من يساند قضايا المسلمين والعرب في الكونجرس ؟
بقلم: علاء بيومي /كاتب ومحلل سياسي - واشنطن

01:48 19.07.02

سنثيا ماكيني

(1) سنثيا ماكيني

تاريخ الميلاد: 17/3/1955
محل الميلاد: أطلنطا، جورجيا
الديانة: مسيحية (كاثوليكية)
الخلفية المهنية: معلمة
الانتماء الحزبي: الحزب الديمقراطي
الدائرة الانتخابية: الدائرة الرابعة بولاية جوريجا
اللجان: العلاقات الدولية، والخدمات المسلحة
عدد دورات انتخابه: خمسة دورات
الهاتف: 001-202-225-1606
الفاكس: 001-202-226-0691
عنوان البريد الإلكتروني: cymck@mail.house.gov
موقعه على الإنترنت: www.house.gov/mckinney

  • نص المقال :

  • مواقف سنثيا ماكيني شجاعة وفريدة في مساندتها لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا وخاصة خلال الفترة الحالية، فهي تكاد تعتلي قمة قائمة أعضاء الكونجرس الأمريكي المساندين لقضايا المسلمين والعرب، الأمر الذي أهلها بدون شروط لاعتلاء قمة قوائم بعض جماعات الضغط السياسي واللوبي المعادية لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا وعلى رأسها بدون شك اللوبي الموالي لإسرائيل.

    وخاصة لكون سنثيا ماكيني عضو بلجنة العلاقات الدولية بالكونجرس الأمريكي وعضو لجنة أخرى خاصة بالقوات المسلحة الأمريكية، ومن يعرف الكونجرس الأمريكي يعرف أهمية هذه اللجان، لأنها تمثل محور اهتمام مؤسسات التجارة الخارجية الأمريكية العملاقة وعلى رأسها شركات تصنيع وتجارة الأسلحة بأموالها الطائلة وبجماعات الضغط والمصالح التابعة لها، كما أن هذه اللجان تمثل محور اهتمام أحد أكثر جماعات المصالح واللوبي تنظيما في أمريكا وهو اللوبي الموالي بإسرائيل والذي يتميز بتركيزه الكبير على قضايا العلاقات الدولية الكبيرة والصغيرة منها سعيا منه لتأمين علاقة أمريكا بإسرائيل.

    ومن يحضر اجتماعات هذه اللجان ومن يقرأ تاريخ أعضائها يدرك حجم الضغوط الكبيرة التي يمارسها اللوبي الإسرائيلي على كل من يتولى عضوية هذه اللجان وحجم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها كل من يحاول مخالفة اللوبي الإسرائيلي أو حتى التفكير المستقل عن إرادة هذا اللوبي، الأمر الذي حول جلسات هذه اللجان المتعلقة بالشرق الأوسط إلى مظاهرات تأييد لإسرائيل.

    والعجيب أيضا أن السيدة سنثيا ماكيني اعتلت هذه قمة قوائم أعضاء الكونجرس المطلوب إسقاطهم لفترة طويلة بدأت على الأقل منذ انتخابات عام 1996 وأنها استطاعت بنجاح غير مسبوق الانتصار على منافسيها والحفاظ على كرسيها بالكونجرس بل إنها زادت من مواقفها الشجاعة والمزعجة لهذه الجماعات خلال الأعوام الماضية، الأمر الذي جعلها واحدة من أكثر أعضاء الكونجرس الأمريكي الحالي إثارة للجدل بسبب مواقفها الشجاعة والجريئة جدا، والتي كان أخرها خطاب أرسلته إلى الأمير الوليد بن طلال في شهر أكتوبر الماضي تعتذر فيه عن رفض عمدة نيويورك السابق رودلف جولياني تبرع الوليد بمبلغ 10 مليون دولار لضحايا أحداث الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك بسبب انتقاده لسياسة أمريكا تجاه إسرائيل.

    ولم تكتفي سنثيا ماكيني في خطابها بالاعتذار إلى الوليد بن طلال فحسب وإنما شجعته على التبرع بالعشرة ملايين دولار لفقراء الأفارقة الأمريكيين الذين تمتلئ بهم العاصمة الأمريكية واشنطن. وقد جاء خطاب ماكيني في توقيت لم يكن يتجرأ فيه أحد على اتخاذ موقف مثل موقفها الأمر الذي عرضها لكثير من الانتقادات ليس فقط داخل واشنطن وإنما في العالم وعلى صحف الجرائد المحلية في ولاية جورجيا.

    وقد واجهت سنثيا ماكيني هذه الحملة كعهدها بقوة وصمود أمامها وبنشاطات أخري - سنتناولها فيما بعد بالتفصيل - مساندة لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا خلال فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر الحرجة والهامة في التاريخ الأمريكي وفي تاريخ علاقة المسلمين والعرب في أمريكا بغيرهم من الجماعات المكونة للمجتمع الأمريكي، الأمر الذي احتفظ لسنثيا ماكيني بدورها كنائبة كونجرس قويه مصممة على أهدافها ومواقفها الحازمة ومثيرة للجدل.

    وقبل أن نتناول تاريخ سنثيا ماكيني في مساندة قضايا المسلمين والعرب في الكونجرس الأمريكي أحب أن نتناول الأسباب التي دفعتها لمساندة هذه القضايا، ومن قراءتنا لتاريخ سنثيا ماكيني ومواقفها بالكونجرس الأمريكي أحب أن أؤكد على ثلاثة عوامل أساسية دفعتها لمساندة قضايا المسلمين والعرب.

    أولا من يعرف ماكيني يعرف أنها لم تدخل الكونجرس في عام 1992 إلا بعد أن احتج الأفارقة الأمريكيين بولاية جورجيا على قلة تمثيلهم في مجلس النواب الأمريكي وعلى أن عدد ممثليهم لا يتعدى الخمسة على مدى التاريخ، واعتبر الأفارقة الأمريكيين - في ولاية جورجيا - ندرة تمثيلهم في مجلس النواب تمييزا عنصريا وعلامة على استمرار سياسية العبودية التي تعرضوا لها عبر التاريخ الأمريكي وخاصة في ولايات الجنوب الأمريكي مثل جورجيا التي شهدت أسوء صور التمييز العنصري ضد الأفارقة الأمريكي والتي شهدت أيضا أنشط صور حركة الحقوق المدنية الأمريكية الأفريقية الأمريكي خلال الستينات والتي قادها قادة أفارقة أمريكيين خلد التاريخ الأمريكي أسمائهم وعلى رأسهم الدكتور مارتن لوثر كينج.

    وقد دفعت ضغوط أبناء الولاية حكومة الولاية إلى إعادة رسم حدود الدوائر الانتخابية في أوائل التسعينات - حتى لو كان رسما اصطناعيا لا يرتبط بتاريخ مدن وقرى الولاية - بشكل يجعل الأفارقة الأمريكيين أغلبية في بعض الدوائر ومن ثم يمكنهم من انتخاب نائب أفريقي أمريكي إضافي ينوب عن جورجيا في مجلس النواب. وهكذا جاءت سنثيا ماكيني إلى الكونجرس الأمريكي كسادس نائبة أفريقية أمريكية عن ولاية جورجيا.

    ويبدو أن أهل دائرة سنثيا ماكيني باختيارهم إياها لم يختاروا فقط نائبا عن قضاياهم ومصالحهم في الكونجرس الأمريكي وإنما اختاروا محاربا شرسا ومدافعا صلدا عن هذه القضايا، إذا تميزت سنثيا ماكيني منذ مجيئها للكونجرس بصلادتها وشجاعتها العظيمة في الدفاع عن قضايا الأفارقة الأمريكيين، وخاصة القضايا الهامة والحساسة منها وعلى رأسها قضية التعويضات والتي يطالب فيها الأفارقة الأمريكيين بتعويضهم عن فترة العبودية التي قضوها في الولايات المتحدة والتي حرمت أجدادهم وعرقهم من أبسط الحقوق الإنسانية على مدى التاريخ الأمر الذي أثر عليهم وعلى تقدمهم كجماعة عرقية داخل الولايات المتحدة حتى هذا اليوم، لذا ينادي بعض قادة حركة الحقوق المدنية الأفارقة الأمريكيين حاليا بضرورة تعويض أبناء عرقهم عما تعرضوا له من عبودية وإذلال، ويقابل بعض السياسيين الأمريكيين هذه المطالب باستنكار ونقد كبيرين على أنها محاولة لإحياء الفتنة العرقية داخل الولايات المتحدة، الأمر الذي يصعب من مهمة أي سياسي يحاول الدفاع عن هذه القضية.

    وقد تجدد الجدل حول هذه القضية خلال الصيف الماضي بمناسبة انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية والذي عقد في أوائل شهر سبتمبر الماضي في مدينة ديربان بجنوب أفريقيا، وكعادتها انبرت سنثيا ماكيني للدفاع بجرأة وقوة شديدين عن قضية التعويضات، ففي الأول من أغسطس عام 2001 شنت سنثيا ماكيني هجوما عنيفا على الرئيس الأمريكي بسبب تصريحات أدلى بها أري فليشر المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض أعطى فيها انطباعا يفيد برفض بوش لفكرة التعويضات. وفي الحادي عشر من أغسطس أصدرت سنثيا ماكيني بيانا بخصوص مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية بهدف تنشيط حملة المطالبة بالتعويضات، وقد جاء بيان سنثيا ماكيني بمثابة محاولة لتوثيق حملة المطالبة بالتعويضات وإمدادها بالبراهين والحقائق والمطالب أيضا، حيث سردت في بيانها ما تعرض له الأفارقة الأمريكيين من عبودية وتفرقة عنصرية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وما يتعرضون له حاليا من تمييز وظروف معيشية صعبة، كما سردت سنثيا ماكيني العديد من الحقائق التاريخية والمعاصرة والقانونية التي تثبت حق الأفارقة الأمريكيين في أن تعتذر الحكومة الأمريكية لهم، وفي أن تعوضهم ليس فقط عن فترة العبودية ولكن أيضا عن فترة الفصل العنصري التي تعرضوا لها في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

    وفي السادس من سبتمبر شنت سنثيا ماكيني حملة انتقادات عنيفة على الحكومة الأمريكية لانسحابها من مؤتمر الأمم المتحدة لمكافحة العنصرية، واتهمت سنثيا ماكيني في بياناتها الولايات المتحدة بمحاولة تهميش قضية التعويضات وبمحاولة شق الصف الأفريقي والتفريق بين الأفارقة الأمريكيين وأبناء القارة الأفريقية بالتركيز على قضية تعويض الأفارقة عن فترة الاستعمار وإهمال قضية تعويض الأفارقة الأمريكيين على فترة العبودية.

    ويتضح مما سبق أن خلفية سنثيا ماكيني العرقية وشعورها بمعاناة الأقلية الأفريقية الأمريكية مداها برغبة دائمة وعارمة في الدفاع عن الأقليات داخل الولايات المتحدة ومنها الأقلية المسلمة والعربية، ومنها أيضا الأقلية اللاتينية الأمريكية، والذي يتضح في حالة الأقلية الأخيرة في بيانات أصدرتها سنثيا ماكيني في شهر يوليو عام 1999 تشجع فيها أبناء الأقلية اللاتينية الأمريكية على تسجيل أصواتهم في الانتخابات لتحويل قوتهم العديدة إلى قوة سياسية.

    ثانيا يمكن القول أن مساندة سنثيا ماكيني لقضايا المسلمين والعرب تعود إلى احتكاكها كعضو في لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب ببعض قضايا المسلمين الدولية العادلة خلال عقد التسعينات وعلى رأسها قضية معاناة المسلمين في البوسنة والهرسك وغيرها من الكيانات المكونة ليوغسلافيا السابقة، وقد غلب على موقف سينثيا ماكيني من هذه الأحداث شعورها العارم بفشل المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة والولايات المتحدة في مواجهة هذه الأزمات وحماية الأبرياء.

    كما احتكت سنثيا ماكيني أيضا عن قرب بقضايا المسلمين والعرب في الشرق الأوسط وخاصة في فلسطين وفي العراق وهو ما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد.
    سبب ثالث لمساندة سنثيا ماكيني لقضايا المسلمين والعرب - وهو سبب طريف جديد وهام أحب أن ألفت انتباه القارئ إليه - هو دور بعض الشباب المسلم الأمريكي الذي بدأ في تسلق سلم الوظيفة داخل أروقة الكونجرس الأمريكي، والواضح أن أعداد هؤلاء الرواد في تزايد مستمر والواضح أيضا أن تأثيرهم وخبرتهم في تحسن مستمرين، ففي العادة ما تشير سنثيا ماكيني في لقاءاتها مع التجمعات المسلمة الأمريكية إلى فضل بعض مساعديها المسلمين عليها فيما يتعلق بتعريفها بحقيقة الإسلام والمسلمين وبقضايا المسلمين والعرب في أمريكا والعالم.

    والواضح أن سنثيا ماكيني خلال سنوات خدمتها في الكونجرس الأمريكي التي تقترب حاليا من العشر سنوات قد استعانت بأكثر من مساعد مسلم، ومن أول هؤلاء المساعدين شاب مسلم أمريكي من أصل مصري وهو الأستاذ خالد الجندي والذي أشارت إليه سنثيا ماكيني في خطاب ألقته بحفل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) السنوي الأخير في شهر نوفمبر الماضي على أنه من أول من عاونوها على فهم المسلمين والعرب وقضاياها، كما تستعين سنثيا ماكيني حاليا بمساعدة مسلمة على الأقل تساعدها في إدارة مكتبها بولاية جورجيا.

    وقد اضطرت سنثيا ماكيني إلى قبول استقالة أحد مساعديها المسلمين في الثامن والعشرين من نوفمبر الماضي بسبب مقالة أرسلها بدون علمها إلى أحد الدوريات المطبوعة داخل الكونجرس الأمريكي وقد طبعت المقالة بشكل أعطى انطباعا لدى الناشرين أن المقالة تعبر عن رؤية سنثيا ماكيني الرسمية وقد حملت المقالة - فيما يبدو - نقدا لاذعا لبعض مواقف أعضاء الكونجرس، وقد اضطرت سنثيا ماكيني إلى قبول استقالة مساعدها المسلم بعد حملة انتقاد واسعة شنت عليها بسبب مقالته.

    والواضح أن قبول سنثيا ماكيني لاستقالة مساعدها المسلم الشاب لم يكن تراجعا منها عن مواقفها المساندة للمسلمين والعرب وإنما كان درسا منها للمسلم الشاب في أساليب العمل السياسي داخل أروقة الكونجرس الأمريكي.

    رابعا يمكن القول أن سنثيا ماكيني قد تأثرت بمواقف بعض الأفارقة الأمريكيين الذين اعتنقوا الإسلام هروبا من مشكلة العنصرية واللون وبحثا عن حقوقهم المدنية، ويبرز هنا دور بعض الجماعات مثل أمة الإسلام التي ازدهرت في النصف الثاني من القرن العشرين وقادت إلى ظهور قيادات وجماعات عديدة متفرعة منها بعضها قريبة للإسلام الحقيقي وبعضها بعيدة عنه، وبعضها تؤمن بالعنف وبعضها ترفضه.

    وبغض النظر عن تقييمنا لمواقف هذه الجماعات - والذي يخرج عن اختصاص مقالتنا الحالية - فالواضح أنها ذات وجود ملحوظ في الأوساط الأفارقة الأمريكيين وأنها قد تكون قد أثرت بشكل أو بأخر على توجهات السيدة سنثيا ماكيني المعروفة بالتزامها الشديد بسعي الأفارقة الأمريكيين إلى الحصول على حقوقهم المدنية.

    ويجدر هنا الإشارة إلى حملة انتقادات واسعة تعرضت لها سنثيا ماكيني في انتخابات عام 1996 بسبب رفضها التصويت على أحد قرارات مجلس النواب الأمريكي التي تدين خطاب بعض أعضاء جماعة أمة الإسلام الذي رأي القرار أنه خطاب عنصري. كما رفضت سنثيا ماكيني إدانة بعض الرحلات التي قام بها زعيم أمة الإسلام لويس فرقان في منتصف التسعينات لزيارة بعض دول الشرق الأوسط مثل العراق وليبيا وقد أثارت هذه الحملات موجة انتقادات واسعة لفرقان داخل أمريكا والكونجرس باعتبار أن هذه الأنظمة معادية للولايات المتحدة وأن زيارة فرقان لها هي نوع من العمالة لهذه الأنظمة ومحاولة للتأثير على الولايات المتحدة لصالح هذه الأنظمة المعادية، وقد انتقدت سنثيا ماكيني حملة نقد فرقان واعتبرتها عودة للسياسة المكارثية التي سادت بعض الحرب العالمية الثاني واضطهدت العديد من الأمريكيين بتهمة العمالة للشيوعية.

    وبوصولنا إلى هذه النقطة نكون قد وصلنا إلى نقطة الحديث عن مظاهر مساندة سنثيا ماكيني لقضايا المسلمين والعرب والتي سنقسمها إلى قضايا داخلية وقضايا خارجية، وسنبدأ أولا بالحديث عن مساندة سنثيا ماكيني لقضايا المسلمين والعرب الخارجية وخاصة لقضية فلسطين والعراق.

    بالنسبة لمواقف السيدة سنثيا ماكيني المؤيدة للقضية الفلسطينية فيمكننا الإشارة إلى العديد من المواقف كان أخرها امتناعها عن تأييد القرار الذي أصدره مجلس النواب الأمريكي في الخامس من ديسمبر الماضي للتعبير عن "تأييده لإسرائيل في حربها ضد الإرهاب"، كما قدمت سنثيا ماكيني بالمشاركة مع 29 عضوا من أعضاء مجلس النواب الأمريكي قرار في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي يدعو إلى تأييد تقرير ميتشل ويدعو إلى تطبيق سلام وعادل بالشرق الأوسط يحترف بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي الثاني عشر من أكتوبر أرسلت سنثيا ماكيني خطاب مساندة إلى لأمير الوليد بن طلال بعد أن رفض رودلف جولياني عمدة نيويورك السابق تبرع الوليد بن طلال بعشرة ملايين دولار أمريكي لضحايا انفجارات الحادي عشر من سبتمبر بنيويورك وذلك بعد أن انتقد الوليد إسرائيل وسياسة أمريكا المنحازة لها، وقد رأي اللوبي الموالي لإسرائيل في خطاب سنثيا ماكيني لوليد بن طلال تحديا كبيرا له.

    إضافة إلى المواقف السابقة قامت سنثيا ماكيني في الفترة التالية للحادي عشر من سبتمبر باستضافة بعض الجماعات السلام الفلسطينية واليهودية في مكتبها بالكونجرس للتعبير عن مساندتها لجهود السلام العادل بالشرق الأوسط، وقد برهنت هذه الاجتماعات بقوة على شجاعة وحنكة سنثيا ماكيني السياسية لعدة أسباب منها تاريخ انعقاد هذه الاجتماعات والذي جاء في فترة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر وهي فترة زادت فيها حدة موجة العداء للمسلمين والعرب بشكل غير مسبوق وقلت فيها مساندة أعضاء الكونجرس لقضايا المسلمين والعرب، ومنها أيضا طبيعة الاجتماعات التي حضرتها جماعات سلام أمريكية مختلفة الأعراق والأديان مما مثل فرصة كبيرة لجماعات السلام الفلسطينية لتقوية علاقاتها بتلك الجماعات.

    إضافة إلى القضية الفلسطينية نشطت سنثيا ماكيني في أواخر التسعينات في مجال نقد وتوجيه السياسة الأمريكية تجاه العراق، وكانت أحد المشاركين الأساسيين فيما يسمى "بمناظرة العراق" التي سادت في أواخر التسعينات وأهتم بها الإعلام الأمريكي، وبخصوص ذلك اعتبرت سنثيا ماكيني سياسة أمريكا تجاه العراق سياسة غير مرنة واعتبرتها أيضا محاولة للانفراد بالرأي وتهميش دور حلفاء الولايات المتحدة، وحذرت سنثيا ماكيني أكثر من مرة من مغبة مصرع أبناء الشعب العراقي في الهجمات الأمريكية أو بسبب الحظر المفروض على العراق، وحذرت من أن موت المواطنين الأبرياء سوف يسئ صورة أمريكا لدي الشعب العراقي ولدى الشعوب العربية والمسلمة بصفة عامة.

    وركزت سنثيا ماكيني في توجيهها للسياسة الأمريكية تجاه العراق على ضرورة أن تستشير أمريكا حلفائها في المنطقة العربية في تصرفاتها وسياساتها ورفضت فكرة التصرفات والسياسات الأحادية لأن من شأنها إضعاف علاقة الولايات المتحدة بحلفائها العرب.

    وتوعدت سنثيا ماكيني خلال اللقاء التلفزيوني الأمريكي الشهير "نيوز أور" أو ساعة الأخبار الذي يقدمه المذيع المعروف جيم لاهر - وذلك في العاشر من فبراير 1998 - بأنها لن تصمت على السياسة الأمريكية تجاه العراق داخل أروقة الكونجرس.

    ومن أهم خصائص سنثيا ماكيني كنائبة مساندة لقضايا المسلمين والعرب - والتي اتضحت في حملتها لمساندة الشعب العراقي - حساسيتها لمشاعر للرأي العام المسلم والعرب، فقد أعربت سنثيا ماكيني في أكثر مناسبة عن خشيتها من أن يؤدي وقوع ضحايا مدنيين لأن في ذلك تأليب لمشاعر الشعوب المسلمة والعربية، وقد اتضحت هذه الخاصية مجددا خلال الحملة الأمريكية ضد طالبان إذ طالبت سنثيا ماكيني في خطاب لها بمجلس النواب الأمريكي في الأول والثلاثين من أكتوبر الحالي بضرورة الإسراع بتقديم المساعدات الإنسانية لأبناء الشعب الأفغاني موضحة أثار الحملة العسكرية على تهجير ملايين الأفغان الفقراء ومؤكدة على خشيتها من تعرض هؤلاء المهجرين إلى المجاعة وخشيتها من ردة فعل الرأي العام العربي والإسلامي تجاه معاناة المدنيين الأفغان.

    وفيما يتعلق بمواقف سنثيا ماكيني المساندة للمسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة فهي تكاد تكون حليف دائم لهم في معظم قضاياهم، وسنكتفي هنا بالإشارة إلى مساندتها للمنظمات المسلمة والعربية الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر إذا تعرضت علاقة هذه المنظمات بغيرهم من الجماعات الأمريكية لامتحان عسير خلال فترة العداء الشعبي التي استهدفتهم بعد الحادي عشر من سبتمبر.

    وفي ذلك الوقت أحجم العديد من السياسيين الأمريكيين عن مساندة المنظمات المسلمة والعربية خاصة علانية، ولكن سنثيا ماكيني لم تنحني للعاصفة وإنما قررت الصمود أمامها، وقررت حضور مجموعة من المؤتمرات والندوات السياسية الهامة التي نظمتها المنظمات المسلمة الأمريكية في أعقاب أحداث سبتمبر، وهو ما عرض سنثيا ماكيني لهجوم عنيف خاصة من اللوبي المعادي للمسلمين والعرب في أمريكا والذي نعتها بأسوأ النعوت اعتبرها عدوته الأولى.

    والواضح أن عادة سنثيا ماكيني هي الصمود في وجه العاصفة، وقد صمدت أمامها منذ مجيئها للكونجرس في عام 1992، ففي عام 1996 شن اللوبي الموالي لإسرائيل هجوما عاتيا على سنثيا ماكيني بسبب رفضها لإدانة بعض مواقف زعيم أمة الإسلام لويس فرقان بالشكل الذي يرضي هذا اللوبي، وحاول منافسها في الانتخابات السياسي الجمهوري جون ميتـنك تصويرها كمؤيدة للعنصرية واللاسامية، ولكنها استطاعت هزيمته والاحتفاظ بمقعدها في مجلس النواب.

    وفي انتخابات عام 2000 صمدت سنثيا ماكيني أمام عاصفة عاتية لم تستطيع هيلاري كلينتون نفسها الصمود أمامها، فقد اتهم اللوبي الموالي لإسرائيل خلال هذا العام هيلاري كلينتون بقبول تبرعات من مسلمين أمريكيين يساندون حماس وجماعات أخري، ووصف اللوبي الموالي لإسرائيل هذه التبرعات بأنها ملوثة بالدماء وأنها أموال تؤيد الإرهاب.

    ولم تستطيع هيلاري كلينتون الصمود في وجه هذه الاتهامات وقررت إعادة التبرعات لأصحابها المسلمين الأمريكيين، أما سنثيا ماكيني - والتي وجه إليها نفس الاتهام - فقد صمدت ورفضت إعادة التبرعات بل شنت هجوما مضادا ضد منافسها مرشح الحزب الجمهوري صني وارن واتهمته بالعنصرية وبنشر الكراهية وأن ليس هناك مكان للعنصرية وخطاب الكراهية في الحملة الانتخابية أو في الخطاب الجماهيري العام"، وانتهت المنافسة الانتخابية بفوز سنثيا ماكيني بفارق يتعدى العشرين في المائة من الأصوات بدائرتها الانتخابية.

    وقد احتفل بول فيندلي النائب الأمريكي السابق والذي يعتبر عميد أعضاء الكونجرس الأمريكيين المساندين لقضايا المسلمين والعرب في أمريكا بفوز سنثيا ماكيني في انتخابات عام 2000 في كتابه الجديد عن المسلمين في أمريكا والذي صدر في أوائل عام 2001 بعنوان "لا صمت بعد اليوم" كمحاولة من النائب الأسبق لتوثيق معالم قوة المسلمين والعرب المتزايدة داخل الولايات المتحدة.

    ومازالت سنثيا ماكيني صامدة حتى اليوم أمام العواصف العديدة التي تحاول النيل منها والتي يتوقع أن تزداد عام بعد وخاصة في أعوام الانتخابات التشريعية مثل العام الحالي، إذ ستخوض سنثيا ماكيني في نوفمبر القادم معركة جديدة للحفاظ على مقعدها بمجلس النواب الأمريكي، فهل ستظل صامدة أمام العاصفة كما صمدت بنجاح في الماضي؟
    - نهاية المقالة -
    الأستاذ علاء بيومي مع التحيات