أيها الرمز... أسألك الرحيلا
بقلم : د. إبراهيم حمامي *
بعد لقاء عرفات المطول مع مراسل صحيفة هآرتز العبرية يوم 18/06/2004 صدرت العديد من البيانات الرسمية والصحفية لمؤسسات وتنظيمات وأفراد وجماعات، وكتبت المقالات تستوضح الأمر في حالة من التعجب الجماعي لما ورد في هذا اللقاء ووجوم عام وشعور بالصدمة بين غير مصدق أو مكذب أو مبرر بوجود خطأ ما، فعرفات هو "الرمز" صاحب "يا جبل ما يهزك ريح" ? لكن الحقيقة والواقع أن ما نقل عن عرفات صدر عنه حرفيا ولم ينكره لاهو ولا غيره من أركان سلطته.
أبرز نقاط هذا اللقاء يمكن تلخيصها في :
التنازل المسبق والمجاني حتى قبل الدخول في مفاوضات عن حائط البراق والحي اليهودي في القدس الشرقية.
التأكيد والجزم والقطع والإقرار بالطابع اليهودي "لإسرائيل" وهو ما يلغي تلقائيا حق ملايين اللاجئين في العودة إلى ديارهم، ويعطي المبرر ويمهد لخطة الترانسفير الشارونية بحق فلسطينيي الداخل.
إفتراض أن معظم اللاجئين لايرغبون في العودة أصلا متجاهلا عن قصد كل إستطلاعات الرأي والتأكيد المستمر لأبناء الشعب الفلسطيني بتمسكهم بحق العودة، بل خص بالذكر اللاجئين في ألمانيا التي شهدت مؤخرا مؤتمرا غير مسبوق يوم 15/05/2004 للتمسك بهذا الحق.
قبول مبدأ المساومة ومقايضة الأراضي في الضفة الغربية حفاظا على التجمعات الإستيطانية!
التحول إلى حارس أمين للإحتلال بعد الإنسحاب"المزمع" من قطاع غزة مهددا بسحق "كل من يخرج عن قانونه" حتى لو كانت حركته فتح.
دون الدخول في باقي التفاصيل ومحاولته الإيحاء أن ما ذكره هو ما أقرته المجالس المختلفة وبأنه يمثل الشعب الفلسطيني في كل أنحاء العالم (وهو ما يجافي الحقيقة) فإن الملفت للنظر التطابق شبه التام لما ذكره عرفات في اللقاء المذكور ووثيقة جنيف سيئة الصيت التي وقعها عبد ربه والتي أجمع الشعب الفلسطيني على إدانتها -عدا سلطة أوسلو طبعا- والملفت للنظر أيضا أن أحدا لم يدن "الرمز"، فالموضوع مع "الرمز" مختلف عنه مع عبد ربه (مع أنه كان ينفذ ما أمر به من قبل "الرمز") حتى وإن تطابقت الأقوال والأفعال فالمبررات دائما جاهزة وكل تنازل جديد يفسر بأنه مناورة وتكتيك ولعب سياسة بإحتراف وكأن الشعب الفلسطيني أو حتى الطرف الآخر لايفقه في السياسة شيئا!
موقف عرفات وإن صدم الكثيرين إلا أنه في واقع الأمر ليس بجديد فقد دأب على تكراره المرة تلو المرة ولمن نسي أذكر بلقائه قبل 6 أشهر مع هنري سيغمان عضو مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي وفيه ذكر ما يكرره الآن. ما يحدث ليس زلة لسان أو تصريح عابر بل هو موقف متأصل ويتم ترويجه على جرعات منذ زمن طويل إستعدادا للتنازل النهائي مقابل سلطة وهمية على دويلة هزيلة.
المواقف المعلنة تلك يوازيها أخرى غير معلنة منها المعروف كصفقة كنيسة المهد وإعتقال أحمد سعدات والموافقة على إلغاء لجنة تقصي الحقائق في جنين ومنها ما يزال طي الكتمان وما خفي كان أعظم.
لقد تحولت تضحيات ومعاناة الشعب الفلسطيني إلى ورقة تستخدم لمصالح شخصية بحتة من أجل فلان أو علان ونجح "الرمز" في "شخصنة" القضية ليصبح هو محورها ولتتحول برمتها إلى دعم لصموده "الأسطوري" في "حصاره" المزعوم داخل المقاطعة في وقت يحاصر شعب بأكمله ولتتحول المفاوضات عبر الوسطاء والدول إلى مفاوضات لإعادة "حريته المسلوبة" في الحركة مقابل وعود فضفاضة ليس أقلها وقف أعمال العنف الفلسطيني والموافقة على سحب الدبابات والمدافع والطائرات الفلسطينية من المدن والقرى داخل حدود 1948 تطبيقا لذلك!
في الوقت نفسه مد "الرمز" يده لشارون (تصريحه للقناة العاشرة العبرية يوم30/05/2004) وأدار ظهره لشعبه وتفاخر بوقوفه سدا في وجه المقاومة مستعدا لإعادة جنرالات القمع كدحلان والرجوب لممارسة الدور الأمني الجديد في غزة .
إذا أضيف لذلك الفضيحة الجريمة المتمثلة في المساهمة في بناء الجدار العنصري عبر صفقات الأسمنت والذي بدأت تتكشف خيوط جديدة فيها مشيرة إلى "الرمز" نفسه والذي يتعمد التغطية على القضية برمتها بل وقام بترقية بعض المتورطين فيها، والفساد الغير مسبوق في دهاليز "سلطة أوسلو" والذي لم يستثني أحدا من رموزها، نجد أن هذا "الرمز" قد تحول إلى رمز ومصدر للضعف والخنوع وممارسة الضغوط للحصول على تنازلات مجانية مقابل وعود لاتجد طريقها إلى النور محولا معه الشعب بأكمله إلى رهينة في إنتظار قراراته الفردية التي كانت ومازالت غير صائبة بل كارثية في معظمها.
من أجل ذلك كله ومن أجل الكثير الذي لايتسع المجال لذكره لن أطالب بما طالب به الكثيرون مؤخرا باستقالة "الرمز" بل أقول وبصوت عال :
أيها "الرمز" ... أسألك الرحيلا
* د. إبراهيم حمامي : طبيب وناشط فلسطيني
DrHamami@Hotmail.com
تاريخ النشر : 09:50 28.07.04