في بريطانيا، وأقول لقاء لأن هذا اسمه الرسمي وليس مؤتمر، وعنوانه المخزي هو "إعادة تأهيل السلطة"، فياله من عنوان يشرّف عبّاس ومن معه، ليحقق بلير ما أراد، وليخرج عبّاس كما دخل دون أي تقدم يذكر على صعيد حقوق شعبنا وأساسيات قضيتنا، اللهم إجترار أسلوب الإستجداء والمطالبة بالدعم المالي والذي لا يجيد رموز أوسلو غيره.

ما ميّز لقاء لندن "التأهيلي" هو خلو كلمة عبّاس تماماً من أية إشارة لحقوق الشعب الفلسطيني ومطالبه العادلة والمشروعة، فأسقط عبّاس كل ما وعد به في حملته الإنتخابية، فلا يوجد في قاموسه الجديد لاجئين أو مستوطنات أو جدار عازل أو إحتلال أو إغتيال، كل ذلك غاب عن كلمته التي ركزت على ما أراده شارون من مكانه خارج اللقاء وهو الإلتزام بتفكيك البنى التحتية "للإرهاب" وتطبيق خارطة الطريق، التي لم يوافق عليها الإحتلال رسمياً حتى هذه اللحظة، مع مطالبة خجولة - علّها تغضب شارون- برفع الحواجز وتسهيل الحركة، وكأن هذا أسمى ما نتطلع إليه.

ما بين شرم الشيخ ولندن غابت أيضاً الوعود الدحلانية بإطلاق سراح ألاف الأسرى والمعتقلين، وبالإنسحاب من خمس مدن على الأقل، وبإزالة الحواجز والسواتر، وغيرها مما نفخ رأسنا به دحلان الذي عيّن مسؤلاً أمنياً غير مباشر كمنسق مع الإحتلال حول الإنسحاب، إضافة لوزارة الشؤون المدنية، أي بعبارة أخرى الشؤون الأمنية والمدنية وبالتأكيد بسبب خبراته النادرة وبرنامجه المميز والثقة الزائدة للشعب في مهاراته التي لا يستطيع أن يقوم بها إلا هو، ليمسك بالمنصبين الأكثر حساسية ويتحكم في البلاد والعباد.

هذا ما يتعلق باللقاءات والمؤتمرات والتصريحات، أما على أرض الواقع فإضافة لعمى بصيرة رموز أوسلو، يبدو أن هناك عمى البصر، الذي منعهم من متابعة ومشاهدة وسماع ما يجري، ففي الوقت الذي كان فيه عبّاس وشركاه يطلقون العنان لقريحتهم ليصوروا جمال وروعة عهدهم الجديد، كان ما يجري على أرض فلسطين مغايراً تماماً، وهذا جزء يسير منه:

  • أول الصفعات، وكالعادة دائماً، جاءت من شريك السلام الجديد شارون، الذي رد على البيان الختامي للقاء لندن بقوله وعلى لسان مسؤول في مكتبه أنه شأن فلسطيني داخلي لا يعنينا وسيتحول غداً إلى "قصاصة ورق".
  • في نفس اليوم صدرت أوامر الإخلاء وتوسيع الجدار الفاصل حول القدس والخليل تحديداً
  • شالوم يصرح وتدعمه كونداليزا رايس أنه لا تقدم في عملية التسوية أو الدعم المالي إلا بمقدار التقدم في "مكافحة الإرهاب".
  • مصدر من مكتب شارون يحذر عبّاس من أنه سيحول مستقبله إلى "جحيم صعب جداً" إن لم يلتزم بتعهداته!
  • في نفس اليوم أيضاً اعتقلت سلطات الإحتلال الشيخ تيسير التميمي و10 من زملائه في مدينة القدس.
  • طبعاً كل ذلك لم يهز من عضد سلطة أوسلو ورئيسها عبّاس، وجاء الرد قوياً مزلزلاً، بحجم إهانات الإحتلال المتوالية:

  • بأوامر مباشرة من عبّاس ودحلان بدأ تلفزيون فلسطين، وليثبت وقف التحريض والكراهية، بإجراء لقاءات مع قادة وجنرالات جيش الإحتلال الذين ولغوا في دماء شعبنا في سابقة هي الأولى من نوعها.
  • إستكمالاً لهذا الدور، ياسر عباس ، نجل محمود عباس وقع مع الوزير (متان فيلنائي) على اتفاقية تعاون إعلامي مشترك ، تسمح لشركة التسويق الإعلامي (سكاي) المملوكة لأبناء محمود عباس ، بتنظيم دعوات لشخصيات ومسؤولين في حكومة الإحتلال للتحدث من خلال وسائل الإعلام "الفلسطينية" التابعة للسلطة.
  • بإشراف شخصي من نصر يوسف، المسؤول المباشر عن مجزرة مسجد فلسطين بغزة في التسعينيات، بدأت حملة إعتقالات في صفوف المقاومين في مدينة طولكرم خاصة من حركة الجهاد الإسلامي، في تكرار لسيناريو عام 1996، وفي استنساخ لجيش لبنان الجنوبي العميل.
  • نصر يوسف أيضاً وفزعة للإهانة الشخصية التي تعرض لها على يد زعران الزبيدي في جنين يقرر عزل قادة الأجهزة الأمنية في جنين، ليعود ويعانق الزبيدي الحاكم بأمره في جنين.
  • كما هي العادة وبمجرد إنتهاء لقاء لندن نشرت إستطلاعات للرأي تدعم توجه سلطة أوسلو، وكأنها معدة سلفاً، كما حدث يوم 09/01/2005 بعد إغلاق صناديق الإقتراع.
  • أما رئيس الوزراء الهمام قريع والذي قاطع الإجتماع فبدأ بدوره إطلاق التصريحات التي تقلل من شأن ما جرى وتطالب بأفعال بدلاً من الأقوال وأيده في ذلك "كبير" المفاوضين شعث، ولا أدري من يطالبون وهم جزء من هذه السلطة العظيمة!
  • حركة فتح بدأت تخرج من سباتها الذي طال بعد أن بدأت بقراءة الأمور كما هي، لا كما يريدها الثنائي عبّاس/دحلان، فها هو فاروق القدومي في لقاء بعمان يوم 27/02/2005 يدعو لجبهة وطنية في الخارج بعد أن أشهر غضبه على تفرد عبّاس بالقرار، وهاهي قيادات حركة فتح في الضفة الغربية تجتمع يوم الخميس 03/03/2005 بمبادرة بعيدة عن اللجنة المركزية التي اتهمتها بالتقصير فيما يشبه التمرد على "قيادات" أكل عليها الزمن وشرب، ولتعلن 110 من هذه القيادات عن إنتخابات مزمعة لإختيار قيادة جديدة بديلة.

    بعد كل لقاء وتنازل واستجداء يزيد الإحتلال من الأوامر والإستعلاء، فمتى تتعلم السلطة المبجلة الدرس وتتوقف عن بازار التنازلات المجانية والقبول بالوعود الهوائية، وخفض سقف مطالبنا الشرعية؟

    رغم كل ما سبق يصر رموز أوسلو ومن ارتضوه من أبواق تطبل وتزمر وتسبح بحمد الإنجازات الهائلة وغير المسبوقة، يصرون على ممارسة دورهم في الخداع والتضليل والحديث عن أوهام ما حققوه ليبقى السؤال: عن أي نجاحات يتحدث عبّاس؟

    في انتظار الإجابة !
    د. إبراهيم حمامي
    DrHamami@Hotmail.com

    04/03/2005