الوزير الهمام ... وحكايات ألف ليلة وليلة
بقلم : د. إبراهيم حمامي *

د. إبراهيم حمامي

كان يا ما كان في سالف العصر والأوان، وزير بيشتغل عند سلطان، وصارلو زمان لاظهر ولابان، ولكن أخيرا طل بطلعته البهية وكلماته الشعرية وحكاياته المنسية، علشان يحكي عن الجدار ويفّهم المحتار ويصحح الكمية والعيار ويغطي على سلطانه الختيار.

كان هذا أول ما خطر ببالي وأنا أستمع لفتاوى ماهر المصري على الهواء بشكل إستعراضي إستهزائي يستتفه فيه عقولنا ويتحدث وكأنه البطل الضحية والذي كشف ويمسك بخيوط المؤامرة التي دبرت بليل ضده وضد وزارته وسلطته الغارقة في الفساد من رأسها إلى أخمص قدميها!

أحب المصري أن يظهر وكأنه وزير حقيقي يفند الإدعاءات بشكل علمي مدروس وبرد منمق ومفهرس فيه أولا وثانيا....وعاشرا، فتاريخه النضالي على مدى 8 سنوات مشهود له بالنزاهة والشفافية ووزارته على خير ما يرام وهو شخصيا ملم بكل شاردة وواردة والموضوع كله زوبعة في فنجان وكأنه يخاطب أناسا يعيشون في كوكب آخر أو يروي لنا حكايات عنتر وعبلة.

حاول وبشكل إستفزازي الإستهزاء بالجريمة فالقضية كلها لاتتجاوز 14500 طن من الأسمنت فقط لاغير وتهييج الرأي العام مقصود ويستهدفه شخصيا أما سلطته فالإضرار بسمعتها هدف من يتحدث في الموضوع وبخاصة أنها سلطة شريفة يشهد لها القاصي والداني بالنزاهة والأمانة والصلاح ولم يسبق أن إتهمت لابفساد ولا بغيره بل هي مثال وقدوة لباقي الدول - لاحول ولا قوة إلا بالله هل فعلا يدرك هذا الرجل ما يقول ؟ هل فعلا يعيش واقع شعبنا؟ أم أنه أعمى البصر والبصيرة ؟

لاأبالغ إذا قلت أنني شعرت بالغثيان وبرغبة شديدة بالتقيؤ وأقفلت جهاز التلفاز متقززا من كل هذه الفئة التي تعتقد أننا نعيش عل كوكب آخر وهم من يوزع العلم والمعرفة وما يصدر عنهم كتاب منزل لايقبل الشك أوالطعن وهم أسياد الموقف متى أرادوا ظهروا ليكيلوا لنا الإهانات المباشرة والغير مباشرة وليستهزأوا بكل الإتهامات حتى وإن كانت مصحوبة بالأدلة الدامغة وحتى إن كانت المساءلة رغبة الشعب.

المأساة أن الوزير الهمام حتى عندما أراد أن يدافع ويفند لم يستطع أن ينكر أن هناك كمية من الأسمنت سربت لبناء الجدار بل وحدد كميتها وكأن السرقة والجريمة غير الجريمة إن نقصت الكمية، ولم ينكر أن سيادته ومعاليه لاوزن له ولاسلطة فالمعابر حسب قوله لاتأخذ بإذونات الصرف الصادرة عنه بل بالأذونات "الإسرائيلية" فهو بريء لأنه لاسلطة له حتى وإن وقّع على هذه الأذونات كما هو حال سلطته ورئيسها، ولم ينكر أيضا أن القضية الجريمة بدأت منذ ما يقرب من العام وإستمرت لأشهر بعدها وأن من إكتشفها كانت الصحف المصرية والأهم أن الكشف عنها حسب رأيه كان بدافع الحقد الشخصي - وهنا تذكرت زميله المتهم الرئيسي معالي الوزير الموقر جميل الطريفي عندما أدخل آلاف السيارات منذ عدة سنوات إلى مناطق "السلطة" بدون جمرك وكان رده حينها أن إثارة القضية كان بدافع الحقد الشخصي، ما أشبه الليلة بالبارحة- ولم ينكر أنه ومن ذلك الوقت لم تفعل سلطته النزيهة الشريفة أي شيء يذكر لوقف هذه الجريمة النكراء.

أسوأ ما تفوه به في فتاويه الربط الرخيص بين قرار محكمة العدل الدولية وجريمة الأسمنت مستغربا كيف يمكن له ولسلطته أن ترفع قضية وتذهب إلى مجكمة العدل الدولية ثم تساهم في بناء الجدار محاولا قلب الحقائق وتحويل صلب التهم إلى دليل على براءته وسلطته من الجريمة مع أنه لايحق لأحد غير الشعب الفلسطيني الصامد التفاخر بقرار المحكمة.

عصابة الأسمنت هذه بدأت تخرج رؤسها من جحورها وبدأت تهاجم علانية في مهرجانات إعلامية في محاولة لتطبيق شعار "أفضل وسيلة للدفاع الهجوم" وفي محاولة لإسكات كل من يحاول إبقاء جريمة الأسمنت حية لتمريرها وإضاعتها كما ضاع غيرها من الجرائم في أدراج فلان وعلان.

محاولات المصري ليست فردية بل هي وبدون شك بتوجيه مباشر وتنسيق وتخطيط مع رأس "سلطة أوسلو" وسيتبعه الكثيرون وستسخر وسائل الإعلام لهم ليصولوا ويجولوا بل قد يحاولوا مقاضاة من إتهمهم بتهمة التشهير والقذف والتحريض وغيرها ليكونوا عبرة لغيرهم وليسكتوا كل من تسول له نفسه التطاول عليهم- هم أسياد هذا الوطن وأصحابه وتجاره!

الخيانة المتمثلة بجريمة تسريب الأسمنت هي مفصل حاسم ومفترق طرق في مواجهة عصابات الفساد فجريمة بهذا الحجم إن مرت دون حساب وعقاب فستهون بعد ذلك كل الجرائم حتى وإن بيع البشر في سوق أوسلو للنخاسة.

المواجهة الآن علنية وهي مواجهة إرادات والنجاح والفشل منوط بنا جميعا فنحن أصحاب حق وقضية وحقوق وهؤلاء هم شواذ هذا الشعب الذين أعمتهم مصالحهم الشخصية الضيقة فتاجروا في الأرض والعرض. كلي ثقة أن من عمي بصرهم وبصيرتهم لن ينجحوا فحكايات ألف ليلة وليلة لم تعد تجدي نفعا ولن تمر الأكاذيب والتراهات أو تنطلي على أحد.

* د. إبراهيم حمامي : طبيب وناشط فلسطيني
DrHamami@Hotmail.com
تاريخ النشر : 09:08 28.07.04