"مناهضي العولمة" العرب في اجتماعات مومباي:
ممولين اجنبيا وأصدقاء لل"إسرائيليين"

بقلم: د. هشام البستاني

د. هشام البستاني

   
الاسرائيلي" مايكل وارشاوسكي يقود مظاهرة "فلسطين" في المنتدى الاجتماعي العالمي بموافقة
ال "NGO's" الفلسطينية واعتراض العرب - ممثل التحالف الوطني الديمقراطي العراقي يشارك في مؤتمر عام الى جوار "الاسرائيلي" وارشاوسكي في نفس المنتدى

هذا المقال يأتي متأخرا قليلا لكنه ضروري، وهو جزء من دراسة بعنوان: "آفاق النضال الشعبي العربي عالميا: المنتدى الاجتماعي ومنتدى المقاومة وتعزيز الخطاب الجذري" وهي منشورة في العدد الاخير من مجلة الآداب البيروتية المعروفة (عدد 3/4 2004)، يرجى العودة اليها بكاملها للأهمية، وقد اخترت هذا الجزء بالتحديد لخطورته وطرافته في آن واحد، فيما تحمل الاجزاء الاخرى عناوين: "الشعوب في مواجهة الامبريالية - افقية الحركة وضبابيتها" و " المنتدى الاجتماعي العالمي: برج بابل جديد وسوبرماركت كبير" و " منتدى مومباي للمقاومة 2004: دفع الحركة الى الأمام" و "الخروج العربي من المأزق ". اكرر ضرورة العودة الى الدراسة الاصلية لقرائتها بشمولية.

تكمن الصدمة الكبرى في اجتماعات مومباي لمناهضي العولمة (المنتدى الاجتماعي العالمي ومنتدى المقاومة – اواخر كانون الثاني من هذا العام) في حجم المشاركة العربية وطبيعتها ونوعيتها. فالبنسبة لمنتدى المقاومة (MR'02)، شاركت منظمتان عربيتان فقط على مستوى تبني النسق النظري العام (منتدى الفكر الاشتراكي في الاردن، والمنظمة المغربية لحقوق الانسان). اما فيما يتعلق بالمشاركة الفعلية بالحضور، فقد شارك عربي واحد فقط لا غير هو كاتب هذه السطور، حيث قدم ورقتي عمل في جلسات المؤتمر الاثنتي عشر (قارن ذلك بأكثر من 1200 جلسة وورشة عمل في المنتدى الاجتماعي العالمي)( 1).

وقد سيطرت المنظمات العربية الممولة اجنبيا على الساحة في المنتدى الاجتماعي العالمي في ظل غياب كامل للمنظمات العربية الشعبية ذات الطابع السياسي، وتحولت القضية العربية الى قضايا اقليات وحقوق عمال وحماية دولية للفلسطنيين في "اسرائيل" في حين حملت الندوة الرئيسية التي نظمت حول الوضع في المنطقة عنوان: "احتلال العراق والمشكلة في فلسطين وافغانستان"!! ويتحدث العنوان هنا عن نفسه حين يطرح الوضع في فلسطين وافغانستان ك"مشكلة" (Problem)، ولا احتلال ولا ما يحزنون. والملفت في هذه االندوة ان المتحدث عن افغانستان مثلا تحدث طويلا عن معاناة الشعب الافغاني وضرورة ان يدعم المجتمعون حكومته (المعينة امريكيا) لتستطيع تحسين اوضاع الناس هناك! بينما تحدث الامريكي ريتشارد فالك عن احتلال افغانستان ونظام الدمى الذي اقامته الولايات المتحدة هناك في مشهد سوريالي ساخر كالعادة يعرض امميين يتحدثون عن قضايا الشعوب بجذرية، فيما يكون خطاب اصحاب القضية اقل من الحدود الدنيا لخطاب قامعيهم!!

في حين كانت المنظمات غير الحكومية الفلسطينية هي المبادرة الى ندوات تحمل عناوين من شاكلة "العراق وفلسطين، والمنطقة بعد الحرب: خيارات المستقبل السلمي الديمقراطي والمخاطر المحتملة"، بتنظيم من "مواطن- المعهد الفلسطيني لدراسات الديمقراطية" بالتعاون مع منظمة هينريش بول الالمانية، وكأن الامور محسومة و"الحرب" انتهت والوضع المزري في العراق وفلسطين حاليا هو الثابت الموجود الذي يجب ان نطور عليه مستقبلنا السلمي الديمقراطي ونقيه من المخاطر المحتملة. وما كان من احد المحاضرين المكلفين بالقاء مداخلة سوى ان نوه الى "غرابة" العنوان المطروح في خضم صراع يخوضه الفلسطينيون والعراقيون يوميا، وفي خضم حرب لم تضع اوزارها بعد. وقد عقب كاتب هذه السطور على هذا الكلام بعد ذلك بالقول بان العنوان ليس غريبا فحسب، بل هو مشبوه تماما فيما يتعلق برغبته طرح بدائل تستند على الاحتلال الحالي لفلسطين والعراق كواقع ابدي لا انزياح عنه، وهي مقاربة تتفوق على اطروحة فوكوياما حول "نهاية التاريخ"، حيث انتظر فوكوياما الى ان اصبحت الرأسمالية قوة وحيدة في العالم ليطرح شعاره، فيما لم ينتظر جماعة "مواطن" و"هينريش بول" استتباب الامر للصهاينة وامريكا في المنطقة بل اعلنوا نهاية التاريخ هنا قبل ذلك!!

كان على العرب ان ينتظروا منظمة امريكية هي "مركز البحث الاقتصادي والتغيير االاجتماعي" ليطرح عنوان من قبيل "الامبريالية والتحرير: العراق، فلسطين، كشمير"، وليتم طرح مفاهيم مثل "المقاومة" و"التحرير" و"فلسطين من البحر الى النهر" من قبل هؤلاء في المنتدى الاجتماعي العالمي!!

ويعتبر الغياب العربي فيما يتعلق بالمنظمات الشعبية الجذرية (سواءا عن الWSF او MR'04) خسارة كبيرة لها على عدة صعد:

1- عدم اطلاعها على التطورات الكبيرة فيما يتعلق بالحركات الشعبية المناهضة للامبريالية والقهر وآليات عملها وخصوصا فيما يتعلق بتنظيم الجبهات والتحالفات على مستوى واسع، وبالتالي تبقى المنظمات العربية متخلفة في مجال التنظيم والتعبئة وتشكيل التحالفات والتأثير السياسي والشعبي.



2- عدم اتصالها بالكم الهائل من المنظمات والنشطاء العالميين وتعرفها عليهم، وبالتالي عدم نشوء علاقات وتحالفات على الصعيد الاممي مما يرتب خسارة كبيرة للحركة الشعبية العربية تتمثل في عدم انخراطها جديا حتى هذه اللحظة في سياق الحركة العالمية المتشكلة، وعدم تأثيرها في الاستقطابات والصراعات المحتدمة بين تيارات هذه الحركة. وربما تجدر الاشارة هنا الى جهود النشطاء المصريين في هذا المجال والدور الذي يلعبه مؤتمر القاهرة –مؤتمر الحملة الدولية ضد الاحتلال الامريكي والصهيوني- (الذي انعقد لدورتين حتى الآن) في جمع منظمات ونشطاء عرب مع نظرائهم من دول العالم المختلفة في محاولة لكسر مثل هذا الجمود في التواصل الذي اصبح اليوم الوسيلة الاساسية والمباشرة لمواجهة الامبريالية والهيمنة.

3- غياب التأطير النظري الذي يحمل الخصوصيات العربية على المفاهيم والشعارات والاطروحات النظرية عن الحركة. ففي حين يعتبر الWSF "مقبرة نظرية" حقيقية للقضية العربية نظرا لغلبة الNGOs المطلقة هناك، وعدم مشاركة أي منظمات شعبية عربية جذرية في الورش والمؤتمرات، الا ان منتدى المقاومة يعتبر اطارا هاما لمناقشة وطرح التحليلات الجذرية الموجودة اساسا من خلال طبيعة المنظومة النظرية للقوى المشاركة، ولكن عدم وجود العرب يضعف من هذه الطروحات لدى مقابلتها بطروحات ال WSF مثلا حيث يتواجد العرب بكثافة اعلى!! هكذا، ادى غياب المنظمات الشعبية العربية ذات الخطاب الجذري الى تكريس الخطاب الانهزامي التسووي للNGOs دون وجود اي خطاب نقيض او بديل قادر على احداث حالة استقطاب داخل الWSF، كما ادى عدم وجود مشاركة عربية قوية في منتدى المقاومة الى اضعاف مصداقية خطابها الراديكالي الجذري فيما يتعلق بالقضية العربية وتكريس مصداقية غير مباشرة لخطاب الWSF نظرا لتواجد الNGOs العربية هناك.

اما المهازل العربية الكبرى في ال WSF فكانت:

اولا: قيادة "الاسرائيلي" مايكل وارشاوسكي لمظاهرة فلسطين في المنتدى الاجتماعي العالمي رغم اعتراض الاردنيين والمصريين والسوريين الشديدة لهذه المسألة، بل تطور الامور الى حد انسحاب كاتب هذه السطور من المظاهرة احتجاجا على هذا التطبيع المباشر، حيث قام الكاتب بالتحدث مع منظمي المظاهرة من المنظمات غير الحكومية الفلسطينية الذين لم يعبئوا بالاحتجاجات واحتضنوا الاسرائيلي فعليا كواحد منهم.

ثانيا: مشاركة العراقي عبد الامير الركابي من "التحالف الوطني العراقي الديمقراطي" في مؤتمر "احتلال العراق ومشكلة فلسطين وافغانستان" الى جانب الاسرائيلي مايكل وارشاوسكي. وقد اعلمنا اصدقاؤنا الاوروبيين أن هذه ليست هي المرة الاولى التي يجلس فيها الركابي مع اسرائيليين على طاولة واحدة، حيث قام بذلك في "المنتدى الاجتماعي الأوروبي" المنعقد السنة الماضية.

والركابي حاضر بقوة في المنتدى الاجتماعي العالمي، وتبرزه قيادة الWSF على انه الممثل الشعبي للعراق والبديل الشعبي للاطر العراقية الحالية الخاضعة للاحتلال، فهو موجود في الجلسة الافتتاحية للمنتدى(2) الى جانب احمد بن بلا، والروائية الهندية المشهورة ارونداتي روي (شاركت ايضا في منتدى المقاومة)، وحاملة نوبل الايرانية شيرين عبادي. كما وضع اسمه كمشارك في الفعالية الرئيسية (المؤتمر العام) حول "احتلال العراق، والمشكلة في فلسطين وافغانستان"، كما شارك في فعالية رئيسية أخرى (مؤتمر عام) حول "العسكرة، الحرب والسلام". ومن الجدير ذكره ان الركابي قد ورد اسمه مؤخرا في تصريح لمتحدث باسم رئاسة الوزراء اليابانية عن ضلوعه في صفقة يقوم من خلالها ابناء عشائر في جنوب العراق بحماية قوات الاحتلال اليابانية مقابل 75 مليون يورو(3)، وقد نفى الركابي هذا الكلام جملة وتفصيلا(4) وان كان قد اقر بعقد مباحثات مع الحكومة اليابانية (المحتلة للعراق حاليا ضمن قوات التحالف) عارضا احتلالا يابانيا ناعما للعراق ضمن صيغة طرحها الركابي في رسالة الى رئيس الوزراء الياباني وهي: "امكانية المقاربة غير الامريكية للمسألة العراقية من جانب اليابان، وهو ما اطلقت عليه [الكلام للركابي] مقاربة الصداقة والتعاون، وهذا يتحقق بشروط هي: اعتماد خطة اعمار ضخمة تبدأمن احياء منطقة الاهوار(....)، الحضور السلمي [اي التواجد الياباني العسكري السلمي، تابع قراءة الفقرة] (....)، وقبل ان اختم رسالتي [الكلام ما يزال للركابي] لا بد ان اعلن هنا كما فعلت وانا في اليابان وفي اكثر من مناسبة وخلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته قبل مغادرة بلادكم بانني ارفض اي وجود لقوات الدفاع الذاتي اليابانية في العراق الا بضوء المقاربة التي ناقشتها معكم والا فانني اعتبرها قوات احتلال، والقوات التي ترسلونها الان والتي ذهبت قبل ايام هي كذلك، وانا ادعو الى معاملتها كما تعامل القوات الامريكية بالضبط [لم يحدد "ماهية" و"طبيعة" هذا التعامل!]"( 5).

اما الاشخاص الاخرون الذي يعمل الWSF على ابرازهم كممثلين لشعوبهم فهم: الاسرائيلي مايكل وارشاوسكي الذي شارك كمتحدث في المؤتمر العام حول العراق وفلسطين وافغانستان الى جانب الركابي، وشارك في "مائدة مستديرة" حول "النيولبرالية والحرب واهمية المنتدى الاجتماعي العالمي". كما تبرز الWSF الفلسطيني مصطفى البرغوثي كممثل ثالث (وهو من مجموعة "المبادرة" ويطرح مسألة التعايش والدولتين) حيث وضع اسمه كمشارك في الجلسة الافتتاحية، وقد علمت ان اسمه وضع في اللحظات الاخيرة بدلا من ياسر عبدربه عندما انتبهت احدى المنظمات النافذة الى ان هذا الاخير خيار مبالغ فيه لحركة يفترض انها تبحث عن بدائل!

وهذا الثلاثي بهذه الصيغة هو ما يقدم ك"بديل شعبي" على مستوى العالم في الWSF، ومن هنا يبرز التحدي الحقيقي للمنظمات الشعبية العربية لاستعادة الشرعية القاعدية والنظرية من هؤلاء، ويتضح مدى اثر غياب هذه المنظمات عن تجمعات هامة كبرى مثل المنتدى الاجتماعي العالمي ومنتدى المقاومة.

الهوامش:

(1)      كانت الورقتان هما: "قوننة القمع: استحقاقات المشروع الامبريالي بعد على الحريات في الاردن"، راجعها على الرابطwww.rezgar.com ، و"دافوس الاردن: ’اسرائيل‘ كمحور لمنطقة حرة امريكية-شرق اوسطية"، وبالامكان مراجعتها في: العولمة، تموز 2003، العدد 8، ص 4-8، او على الرابط التالي: show.art
(2)      فعاليات الWSF بحسب الاهمية المعنوية وعدد الحضور تنازليا: حفل الافتتاح، المؤتمرات العامة، الموائد المستديرة والشهادات، الندوات وورشات العمل
(3)      Japan Reportedly Pays Iraqis Euro75 Millon ‘Protection Money’ to Guard SDF, risq.org/article276.html
(4)   Iraqi Expat Denies Role in Japan’s Reported ‘Protection Money’ Scheme, risq.org/article279.html
رسالة عبد الامير الركابي الى رئيس الوزراء الياباني المنشورة على موقع التحالف العراقي الوطني الديمقراطي، sotaliraq.com4212M.html