السلطة... الداء والدواء
بقلم : د. إبراهيم حمامي *
منذ الإعلان عن إتفاق أوسلو المشؤوم قبل أكثر من 10 سنوات ومنذ قيام ما يسمى بالسلطة الوطنية الفلسطينية والتي ولدت ميتة ، منذ ذلك الوقت وأزلامها يحاولون بشتى الوسائل إيهامنا بأنها مشروع وطني تحرري هدفه بناء مؤسسات وطنية تقود إلى دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف وبأنها خيار الشعب وسلطته الشرعية المنتخبة التي يجب الإلتفاف حولها.
إستبشر الكثير من أبناء شعبنا خيرا ناسين أو متناسين التاريخ البغيض لهذه الزمرة والممارسات المشينة في الأردن ولبنان والتي إستوردها أزلام أوسلو معهم إلى الضفة والقطاع نصا وروحا، وبدأ الكثيرون يعللون النفس بالأماني، وطال صبرهم 7 سنوات عجاف كانت كالداء والوباء الذي أصاب كل أركان شعبنا أفرادا ومؤسسات ناشرا الفساد والرشوة والمحسوبية وإستغلال المناصب والإنحلال الأخلاقي والسرقة والمزاودة وغيرها من الممارسات التي لاتعد ولاتحصى وكان الشعب دائما الضحية التي تسدد فواتير هذه الزمرة صابرا وكله أمل أن الوضع سيتغير إلى الأفضل يوما ما.
مرت الأيام والسنين والوضع يزداد سوءا وكفر الشعب بالسلطة ومن يقف وراءها، كيف لا و70% من الشعب بات تحت خط الفقر ويعتاش على أقل من 2$ يوميا؟ كيف لا وثلث الشعب الفلسطيني في الداخل بحاجة إلى الغذاء (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 20/05/2004).
قد يقول قائل وما ذنب السلطة إنه الإحتلال الذي أوصلنا لذلك! كنت سأقف مؤيدا ومساندا دون نقاش لو أن تلك "السلطة" الوهم لم تتآمر على الشعب وتساهم مساهمة مباشرة مع الإحتلال في تدمير هذا الشعب بكل الطرق والوسائل المباشرة والغير مباشرة، وحتى لاأتهم بالقذف والعمالة وبأنني طابور خامس وغيرها من الألقاب السلطوية لكل من حاول كشف الحقيقة أذكر أمثلة بسيطة لاتمثل سوى اليسير واليسير مما قامت وتقوم به هذه الزمرة مركزا على ما يمس الفرد مباشرة مبتعدا عن الخوض في الأمور السياسية البحتة :
أمنيا: 14 جهاز أمني وآلاف المسلحين مهمتهم قمع الشعب وكانت أولى إنجازات تلك الأجهزة يوم 18/11/1994 إطلاق النار على المصلين في غزة في جريمة سقط ضحيتها 14 شهيد وأكثر من 200 جريح لتتحوا بعدها تلك الأجهزة لأدوات قمع بشعة سقط في زنزاناتها 29 فردا قضوا تحت التعذيب(المجموعة الفلسطينية لمراقبة حقوق الإنسان). ويستمر المسلسل وتصبح تلك الأجهزة حارس أمين للإحتلال يسلم المقاومين دون خجل (خلية صوريف 1997 ومقر "الأمن الوقائي" ببيتونيا 2002)
إقتصاديا: سرقات ونهب بالملايين وعلى أعلى مستوى بدءا بإختفاء 326$ مليون دولار عام 1997 (التقرير المالي لعام 1997 للسلطة نفسها!) إلى فضيحة تلفزيون فلسطين (هشام مكي) إلى بال تل وخالد سلام وال20$ مليون (تقرير الإتحاد الأوروبي عام 2000) إلى تحويلات سهى عرفات زوج "الرمز" (الجزيرة 2004) وأخيرا المساهمة ببناء المستوطنات والجدار العازل (المجلس التشريعي 2004) مرورا بالكثير والكثير الموثق والمؤكد لمن أراد أن يعرف.
إعلاميا: فشل ذريع وغير مسبوق حولنا من أصحاب حق إلى معتدين يمارسون العنف والإرهاب! لا أقول ذلك على لسان الطرف الآخر بل من أفواه أزلام وأبواق أوسلو الذين مللنا ظهورهم المخزي على الشاشات وكم من مرة كانوا أكثر تحاملا على شعبنا من الإحتلال نفسه. (تصريحات عرفات المتتالية وإعلانات وقف إطلاق النار وإدانة إعمال العنف الفلسطينية وآخرها يوم 18/06/2004)
جغرافيا: تضاعف الإستيطان وتجزأت الضفة وقسّم القطاع وتحولت المدن والبلدات والقرى إلى سجون كبيرة لامجال للتنقل بينها إلا لمن يحمل بطاقة VIP وبني الجدار وهدمت رفح و"السلطة" في سبات عميق.
إجتماعيا: إنتشرت الرشوة والمحسوبية وظهرت مراكز القوى وطبقة الأثرياء وانتشرت الرذيلة على أيدي ضباط السلطة (شبكة الدعارة التي أكتشفت في شهر 1 عام 2001 بقيادة 3 ضباط تم خفض رتبهم وتوبيخهم)
الصحة والتعليم: إنهيار للبنية التحتية وظهور سوق سوداء للدواء وتغيير للمناهج فيه إفساد لايمكن تصوره وغيرها مما لايتسع المجال لذكره (راجعوا منهج الصف التاسع!)
سياسيا: كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولن أذكر أمثلة فالأمر جلي وواضح.
لو أردت أن أحصي جميع المجالات والكوارث التي سببتها عصابة أوسلو لشعبنا لأحتجت إلى مجلدات عديدة فالمصيبة كبيرة والضرر عظيم.
لهذا السبب أكرر أن أوسلو وتبعاتها كانت الداء والسرطان الذي لم يرحم أحد ومع ذلك أقول: "سلطة أوسلو" هي الدواء الناجع لكل ما نعانيه الآن، وإن صح السؤال فالجواب يكون بالتالي:
إن إنهيار مخططات شارون وأحلامه وأوهامه في تركيع وكسر إرادة الشعب الفلسطيني يمكن أن يتم إن أقدمت تلك الزمرة وفي صحوة مفاجئة ويقظة من غيبوبة طويلة على الإعتراف بفشلها الذريع والإعلان عن إنتهاء عملية التفاوض أو الإملاء المذلة وحل السلطة نهائيا إلى غير رجعة والإعتذار للشعب عما إقترفته وقبولها مبدأ الحساب والعقاب، عندها فقط يصبح:
الجدار العازل غير ذي قيمة فالإحتلال سيتوجب عليه التواجد على جانبي الجدار.
الإحتلال المسؤول الأول والأخير إعلاميا وقانونيا ودوليا عن المناطق التي هي تحت الإحتلال الفعلي الآن وتطبق عليها إتفاقية جنيف الرابعة.
الوضع الإقتصادي للإحتلال في مأزق حقيقي بسب إرتفاع كلفة هذا الإحتلال (المجاني الآن بحجة وجود السلطة).
الضغط على "القيادة" غير مجدي لأنها تكون قلبت الطاولة على الجميع.
الإحتلال بدون غطاء سياسي بدلا من أن يصور الصراع على أنه بين دولتين وجيشين متكافئين.
الشعب كله في خندق واحد مجسدا الوحدة الوطنية الحقيقية.
قد يبدو الأمر مستحيلا للبعض وبسيطا للبعض الآخر ولكن لن يختلف أحد على حقيقة أن وجود ما يسمى بالسلطة لايصب إلا في مصلحة الإحتلال وأن كل دعوات الإصلاح والشفافية هي دعوات فارغة ولاقيمة لها لأن أساس المشكلة لايكمن فقط في فساد السلطة ولكن في وجودها أصلا والحل في حلّها ولاخيار آخر لأن :
السلطة... الداء والدواء.
* د. إبراهيم حمامي : طبيب وناشط فلسطيني
DrHamami@Hotmail.com
تاريخ النشر : 09:36 28.07.04