رسالة مفتوحة للسيد فاروق القدومي
بقلم : د.إبراهيم حمامي

د. إبراهيم حمامي

السيد فاروق القدومي - أبو اللطف

تحية لكم وبعد،

أكتب لكم هذه الرسالة المفتوحة بصفتي إنسان شاء القدر أن يولد لاجئا من أبوين فلسطينيين هجّروا وشرّدوا وعانوا، وبصفتي فلسطيني يعتز بأصله وإنتمائه، وبصفتي طبيب يعمل في الحقل الإنساني ويأبى أن يرى الظلم والجور والطغيان دون أن يحرك ساكنا، وبصفتي أعيش في الشتات حالي حال الملايين من أبناء شعبنا، وبصفتي صاحب قلم ورأي - لا يعجب البعض- وبصفتي الشخصية البحتة، لأنني لا أدعي أنني أمثل أحدا أو أنوب عن غيري -كما هو حال الكثيرين- ولكنني على يقين تام أن ما سأطرحه يتفق عليه الكثيرون من أبناء هذا الشعب الذي كتب له أن يعيش في الشتات، وأخيرا بصفتي أحد من تعرضوا خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية لمحاولات خنق الصوت والتهديد المباشر عبر الإتصال الهاتفي في ساعات الليل المتأخرة من قبل أحد عمّالكم في الخارج الذي كال التهم والألفاظ التي لا تليق بسكان الحواري!

السيد/أبو اللطف

أكتب إليكم بصفتكم رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبصفتكم وزير خارجية دولة فلسطين التي أعلنت في الجزائر في 15/11/1988، وبصفتكم الأقدم في التسلسل التنظيمي وأحد من تبقى من المؤسسين، وبصفتكم صاحب رأي رافض لمسلسل أوسلو، وبصفتكم من آثر البقاء في تونس على أن يعود في ظل حراب الإحتلال، وبصفتكم صاحب حكمة وحنكة سياسية جعلتكم تترفعون عن مهاترات من أرادوا التعدي على منصبكم كوزير للخارجية، وبصفتكم الأجدر في ملء الفراغ الناتج عن مرض عرفات، وبصفتكم أحد قادة النضال الفلسطيني الذين لم يتلوثوا بالفسادن وما أندرهم، وبصفتكم مسؤولا مباشرا عن "السفارات" الفلسطينية في الخارج.

السيد/ القدومي

الأهم من كل ما سبق هو أنكم من شكل لجنة لتقصي الحقائق في ممارسات الفساد في "سفاراتكم" و"ممثلياتكم" و"مفوضياتكم" المفترض فيها أن تكون واجهة مشرقة ومشرّفة لشعبنا وتضحياته ونضالاته، ولكن وللأسف الشديد تحولت إلى إقطاعيات خاصة وعنوانا للفشل والخنوع.

لقد سمعت وقرأت كغيري من المهتمين بقضيتنا عن تشكيل لجنة برئاستكم وعضوية كل من جمعة الناجي السفير بالدائرة السياسية وأحمد جرار مدير مكتب عرفات بغزة، وبالتأكيد آخرين لا نعرفهم، من أولى مهامها التحقيق في تقارير فساد إحدى سفاراتكم في دولة من دول الشمال الأوروبي، ولتشمل بعد ذلك باقي الدول الأوروبية، والتي أتمنى أن تشمل بريطانيا، الدولة التي أقيم فيها، والتي لي فيها العديد من الملاحظات والمآخذ.

إن الفساد ليس فقط في إختلاس الأموال والتلاعب بالأرصدة والعيش الرغد على حساب الشعب وإبرام الصفقات المشبوهة كما هو الحال مع البعض في وسط أوروبا ممن وصلتنا وثائق عنهم نشرت في بعض المواقع، خاصة الذين تربطهم علاقات مع فاسدي الداخل المتنفذين في سلطة أوسلو.

نعم هذا فساد بواح لاخلاف فيه، ولكني أدعوكم أيضا للتوقف عند أوجه الفساد المستترة الأخرى التي يكاد لا يستثنى منها أحد، وأدعوكم للتحقيق فيها، والضرب على كل من فرط وتورط، وعزل ومقاضاة كل من تثبت إدانته وليس عزله فقط لينعم بما وصل إليه.

أوجه الفساد التي أقصدها سأضعها في تساؤلات سريعة كما يلي:

  • أليس التقصير في أداء المهمة التي عيّن من أجلها موظفوكم فساد؟

  • ألا يعتبر تعيين من لاخبرة لهم ولا كفاءة ذات صلة بالعمل الدبلوماسي سوى أنهم أبناء وأقارب لمسؤولين في السلطة فساد؟

  • ألا تتفق معي أن تعيين "مستشارين" في هذه الدولة أو تلك حسب ولائهم التنظيمي فقط فساد؟

  • أليس الفشل في إتخاذ أي موقف على مدار سنوات عديدة لنصرة قضيتنا فساد؟

  • ألا يعتبر الغياب عن فعاليات شعبنا وقضاياه المركزية كقضية الأسرى وحق العودة فساد؟

  • ألا يعتبر إستغلال موارد وإمكانيات مكاتبكم في الخارج لأهداف وغايات شخصية كالدعاية للمطبوعات الشخصية والترويج لأفكار غير مقبولة في كثير من الأحيان فساد؟

  • هل يمكن إعتبار التدخل ضد أي نشاط فعّال لأبناء جالياتنا من قبل عمّالكم ومحاولات إفشاله فساد؟

  • ألا يمكن أن نعتبر محاولات التهديد المستمرة لإسكات كل صوت يعارض "سعادته" أو "سيادته" في هذه الدولة أو تلك فساد؟

  • أليس إتهام كل من إختلف مع عمّالكم في الرأي بأنه طابور خامس، أو عميل، أو يدعو للفتنة، أو ذو نزعة طائفية هو لب الفساد؟

  • ألا تعتبر "شخصنة" القضية والخلافات الفكرية وتحويلها لصراعات فردية مقيتة فساد؟

  • ألا يعتبر فرض رسوم قاتلة على المعاملات تتجاوز حدود العقل والمنطق فساد؟

  • أليس إهمال أوضاع أبناء فلسطين خاصة الطلبة ممن تقطعت بهم السبل في المهجر فساد؟

  • ألا يعتبر التغاضي عن معاناة أبنائنا ممن يقبعون ظلما في سجون الرأي في البلاد المضيفة فساد؟

  • ألا يعتبر غياب مبدأ الرقابة والمحاسبة فساد؟

  • أليست السنوات الطويلة التي قضاها البعض كملك غير متوج يصول ويجول كما يشاء ويريد هي الفساد بعينه؟

  • أخيرا ألا يعتبر القفز على تضحيات شعبنا، والإستهتار بخصوصياته وأخلاقه، وتجاهل معاناته وعذاباته، من خلال الدعوات لأنشطة ما أنزل الله بها من سلطان كحفلات الرقص و"هز الوسط" في وقت يذبح فيه شعبنا فساد؟

  • السيد الوزير

    القائمة طويلة، بل طويلة جدا، والفساد أصبح الصفة السائدة وكأنه قدر إرتبط بإسم فلسطين في الخارج، فكلما حاولنا رفع أسهم قضيتنا والتعريف بها وحشد الدعم والتعاطف لها، جاء عمّالكم في مكاتبكم ليفسدوا كل شيء وفي تكرار معهود ومحبط مرة تلو الأخرى.

    لقد تفاءلت شخصيا بتشكيل لجنة تقصي الحقائق المذكورة، ولا أعرف إن كان تفاؤلي في مكانه أم لا، فقد عودتنا التجارب السابقة أن كل من يثبت فساده يصبح من المقربين وأصحاب الرأي والمشورة، بل يصبح منظرا في قضايا الفساد والإصلاح، ليتبوأ أرفع المناصب كوزير أو مستشار أو غيره!

    أتمنى من كل قلبي أن نرى تغييرا حقيقيا أساسه الشفافية والمهنية والعدل، لا يستثني أحد مهما بلغ مركزه أو قوة من يدعمه، وكلي أمل أن لا تنحصر قضية الفساد في الملفات المالية، فأوجه الفساد الأخرى أخطر وأشرس وتأثيراتها أكثر تدميرا وفتكا بمجتمعاتنا.

    وأخيرا وليس آخرا، كلي رجاء أن لا يقتصر التحقيق وأخذ الأقوال والشهادات على زبانية "المكاتب" و"حاشية صاحب السعادة" والمستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر، بل عليكم الإعلان عن مواعيد لجان التحقيق وفتح الباب لكل أبناء الجاليات لقول ما عندهم بشكل علمي وموثق وبالمستندات، ومن خلال طريقة واضحة تضمن وليس بأسلوب رمي التهم جزافا، وبشكل يضمن نزاهة التحقيق وعدالته ويحفظ في نفس الوقت أمن أبناء الجاليات دون التعرض للتهديدات المعتادة وكأننا في غابة من الوحوش الآدمية.

    في إنتظار لجانكم وتحقيقاتكم.
    د. إبراهيم حمامي



    لمراسلة د. إبراهيم حمامي

    03-11-2004