الإنتخابات الفلسطينية .. بين الشرعية واللاشرعية!
بقلم : د. إبراهيم حمامي
أيام قلائل باتت تفصلنا على إنتهاء المدة المحددة للتسجيل الإنتخابي والمقرر لها أن تنتهي يوم السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2004، ورغم ذلك لا يزال الإقبال على التسجيل ضعيفا مقارنة بحجم الحملة المصاحبة غير المسبوقة -فلسطينيا على الأقل- والذي كان محط إهتمام العديد من المحللين والمراقبين والكتاب بين محاولات التبرير والتحليل ومحاولات الإيحاء بأنه ضعف غير حقيقي ومبالغ فيه وأن كرة الثلج الإنتخابية بدأت بالتدحرج وبين مطالب البعض تمديد المهلة المقررة وبين أصوات تعلوا هنا وهناك مشككة في النوايا والأهداف وداعية لمقاطعة عملية التسجيل.
أصبحت عملية التسجيل وكأنها هدف أسمى ومهمة وطنية تحقق ما نصبوا إليه من إصلاح وشفافية بل وإنتصار أيضا على الإحتلال وهو ما يمكن وصفه بنكتة غير مضحكة ومحاولة فاشلة منذ بدايتها لإمتصاص النقمة الشعبية على إفرازات أوسلو وإلتفاف على المطالب المشروعة بإنهاء الفساد ومحاسبة الفاسدين من خلال حملة إلهاء مدروسة ومخططة بدقة وعناية تحت مسمى "التسجيل الإنتخابي"!
بين كل هذا وذاك وبين هموم الوطن والمواطن ضاعت وغابت عنّا حقائق كثيرة وخطيرة تتعلق بهذه الحملة وبالإنتخابات بشكل أوسع وهو ما سأحاول التطرق إليه بالتفصيل الممل حتى لا يقال أن التهم تلقى جزافا دون دليل من خلال عدة محاور منفصلة ولكن مترابطة وجد هامة.
أولا: حملة التسجيل
قد لايدرك الكثيرون أبعاد الحملة الدعائية والإعلامية التي إنطلقت والإمكانات التي وضعت لتلك الإنطلاقة والتي تجاوزت حدود المنطق والمقبول في وقت يعاني فيه الشعب من ضغط آلة الإحتلال وهذه بعض الأرقام والإحصاءات:
يشرف على سجل الناخبين 3000 موظف وموظفة
إفتتح 1009 مراكز للتسجيل في التجمعات السكانية في الضفة والقطاع
يشرف على العملية 1500 وكيل لمراقبة التسجيل من 9 فصائل و2500 مراقب من 78 مؤسسة أهلية
الحملة الدعائية شملت وعلى لسان بهاء البكري مسؤول العلاقات العامة والشؤون الإنتخابية:
- 30 ألف (بوستر)
- 250 ألف ملصق
- 400 ألف مطبوعة متنوعة
- 200 لافتة كبيرة
- 600 إعلان مكتوب في وسائل الإعلام المكتوبة
- 10 آلاف إعلان في الوسائل المرئية والمسموعة (19 إذاعة و18 محطة تلفاز)
- إرسال رسائل عبر الجوال
علت الأصوات من كل حدب وصوب مطالبة بإعتماد بدائل للتسجيل لاتشق على المواطن فكان إقتراح إستخدام السجل المدني الرسمي للمواطنين الصادر عن جهاز الإحصاء المركزي والذي جرت الإنتخابات السابقة وفقه وهو ما رفضه رئيس اللجنة المركزية للإنتخابات متعللا بأسباب منها قصور السجل وعدم تحديثه وغياب البعض خارج الوطن وهي نفس الأسباب التي ستحد من عملية التسجيل التي يقودها! ترى ما الذي تغير لتدعو لجنة الإنتخابات لعملية تسجيل واسعة النطاق متجاهلة السجل المدني وموقف معظم الفصائل والقوى وتحفظاتها على عملية التسجيل؟
أيضا ما هو مصير ألاف الطلبة الدارسون في الخارج والذين لن تدرج أسماؤهم في سجلات التسجيل وكذلك المرضى وفلسطينيوا المهجر ممن يملكون حق المواطنة ويحملون هويات ويزيد عددهم عن 300 ألف مواطن؟
الغريب أنه رغم كل المطالب بالتخلي عن التسجيل المسبق كشرط للمشاركة في الإنتخابات تصر سلطة أوسلو عليه وهو ما يعتبر السبب الرئيسي للتشكيك بالنوايا والأهداف وهو ما يقودنا للنقطة التالية.
ثانيا: الهدف من حملة التسجيل
تحاول حملة التسجيل الإيحاء أن الإنتخابات قريبة وباتت على الأبواب وتخلط بقصد أو دونه بين نوعين من الإنتخابات: المحلية أو البلدية والسياسية وتحاول أيضا الربط بين التسجيل والحس الوطني والإدعاء بأن التسجيل هو أساس الإنتخابات لعدة أهداف منها المعلن ومنها غير المعلن.
الهدف الرسمي المعلن هو حصر الناخبين ورفع مستوى الوعي السياسي والإعداد للإنتخابات وإعتبار أن التسجيل هو أهم الخطوات اللازمة للإقتراع وضمانة لعدم تكرار أسماء المقترعين، وهو ما تناوله الكثيرون بحثا وتمحيصا.
أيضا يقول المتحمسون أن التسجيل هو تحد للإحتلال وللإدارة الأمريكية متناسين الواقع المرير على الأرض والذي يذكرنا كل يوم بمرارة هذا الإحتلال الذي يستطيع عرقلة العملية في أي وقت شاء كما حدث في القدس ومن خلال الإغلاقات والإجتياحات وغيرها.
أما غير المعلن والذي يدخل في إطار الشكوك التي تناولها البعض الآخر - والذي أميل إليه- أنها عملية مدروسة يراد منها تحقيق عدة أهداف:
- إلهاء المواطن في عملية تسجيل لن تقود في الغالب لإنتخابات حقيقية
- إضفاء الشرعية المفقودة على مؤسسة سلطة أوسلو
- التهرب من إجراء الإنتخابات على الأقل لمدة سنة
- تصدير سلطة أوسلو أزمتها الفسادية من صراع على السلطة إلى صراع إنتخابي
- معرفة إتجاه الشارع الفلسطيني من خلال التسجيل وبالتالي التحضير لمواجهته
- إمتصاص دعوات الإصلاح خاصة بعد أحداث غزة الأخيرة (وهو ما يفسر التوقيت)
- تقوية الحزب الحاكم من خلال سيطرته على اللجان
- محاولة تلميع صورة السلطة خارجيا دون الإلتزام بتواريخ محددة
ما يؤكد الأهداف السابقة أن سلطة أوسلو ومنذ العام 1994 لم تقدم على إجراء أية إنتخابات حتى النقابية والطلابية رغم أن الأجواء كانت تسمح بإجرائها وعدم تحديد موعد للإنتخابات وعدم إقرار قانون الإنتخابات الجديد.
إن إجراء إنتخابات دون تسجيل خطر داهم تخشاه سلطة أوسلو لأنه قد يفرز نتائج غير متوقعة ومفاجاءات لا يمكن التعامل معها فمعرفة من سيخوض الإنتخابات بشكل مسبق لن يتم دون تسجيل والذي إن لم يكن في صالح سلطة أوسلو ورموزها فسيتم الإلتفاف عليه بشتى الطرق وبعدة سيناريوهات ليس أقلها التأجيل أو الإلغاء بحجج وأعذار جاهزة.
لقد حوّلت سلطة أوسلو الإنتخابات إلى سيف يشهر في وجه الشعب وقواه التي ترفع صوتها ضد ممارسات الفساد والإفساد وأصبح الهدف الأساسي من الإنتخابات أو التسجيل إضفاء الشرعية على هذه السلطة وتقويتها في مواجهة معارضيها.
ثالثا: ضعف التسجيل
وهو أيضا من المواضيع التي أشبعت بحثا وتحليلا فبرغم كل محاولات الإستنفار السلطوي والإيعاز للمدارس والجامعات بتشجيع الطلبة وذويهم على المشاركة والمصاريف الخيالية على الحملة الدعائية لم تتجاوز نسبة التسجيل في أحسن أحوالها 30% لتسجل في مناطق أخرى 4% فقط كمدينة نابلس!
لم تحاول سلطة أوسلو كعادتها دراسة أسباب عزوف المواطنين عن التسجيل ومعالجة السبب بدلا من العارض بل حاولت الدفع بكل الإتجاهات لإقناع المواطنين بالتسجيل فخففت شروط التسجيل لتصل إلى فاتورة كهرباء أو هاتف وبدأ الحديث عن تمديد فترة التسجيل وفتح مراكز جديدة وحتى طرق أبواب المواطنين في إصرار عجيب على عملية التسجيل رغم كل ما ذكر سابقا.
يمكن تلخيص أسباب العزوف وضعف التسجيل في النقاط التالية:
- وعي المواطنين وإدراكهم للنوايا والأهداف الخفية للحملة
- الإحباط وخيبة الأمل
- الشعور بعدم الجدية وفقدان الإرادة
- الإنشغال بالحياة اليومية
- الفشل الذريع للقائمين على الحملة الإعلامية
- أسباب فردية شخصية كالمرض أو السفر
- غموض وقصور قانون الإنتخابات (طريقة الإقتراع على سبيل المثال)
- الإعتراض وعدم الرضى على سياسات وممارسات سلطة أوسلو
- التراجع عن الوعود السابقة
- التنافس بين الوجوه المعروفة والتي ملّها المواطن
- الصراع والتنافس والتناحر على السلطة داخل حزب السلطة
- تكرار الشعارات البالية نفسها
- وجود العديد من التساؤلات دون إجابة
- الوضع السياسي العام كالإحتلال وموضوع الإنسحاب من قطاع غزة
- طريقة التسجيل والشكوك القائمة حولها
- عدم وجود موسم إنتخابي وعدم تحديد موعد للإنتخابات
- إجماع الغالبية أن الإنتخابات لن تعقد
- عدم إقرار قانون الإنتخابات المعدل
- قضايا الفساد
- سيطرة اللون الواحد والحزب الواحد على عملية التسجيل برمتها
- غياب الأجندة الواضحة
بالتأكيد هناك نقاط أخرى وأسباب عديدة ولكن ما يهم أن عملية التسجيل تواجه إنتكاسة حقيقية رغم الحملة المكثفة ورغم دعوة معظم الفصائل كافة المواطنين للمشاركة في التسجيل ومحاولات الترقيع من تمديد وفتح مراكز جديدة وغيرها لن تشكل حلا لضعف الإقبال بل على القائمين إن حرصوا فعلا على عملية نزيهة وشريفة معالجة الأسباب السابقة والإعتراف بالقصور والخلل.
رابعا: الإنتخابات السابقة (1996)
قبل الخوض في تفاصيل الإنتخابات المزمعة - إن عقدت أصلا- لابد من تناول تفاصيل ما جرى عام 1996 والتجاوزات والخروقات الهامة والخطيرة التي تسقط أية شرعية عن سلطة أوسلو وقيادتها التي لا تتوقف عن تكرار معزوفة الرئيس الشرعي والمنتخب ومؤسسات السلطة الشرعية وبأنها الديمقراطية الوحيدة في الوطن العربي في موال شبه يومي في ما يشبه غسيل دماغ حتى كدنا فعلا أن نقتنع أن لنا دولة ومؤسسات ووزراء وبأن رموز أوسلو هم فعلا خير من يمثلنا!
لن أتطرق هنا لحقوق الشعب وإنتهاء مدة "السلطة" القانونية ولا للتمديد غير الشرعي لرئيس سلطة أوسلو أو المجلس الفلسطيني ولا للقانون الدولي ولا للتفريط والتنازلات بل سأتناول النقاط والقوانين والنظم التي أقرتها سلطة أوسلو بنفسها وقامت بخرقها بنفسها وتجاوزتها بنفسها وأفقدتها شرعيتها بنفسها! وبالتالي لا يمكن الحديث عن إنتخابات قادمة دون توضيح وكشف لملابسات إنتخابات عام 1996 - وهنا أطلب من القاريء الكريم التروي لدقة الموضوع.
سلطة أوسلو والتي أطلق عليها السلطة الفلسطينية (بدون عبارة أو صفة الوطنية) لم تنشأ أساسا عبر الإنتخاب بل بقرار من مادتين فقط أصدره المجلس المركزي الذي إنعقد بتونس في الفترة 10-12 تشرين الأول/أكتوبر 1993 بعد توقيع إتفاقية أوسلو مباشرة وبناء عليه تم تعيين رئيس وأعضاء هذه السلطة ودخولهم إلى فلسطين كسلطة مفروضة على شعبنا وتحت مسميات توحي بوجود دولة حقيقية وتحت سقف إتفاقيات سياسية وأمنية ملزمة لا يمكن تجاوزها، ولتصدر هذه السلطة وبالتنسيق التام والإتفاق والتراضي مع حكومة الإحتلال "برتوكول الإنتخابات" والذي يعتبر المرجع الرئيسي والأساسي لأي إنتخابات تجري في مناطق الحكم الذاتي المحدود ويتم الإحتكام لبنوده حال وقوع خلاف وفي كل كبيرة وصغيرة.
هذا البروتوكول يختلف عن قانون الإنتخابات (الذي صدر لاحقا بناءا على البروتوكول) ودون الدخول في التفاصيل الكاملة لهذا البروتوكول ترى ما هي أهم فقراته وبنوده وكيف خرقتها سلطة أوسلو؟
- تنص المادة الأولى من البروتوكول على أنه صدر حسب المادة (3) من إتفاق إعلان المباديء (أي إتفاق أوسلو) وأن إجراء الإنتخابات يحكمها هذا الملحق ويجب أن تتماشى مع أحكام الإتفاقية.
أي أن إتفاقية أوسلو هي المرجعية في أية إنتخابات مستقبلية!
- المادة الثانية فقرة "و" رقم "5" تنص على ان يكون المسجل مدرجا ضمن السجل السكاني المحفوظ من قبل السلطة الفلسطينية او السلطات الاسرائيلية وبالتالي ان يكون حاملا لهوية اصدرتها السلطة الفلسطينية او السلطات الاسرائيلية. كما تنص الفقرة "ز" على أن يكون حق الإنتخاب لمن سكن الضفة أو غزة مدة لاتقل عن 3 سنوات متتالية قبل شهر يناير/كانون الثاني عام 1996.
لم يكن رموز سلطة أوسلو قد أمضوا 3 سنوات عند إجراء الإنتخابات هذا إذا إفترضنا جدلا أنهم من سكان الضفة أو القطاع وبأنهم أصدروا هويات لأنفسهم (رغم حرمان الآلاف منها) أي أن ترشيحهم يعتبر لآغيا تلقائيا!
- أما الفقرة "ز" من مادة السجل الإنتخابي فتنص على: "خلال ستة اسابيع من تجميع مسودة السجل الاولي وفي اعقاب الفصل في الطلبات والاعتراضات، فان الجانب الفلسطيني في "اللجنة الفرعية للـ CAC " سيقوم بتزويد الجانب الاسرائيلي بنسخة من هذا السجل والمعدة بالشكل الحاسوبي المتفق عليه بين الجانبين" ليعدل ويحذف خلال (7) أيام ليتم بعدها " قبل 3 ايام على الاقل من نشر السجل النهائي، يجب ان يمرر السجل بواسطة ال CEC الى الجانب الاسرائيلي في لجنة CAC الفرعية".
أي أن كل من نجح في الوصول إلى سدة الحكم في سلطة أوسلو كان ممن رضي عنهم الإحتلال وأقر تسجيلهم فهل هذه هي السلطة الوطنية الموعودة؟؟
- لا ينص هذا البروتوكول على إسم "الوطنية" بل يعرّف السلطة بالفلسطينية فقط!
ويشمل البروتوكول أيضا العديد من البنود الأخرى التي تم تجاوزها.
حجم تلك الخروقات ونوعيتها كبير وخطير والأساس الذي قامت عليه السلطة وهذا البروتوكول باطل أساسا لأنه يضع الإحتلال في موضع الآمر الناهي مما يفقد سلطة أوسلو كل شرعية وقانونية وسيادة تتدعيها.
لم يتوقف الأمر عند البروتوكول وخروقاته بل أن الطين زاد بلة بصدور قانون الإنتخابات رقم 13 لعام 95 بتاريخ 7/12/1995 والذي وكما هو الحال مع البروتوكول تم خرقه وتجاوزه منذ اليوم الأول وهذه أهم البنود والخروقات:
المادة (1) تعرّف "التشريعي" بإسم "المجلس الفلسطيني" أي بدون صفة التشريعي فمن أين جاءت هذه الصفة وكيف تم التحايل على التسمية من قبل من وضع القانون؟ - هذه المرة أضيفت كلمة الوطنية لإسم السلطة لتصبح "السلطة الوطنية الفلسطينية".
المادة (3) تشير بوضوح إلى أن فترة الحكم هي إنتقالية أي محددة بزمان، مما يعني أن التمديد "للرئيس" والمجلس غير قانوني لإنتهاء المرحلة الإنتقالية بغض النظر عن أسباب التمديد.
المادة (9) تنص وبوضوح لا لبس فيه على أن المترشح لمنصب الرئيس يجب: "أن يكون له عنوان اقامة محدد في المنطقة. ويقصد بعنوان الاقامة المحدد اي مكان اقامه يملكه المرشح او يستاجره او يشغله".
وهو ما يجعل رئيس السلطة الحالي ياسر عرفات غير مؤهل في حينها للترشح أو خوض الإنتخابات وبالتالي بطلان هذا الترشيح طبقا لهذه المادة لأن مبنى المقاطعة هو مقر رئيس السلطة بغض النظر عن شخصيته ولا يجوز بحال إستخدامه كعنوان شخصي للمترشح وهو ما يترتب عليه بطلان كافة القوانين التي أصدرها نتيجة لفوزه غير القانوني!
المادة (10) تستثني عرفات من أحكام المادة (14) بشكل يبدو وكأنه فصّل على مقاسه وأدرجت في القانون بشكل غريب وغير طبيعي لتقول
" الترشيح لمركز الرئيس
تطبق على المرشحين لمركز الرئيس احكام المادة (14) من هذا القانون ويستثنى من ذلك رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية."
المادة (13) تنص: " يتألف المجلس من ثلاثة وثمانين عضوا ينتخبهم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشريف انتخابا حرا ومباشر وفق احكام هذا القانون."
ترى كيف أصبح المجلس الفلسطيني مكونا من 88 عضوا وكيف تم خرق القانون الذي وضعته السلطة بنفسها؟
المادة (14) وهي التي إستثني منها عرفات في المادة (10) تنص على:
" الترشيح وتولي الوظائف العامة
1) مع مراعاة احكام هذا القانون، لا يجوز قبول الترشيح لعضوية المجلس من الوزراء في السلطة الوطنية الفلسطينية او موظفي الحكومة او -الادارات العامة- او رؤساء واعضاء مجالس البلديات او موظفي المؤسسات الدولية العاملة في المنطقة، ما لم يستقيلوا قبل عشرة ايام من الموعد المحدد للاعلان عن قوائم الترشيح النهائية وتعتبر استقالتهم مقبولة حكما.
2) لا يجوز قبول الترشيح لعضوية المجلس من الضباط وضباط الصف وافراد الامن الوطني ما لم يتم قبول استقالتهم من الجهات المختصة ويجب ان يكون ذلك مرفقا بطلب الترشيح.
3) لا يجوز لرجال القضاء او الضباط او ضباط الصف وافراد الامن الوطني الذين لم يحالفهم الحظ في الانتخاب العودة الى اعمالهم."
لم يستقل أيا من الوزراء أو المسؤولين من مناصبهم قبل إجراء إنتخابات عان 1996 وبالتالي يعتبر ترشحهم وفوزهم وكل ما صدر عنهم باطلا ولاغيا!
المادة (22) تتحدث عن لجنة الإنتخابات المركزية وعن ضرورة حيادها ونزاهتها وضرورة التشاور في تعيين أعضائها.
اللجنة عينت بالكامل من قبل عرفات (المرشح وقتها لمنصب رئيس السلطة رغم بطلان ترشيحه) ودون تشاور وبشكل منحاز سيطرت فيه فتح على كامل اللجنة!
المواد (54) و (57) تفصل عملية الدعاية الإنتخابية وتوقيتها.
وهو ما لم تلتزم به سلطة أوسلو على الإطلاق مما يعني عدم إتاحة الفرص المتساوية للجميع وبصورة متكافئة.
تجدر الإشارة هنا أنه عندما أعلن أحد المواطنين عن أنه يفكر (فقط يفكر) بترشيح نفسه لمنصب رئيس السلطة تم وضعه تحت الإقامة الجبرية ومنعت عنه الزيارات وقطع عن منزله الكهرباء والهاتف والماء! هذا المواطن هو "د.إياد سراج" من قطاع غزة! فهل هذه هي الشرعية والديمقراطية التي يتشدق بها رموز أوسلو؟
المادة (92) فقرة "د" رقم "4" تنص على إجراء إنتخابات جزئية في الدوائر الإنتخابية التي شغر فيها مكان عضو بالإستقالة أو الوفاة أو التغيب بسبب الحبس لأكثر من سنة.
رغم إستقالة البعض (د.حيدر عبد الشافي) ووفاة البعض وغياب البعض بسبب الحبس (مروان البرغوثي وحسام خضر) لم تجر أي إنتخابات جزئية لشغر الفراغ وبالتالي يعتبر المجلس الفلسطيني منقوصا في أعضائه وقراراته!
المادة (106) تنص "على كل عضو في المجلس الفلسطيني ان يقدم اقرار بالذمة المالية الخاصة به وباولاده القصر مفصلا فيه ما يملكون من عقارات وشركات واموال نقدية الى رئيس المجلس الفلسطيني."
هل قدم رئيس المجلس السابق قريع أو أيا من أعضائه المتهمين بالفساد، وما أكثرهم ذممهم المالية؟ أم أن الأمر لا يتعدى كونه حبر على ورق؟
بقي أن نقول أن عدد من كان يحق لهم الإقتراع عام 1996 لم يتجاوز المليون مواطن ومواطنة مارس منهم 86.34% في القطاع و 73.5% في الضفة (بمتوسط عام 79.9%) حقهم في التصويت أي أقل من 799 ألف مقترع وفاز حينها عرفات بمنصب رئيس السلطة بنسبة 88.1% (حصلت سميحة خليل على 9.3% من الأصوات) أي أن الرئيس إنتخب بحالي 704 ألف صوت أي ما نسبته 7.0% من الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات الذي يبلغ تعداده حوالي 10 ملايين نسمة. هل هذه هي الشرعية التي يتغنى بها رموز أوسلو؟؟
هذه وبإختصار قصة الإنتخابات السابقة وهذه هي سلطة أوسلو والتي أفقدت نفسها بنفسها شرعيتها وقانونيتها لتصبح لا تمثل إلا نفسها - على الأقل من خلال القوانين التي وضعتها ولم تحافظ عليها ناهيك عن التنازل عن الثوابت والحقوق والمباديء والأخلاق.
(النص الكامل للبروتوكول وقانون الإنتخاب لمن أراد الإستزادة متوفر ويمكن إرساله بالبريد الإلكتروني)
خامسا: الإنتخابات المزمعة
مع الإعلان عن بدء حملة التسجيل كان المتوقع أن يتم الإعلان عن موعد إجراء الإنتخابات حسب ما ينص عليه قانون إنتخابات أوسلو طبقا للمادة الرابعة التي تشير إلى تحديد موعد الإنتخابات قبل تعيين اللجنة المشرفة عليها وهو ما لم يتم حتى الآن!
ما تم الإعلان عنه يزيد من دائرة الشك في نوايا سلطة أوسلو التي تحاول الهروب إلى الأمام فهذا ما يسمى بوزير الحكم المحلي يعلن أن الإنتخابات البلدية ستجري على مدار عام كامل وعلى أربع مراحل، وهو ما لم يفعله حتى الإحتلال الذي وافق على إجراء إنتخابات بلدية في كل المدن المحتلة عام 1967 في يوم واحد بعد أقل من سبع سنوات على إحتلالها، أما سلطة أوسلو فتريدها بالتقسيط المريح وعلى مدى عام كامل من بدئها في 09/12/2004 بعد أن تم التأجيل أكثر من مرة كان آخرها في شهر آب/أغسطس الماضي!
بالتأكيد هناك أسباب لاتخفى على أحد وراء هذا التقسيط المريح أهمها:
التطويل والتسويف والتأجيل قدر الإمكان
البدء في مناطق التأييد المركز لحركة فتح وإظهار النتائج الأولية على أنها إنتصار ستستغله سلطة أوسلو
الكشف عن موازين القوى الحقيقية على الأرض مبكرا لتغييرها قبل فوات الأوان
إبقاء الباب مفتوحا أمام إلغائها تحت مسميات وأعذار لن تعجز سلطة أوسلو عن إيجادها
إذا كان هذا حال الإنتخابات البلدية ترى كم سيستغرق إجراء الإنتخابات التشريعية ومن بعدها الرئاسية؟ هذا إن إفترضنا أنها ستتم!
المتتبع لمسلسل سلطة أوسلو يكاد يجزم أن الإنتخابات لن تتم وما عملية التسجيل وكما سبق إلا لتفادي الإنتخابات نفسها فالدلائل تشير أن الفرصة والمناخ والعوامل المؤثرة الأخرى كانت متوفرة قبل إنطلاق إنتفاضة الأقصى ورغم ذلك أحجمت سلطة أوسلو عن إجرائها بعد إنتهاء الفترة الإنتقالية عام 1999 ولم تعد هناك شرعية قانونية على الأرض، بل ومنعت ومنذ عام 1994 إجراء الإنتخابات البلدية وحتى الإنتخابات الطلابية وألغت نتائج من تجرأ على إجرائها كما حدث في إنتخابات جامعة بيت لحم الطلابية التي ألغاها عرفات رغم أن الجامعة أهلية وغير تابعة لسلطته، لأنه وببساطة لايريد إنتخابات بل هي محاولة منه للتغلب على المحاولات الدولية لتجاوزه وسعي لتهدئة الشارع المطالب بالإصلاح.
لقد أرادت سلطة أوسلو بإقرارها المرسوم الخاص بالتسجيل للإنتخابات أن تتهرب من إجرائها وأرادت أن تصدّر مشاكلها إلى خارج حدودها الضيقة. عملية التسجيل برمتها هي لعبة سياسية يقصد بها خداع الشعب بأن له الحق في التغيير في أجواء ديمقراطية.
من العلامات الأخرى وفي خضم حملة التسجيل قامت وزارة الحكم المحلي بتعيين أربعة أعضاء جدد في مجلس بلدية بيت جالا في الأماكن التي شغرت قبل 5 أعوام وهنا لابد من السؤال لماذا تتم التعيينات الآن في وقت تحاول فيه سلطة أوسلو الإيحاء أن الإنتخابات باتت قاب قوسين أو أدنى؟ خاصة في وجود قرار وزاري بتاريخ 17/05/2004 يقضي بمنع ووقف أية تعيينات لحين إجراء الإنتخابات. بالتأكيد رموز أوسلو أدرى بما يجري وهم على يقين أن الإنتخابات لن تجري فآثروا التعيين!
حتى مع الإفتراض جدلا أن هناك نية صادقة لإجراء تلك الإنتخابات من خلال تنظيم عملية التسجيل فإن ما رافق هذه الإستعدادات يثبت عكس ذلك ويثبت عقلية التسلط والتفرد القائمة وإنعدام أية نية حقيقية في التغيير وإستحالة إجراء إنتخابات حرة ونزيهة في ظل سلطة أوسلو وهذه بعض الملاحظات:
إفتتح عرفات التسجيل بخرق للقانون مرة أخرى بإستعماله لجواز سفره (الذي أصدره لنفسه) والذي لا يحتوي على عنوان إقامة أي أن تسجيله وللمرة الثانية لاغي. بالطبع سيقول قائل أنه رمز وعنوان ومكانه كل فلسطين وغيرها من الشعارات ولكن أليس الجميع سواسية أمام القانون أم أن هناك زيد وعبيد؟ وكيف يمكن أن يكون التنافس شريف مع التفضيل بين المرشحين؟
الإنتخابات البلدية - إن تمت- ستكون على أربع مراحل لتشمل 503 هيئة محلية، 121 بلدية، 253 مجلس قروي و130 لجنة مشاريع، ترى هل يعرف المواطن أين هي تلك الهيئات وكيفية توزيعها ليكون في موقع يسمح له بالتصويت والترشح والإنتخاب؟
لجنة الإنتخابات المركزية والتي شكلت بمرسوم من عرفات بتاريخ 21/06/2004 نفسها غير محايدة وتمت دون إستشارة وبالتعيين المباشر وهو ما يخالف نص قانون الإنتخابات حسب المادة (22) الذي ينص على إستشارة كل القوى والأحزاب والفعاليات. هذه اللجنة تتكون من 17 شخص منهم 14 شخص من حركة فتح فأين هي الحيادية والنزاهة (مع ملاحظة أن المادة (22) المذكورة تنص على أن اللجنة تتكون من 9 أعضاء فقط!) اللجنة أيضا والتي من المفترض إستقلاليتها لا تخطو خطوة واحدة دون التنسيق مع رئيس سلطة أوسلو (المترشح لمنصب الرئيس) أي أن القوة والحل والربط بيد شخص مترشح لخوض الإنتخابات. المضحك أن رئيس اللجنة علي الجرباوي يعترف بصراحة أنه لا صلاحيات لهذه اللجنة وأنه لا يحق لها تحديد موعد الإنتخابات أو الضغط على أي جهاز أمني أو على رئيس السلطة الذي يعتبر أمامها لو كانت هناك نزاهة مواطن كغيره.
خففت اللجنة المركزية من شروط التسجيل لتصبح فاتورة كهرباء أو هاتف كافية للتسجيل، إذا أضفنا ذلك لحملة الإستنفار في صفوف موظفي السلطة والأجهزة الأمنية والمؤسسات المختلفة للتسجيل نصل إلى نتيجة واحدة هي أن ضعف الإقبال من قبل المواطنين يقابله زيادة نسبية لمؤيدي السلطة مما يعزز فرص عرفات وسلطته بالفوز في حال جرت الإنتخابات.
حسب قانون سلطة أوسلو السابق الذكر يجب تسليم قوائم المسجلين لسلطات الإحتلال لتعديل وحذف ما تشاء فهل ستقوم لجنة الإنتخابات بذلك وهل ستقبل تعديلات الإحتلال؟
وضع مكاتب التسجيل في القدس والتي أغلقتها سلطات الإحتلال لمخالفتها نصوص القانون المذكور حسب المادة (102) وللبروتوكول مادة (6) فقرة 2 التي تحدد أن التصويت هو لعدد من سكان القدس (وليس الكل) من خلال خدمات في 5 مراكز بريدية (لا مكاتب تسجيل). في هذا الإطار صرح أكثر من مسؤول يوم 20/09/2004 أن "السجل الإنتخابي لن ير النور دون أبناء القدس"، من نصدق قانون سلطة أوسلو الذي تصر سلطات الإحتلال على تطبيقه أو تصريحات رموزها، الأرجح أن الخاسر الوحيد هم أبناء القدس.
تزامن إنطلاق حملة التسجيل مع إنطلاق حملة من نوع مختلف وهي حملة الأجهزة القمعية المسعورة للتدخل في سير عملية التسجيل مما إستدعى تنديد لجنة الإنتخابات المركزية ومطالبتها بوقف الزيارات والممارسات الأمنية! لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوزه إلى إطلاق النار في مركز قلقيلية للتسجيل وإعتقال 3 من أبناء المدينة يوم 22/09/2004 لإعتراضهم على تلك الممارسات. هذا خلال حملة التسجيل، لنتخيل سويا كيف سيكون حال هذه الأجهزة المسعورة إن جرت إنتخابات؟
إحتج أحد المرشحين لمنصب رئيس السلطة وهو د.عبد الستار قاسم كتابيا ورسميا لدى لجنة الإنتخابات على بعض التجاوزات فلم يتلق أى رد أو جواب منها وكأن الأمر لا يعنيها. في واقع الأمر ما يعني اللجنة هو شخص واحد قام بتعيينها ويشرف عليها وعلى قراراتها وتحركاتها فكل الأوراق في يده!
ستتم عملية الإنتخاب وفق وتحت سقف إتفاقية أوسلو التي أجمع الشعب بأكمله أنها كانت كارثية وسببا لما وصلنا إليه مما يعني العودة إلى الوراء ومما يعني أيضا ضمان سلطة أوسلو عدم مشاركة القوى المعارضة للإتفاق وبالتالي ضمان الفوز في أي إنتخابات قادمة.
بعد كل هذه الملاحظات هل بقي عند أي منا شك أنه في حال جرت الإنتخابات فإن نتائجها ستكون معروفة سلفا وبأنها ستفرز نفس الوجوه والسياسات في ظل تغييب متعمد للقوى الأخرى وفي ظل تجاوزات وضغوطات مباشرة من قبل السياسيين والأمنيين في سلطة أوسلو.
سادسا: الشعب ومشاركته
وقع الشعب بين نارين فمن جهة عدم التسجيل يترك الميدان لسلطة أوسلو لتقرر من خلال من سجّل من أتباعها النتيجة، والتسجيل سيعطي مصداقية لعملية تحايل مدروسة على إنتخابات لن تر النور، وهذا ما يفسر الآراء المتباينة والدعوات المتضادة للتسجيل أو مقاطعته.
البعض يرى في العملية بداية لإصلاح موعود وتحريك لعجلة طال إنتظارها والبعض الآخر يرى فيها لعبة تسير وفق معايير معينة ومحددة مسبقا ومجرد التسجيل هو إيهام للعالم بأن الشعب يملك الحق في الإختيار في ظل دولة ذات مؤسسات ديمقراطية.
ما زاد من حيرة الشعب غموض موقف القوى المختلفة على الساحة الفلسطينية الداخلية فرغم دعوات المشاركة والتسجيل من جميع الفصائل تقريبا فإنه لا توجد رؤية واضحة أو برنامج إنتخابي أو حتى قرار بالمشاركة في الإنتخابات إن جرت.
هنا لابد من الفصل بين الإنتخابات البلدية التي تجري بعيدا عن سقف أوسلو وضرورة المشاركة فيها لإدارة الأمور الحياتية واليومية لأبناء الوطن، وبين الإنتخابات التشريعية والرئاسية كما تحلو لهم تسميتها، والتي ستجري وفق مرجعية الإتفاقات الموقعة مع سلطات الإحتلال وشرط الموافقة عليها صراحة أو ضمنا لخوض هذه الإنتخابات وهو ما يعني إحجام قوى المعارضة عن دخولها لأنهم لن يكونوا جزءا من السلطة التنفيذية التي تلتزم بالإعتراف بشرعية الإحتلال وتنفيذ الإتفاقات المبرمة معه مما يعني عدم وجود منافسة حقيقية في هذه الإنتخابات التي ستكون ذات لون واحد فقوى المعارضة التي قد تطمع في إقتسام الكعكة وتقرر الدخول ستفقد مصداقيتها أمام الجماهير التي تعي تماما ترتيبات البيت الفلسطيني.
الإحباط والتشاؤم هو الصفة السائدة بين المواطنين الذين عبّر كثيرون منهم عما يجول بخواطرهم بعبارات مثل: "أي إنتخابات؟ وأي تغيير؟ الوضع سيبقى على ما هو عليه، لماذا أتعب نفسي وأذهب للتسجيل ولدي قناعة راسخة بأن الأفضل لن يأتي؟" ومثل: "في النهاية سيخرجون علينا بأسماء جاهزة ومعدة قبل عملية الإنتخابات" – (لقاءات مع مراسلي شبكة إسلام أون لآين بتاريخ 18/09/2004).
من ناحية أخرى لايجوز الفصل بين التسجيل والإنتخاب والقول بإمكانية التسجيل دون إنتخاب هو من باب المغالطات وعليه فإن التسجيل لإنتخابات رئيس ودولة لا وجود لها هو أمر غير طبيعي يفترض أن هناك مؤسسات دولة قائمة وبشكل فعلي ولاينقصها إلا ممارسة الديمقراطية وبالتالي يشرّع ويطبع اللاموجود ليجعل منه واقعا ممسوخا.
وعليه فإن الحل إن وجدت نية صادقة لإصلاح موعود - مع إفتراض شرعية السلطة اللاشرعية- هو أن تقوم لجنة الإنتخابات بعمل نموذجين للتسجيل: واحد للإنتخابات البلدية وآخر للإنتخابات الرئاسية والتشريعية .. مع ترك حرية الإختيار للمواطن للتسجيل في أحدهما أو كلاهما.
هذا بالنسبة لتسجيل المواطنين في الضفة والقطاع ولكن ماذا عن ثلثي الشعب المهمّش في الشتات؟ لم تتوقف محاولات سلطة أوسلو يوما تقسيم الشعب الفلسطيني بين داخل وخارج ووطن وشتات و48 و 67 وضفة وغزة وغيرها من التقسيمات التي تطل علينا من جديد من خلال البرنامج المقترح للإنتخابات المقسطة لتفرق بين أبناء الداخل والبرنامج العام الذي يستثني أبناء الشتات، لتحاول هذه السلطة إكتساب شرعية جديدة مفقودة من خلال سياسة فرق تسد وعلى حساب الغالبية العظمى من أبناء شعبنا.
قد يبدو هذا الكلام مبالغا فيه ولكن ألم يتم إستبعاد أبناء الشعب الفلسطيني في الشتات من صنع القرار عام 1996 ليدعي بعدها رموز أوسلو أنهم ممثلوا الشعب الفلسطيني بكل ألوانه وطوائفه وليفاوضوا على حقوقه بما فيها حق العودة المقدس؟ ألا يتم التخطيط لإستبعاد ملايين الفلسطينيين في المخيمات والشتات مرة أخرى وحرمانهم من التصويت والترشيح والإنتخاب؟
كيف يمكن الإدعاء بأن قيادة سلطة أوسلو هي ممثل الشعب الشرعي والمنتخب؟ حتى محاولة الإيحاء بأن تمثيل الشتات يتم عبر مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وعبر المجلس الوطني الفلسطيني مردود عليها فمنظمة التحرير في خبر كان والمجلس الوطني عفا عليه الزمان وكلاهما أختير أعضاؤهم بالتعيين لا بالإنتخاب وأتحدى الجميع بأن يذكروا لي يوما تمت فيه إنتخابات شارك فيها اللاجئون في أي مكان أو إن كانوا استشيروا يوما في أي أمر يخصهم، اللهم الهتاف والصراخ والتصفيق وشعارات من نوع يا جبل ما يهزك ريح التي تنطلق في مسيرات البيعة والتأييد بتحريك وتحريض من مؤيدي الحزب الحاكم والتي لا يمكن أن تعتبر وسائل تعبير مشروعة أو ديمقراطية.
لقد شارك بعض رموز أوسلو في الإنتخابات رغم كونهم لاجئين وحرم من هذا الحق ملايين غيرهم وأضرب هنا مثال محمود عباس (أبو مازن) وهو من مدينة صفد ومن سكان سوريا وكان حاملا لوثيقتها فمالذي يعطيه الحق أن يصبح رئيسا للوزراء وأن يمتلك عدة مساكن داخل فلسطين ويمنع هذا الحق عن نصف مليون فلسطيني لاجيء في سوريا؟ أبو مازن ليس وحده وما ينطبق عليه ينطبق على غيره بمن فيهم رأس سلطة أوسلو والذي لا يملك حتى الآن عنوانا داخل فلسطين!
لن تكون هناك إنتخابات حقيقية ونزيهة وشرعية وتمثيلية دون مشاركة الشعب الفلسطيني بملايينه العشرة بعيدا عن أغلال أوسلو.
سابعا وأخيرا: المشكلة والحل
ما هو الحل؟ سؤال تبدأ الإجابة عليه بسؤال آخر: ما الذي إستجد لتجري هذه الإنتخابات الآن ولماذا هذه الحملة الواسعة من الدعاية ما دامت الشعارات التي تشدق بها رموز أوسلو على مدار السنوات العشر الماضية كما هي لم تتغير؟ وهل إندحر الإحتلال وحصلنا على إستقلالنا وحريتنا؟ وهل هناك إصلاح حقيقي؟
الإجابة على ما سبق كانت في المحاور الستة السابقة بتفاصيلها والتي تتلخص في:
- سلطة أوسلو غير شرعية حتى من خلال القوانين التي وضعتها بنفسها لتكون أول من يخرقها
- عملية التسجيل عملية مشبوهة وتشوبها الشكوك ولا تتسم بالنزاهة
- جميع أوراق اللعبة الإنتخابية هي بيد عرفات المفترض أن يكون كغيره من المرشحين
- ضعف الإقبال يصب في مصلحة الحزب الحاكم
- الإنتخابات لن تجر وإن جرت فستعمل سلطة أوسلو على ضمان نتائجها ولو بالقوة
- الإحتلال صاحب الكلمة الأخيرة في إقرار السجل الإنتخابي حسب قوانين وأنظمة ولوائح وبرتوكولات سلطة أوسلو
- أبناء القدس خارج اللعبة السياسية
- أبناء الشعب في الشتات خارج اللعبة السياسي
- المطلوب هو تشريع اللا شرعي من خلال عملية مدروسة يتم فيها إستبعاد قوى المعارضة الأخرى
هذه هي المشكلة ولكن مرة أخرى ما هو الحل؟ هل هو في بقاء الوضع كما هو عليه في ظل سيطرة رموز أوسلو على مقاليد السلطة ومقدرات الثروة؟ بالتأكيد لا.
الحل عبر عنه الأكاديمي خالد الحروب بشكل علمي بسيط ويتلخص في مقاله "نحو شرعية فلسطينية جديدة أساسها حل السلطة وإجراء انتخابات عامة" والذي نشره بتاريخ 07/08/2004- عن الشرعية الفلسطينية المتآكلة، وما يقتضيه ذلك من "إعادة خلق وتكوين شرعية جديدة تأخذ بالاعتبار المعطيات والتطورات والإخفاقات التي شهدها المسار الفلسطيني في السنوات العشر الماضية." وهو يسمي الوضع الفلسطيني الراهن -الذي انبثق من أوسلو- "بالكارثة" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. فالشارع الفلسطيني لم يعد يتحمل التوابع التدميرية لأوسلو؛ وهو إن كان قد تسامح معها في البداية -مأخوذا بالكاريزما الوطنية لياسر عرفات- فهو الآن لم يعد يستطيع التسامح معها؛ ولم يعد يستطيع الانصياع لإرادة "الأخ القائد" بعد فقدانه وافتقاده لرأس المال الوطني والنضالي، وبعد انقضاء بريق القيادة التاريخية التي جاءت من الخارج -من المنفى- محملة بالرومانسية الثورية والرمزية الوطنية.
لقد أصبحت السلطة الفلسطينية عبئاً على القضية الفلسطينية، فلا هي نجحت في المفاوضات ولا نجحت في المقاومة، وآن لها أن تريح وتستريح. فكثيرون في العالم الآن يظنون عندما يسمعون وصف "الرئيس الفلسطيني" أو "رئيس الوزراء الفلسطيني" أن هناك دولة فلسطينية وأن هذه الدولة تتنازع مع "إسرائيل" على بعض المكتسبات الحدودية، أو لها معها خلافات كتلك التي بين سائر الدول. فقد تم تخفيض سمة "الإحتلال" ومركزيتها
في الصراع مع "إسرائيل"، وهذا بحد ذاته إيهام كبير للرأي العام العالمي كسبته "إسرائيل"، وفيه إضعاف هائل لجوهر القضية الفلسطينية ومضمونها الأساسي: احتلال عسكري وحشي لأرض وشعب أعزل. وإذا كان "منطق أوسلو" قد قبل وتضمن تخفيض رتبة الإحتلال لمدة خمس سنوات، هي الفترة الإنتقالية، بأمل، أو وهم، الإنتقال إلى المرحلة النهائية، فإنه لا مسوغ الآن لاستمرار ذلك الوهم.
لم يكن التآكل التدريجي للشرعية الفلسطينية - كما يرى "الحروب"- هو السبب الوحيد للأزمة التي نشهدها اليوم، بل تضافر معه التغيرات المستمرة في خريطة القوى السياسية والفلسطينية، وصعود شرعيات جديدة من الداخل الفلسطيني، صارت أكثر التصاقا مع الواقع الشعبي الفلسطيني. فكان تصاعد وبروز هذه الشرعيات مدحضا ومحبطا للقيادات التاريخية الخارجية. ومن الجدير بالذكر، أن عاملي "التآكل" و"التصاعد" قد ازدادا في ظل السنوات الأربع الأخيرة التي تلت الانتفاضة الثانية.
ويخلص "الحروب" إلى حل هذه الأزمة من خلال الوسائل الآتية:
أولا، أنه لم يعد هناك أي أمل في نفخ روح السلطة الفلسطينية بعد أن لحق الخراب الكبير بشرعيتها على كافة المستويات، وطنيا وأخلاقيا وسياسيا ودوليا؛ وبعد فشلها في إنجاز الحد الأدنى من الحقوق للشعب الفلسطيني، ومن ثم افتقادها لأي سند قانوني يبرر وجودها.
ثانيا، إعادة القضية لمسارها الحقيقي وهو النضال والمقاومة.
ثالثا، إيجاد حتما شرعية جديدة ومقنعة تعبر عن المعطيات والتطورات التي تشكلت في الشارع الفلسطيني، من خلال حل السلطة عبر إعلان جريء عام على منصة الأمم المتحدة، ثم القيام بانتخابات فلسطينية تحت إشراف الأمم المتحدة.
رابعا، العودة قانونيا إلى مرحلة ما قبل أوسلو.
خامسا، الكف عن نظريتي "توزيع الأدوار" و"الجمع بين المسارين"؛ فإما أن يتفاوض الفلسطينيون جميعا، أو يقاوموا جميعا.
هذه النقاط تشكل منطلقا حقيقيا لعملية إصلاح شاملة تشمل الجميع بعيدا عن سقف أوسلو وبعيدا عن نفوذ الحزب الحاكم ومن خلال الشرعية الدولية والقانونية التي تحافظ على حق الشعب الفلسطيني بالمقاومة والحرية.
لقد حاولت سلطة أوسلو الرد على دعوات الإصلاح بأسلوب هل تريدون إنتخابات؟ تفضلوا، هل تريدون ديمقراطية؟ تفضلوا، هل تدعون للتغيير؟ غيّروا، هل تريدون الرجل المناسب في المكان المناسب؟ ضعوه، هل تريدون محاسبة الفاسدين؟ حاسبوا، هل تريدون إصلاح؟ أصلحوا .. ولكن بشرط أن يكون ذلك بعيدا عنهم وعن إمتيازاتهم وبشرط أن يقودوا هم ذلك الإصلاح، وإن إعترض أيا كان فالإجابة جاهزة ما هو بديلكم؟
هذه هي المعضلة وما تطرحه سلطة أوسلو وهذا هو الحل وعلينا جميعا أبناء هذا الشعب الصامد أن نقرر ونختار بين العدل والنزاهة والشرعية الحقيقية وبين سلطة وهمية لاشرعية تدعي أنها تمثلنا بغير وجه حق وتحاول تشريع اللاشرعية من خلال عملية ولعبة سياسية مدروسة ومعدة بدأت بالتسجيل ولا نعلم أين ستنتهي.
سيقاوم رموز أوسلو التغيير بكل ما أوتوا من قوة لأن التغيير يعني رحيلهم وضياع إمتيازاتهم ولذلك ورغم كل ما سبق أبشركم أن هذه الإنتخابات لن تتم وإن تمت فستفرز وللأسف نفس الوجوه والرموز والسياسات والفساد التي مللناها جميعا.
علينا أن نقرر الآن وقبل فوات الأوان.
د. إبراهيم حمامي
للمراسلة : DrHamami@Hotmail.com
تاريخ النشر : 09.10.2004
|
|