عوامل ارتباط اللوبي المسلم الأمريكي الناشئ بقضايا الأمة الإسلامية
بقلم: علاء بيومي
كاتب ومحلل سياسي مقيم في واشنطن
تاريخ النشر : 25/4/2002


تهتم هذه المقالة بأسباب ارتباط اللوبي المسلم الأمريكي الناشئ بقضايا الأمة الإسلامية وهو ارتباط قوي يمد المسلمين في أمريكا ومنظماتهم بدافع قوى ودائم لاستغلال فرصة تواجدهم في الولايات المتحدة لخدمة قضايا المسلمين والعرب، وتعود قوة هذا الارتباط إلى عدة عوامل أساسية نتناولها في هذه المقالة بالتفصيل.

أول هذه العوامل هو طبيعة بوتقة الصهر الأمريكية والتي تقدر على إذابة عدد كبير من الحواجز التي تفصل أبناء الجماعات العرقية المختلفة المكونة للمجتمع الأمريكي بما في ذلك العرق واللغة والخلفية الوطنية، ولكنها تقف عاجزة أمام عامل أساسي واحد وهو عامل الدين.

فالواضح أن قدرة بوتقة الصهر الأمريكية على إذابة أبناء المهاجرين إليها في خليط واحد تتوقف أمام عامل الدين، فقد تستطيع أن تذيب عامل اللغة وعامل العرق بين أبناء الجيل الثاني من أبناء المهاجرين، ولكنها تعجز في معظم الأحيان عن إذابة عامل الدين الذي يستحيل تقريبا إذابته.

وقد تنبه علماء الاندماج السياسي لهذه الحقيقة مبكرا ، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية إذ دار جدل واسع حول مدى اندماج اليابانيين الأمريكيين وأبناء الحضارات الشرقية في المجتمع الأمريكي، مما دفع عدد كبير من علماء السياسة والاجتماع لدراسة هذه الظاهرة بما فيهم ميلتون جوردون والذي يعد أحد أكبر علماء الاندماج السياسي في التاريخ الأمريكي، وقد توصل جوردون إلى حقيقة أن بوتقة الصهر الأمريكي قد لا تنجح في إذابة الجيل الأول من المهاجرين إلى الولايات المتحدة، ولكنها تنجح بقوة في إذابة مختلف الفوارق التي تفصل أبناء هؤلاء المهاجرين في خليط واحد لا يفصله سوى فوارق أساسية قليلة أهمها على الإطلاق هو الدين.

ويعني ذلك أنه يصعب علينا أن نتصور أن أبناء المهاجرين العرب والباكستانيين والأفارقة المهاجرين حديثا إلى الولايات المتحدة سوف يقدرون على الحفاظ على خصائصهم اللغوية أو العرقية أو القومية لمدة جيل واحد أو جيلين، فسوف تتحول الإنجليزية إلى لغتهم الأولى، وسوف تتعدد أعراقهم بالزواج المختلط، وسوف ينسون بلا شك خلفيات وانتماءات آبائهم الوطنية، ولكنهم في معظم الأحيان سيبقون على ديانتهم كعامل أساسي يميزهم عن غيرهم من أبناء الجماعات الأخرى المكونة للمجتمع الأمريكي.

أما العامل الثاني فهو طبيعة الدين كمصدر متكامل للقيم وحاجة المهاجرين وأبنائهم لرابطة قوية تربطهم بقضايا حضارتهم وأمتهم، فارتباط المهاجرين وأبنائهم وأحفادهم بأية قضية من القضايا يخرج غالبا عن نطاق العادة ويتحول إلى نطاق القناعة التي توصلوا إليها بعد بحث وفكر عميقين، ومن ثم يحتاج أبناء المهاجرين إلى فلسفة متكاملة تقنعهم بأهمية وضرورة الارتباط بقضايا كبرى مثل قضايا الأمتين الإسلامية والعربية.

ويعتبر الدين أقوى مرشح للقيام بهذا الدور ولإمداد المهاجرين وأبنائهم بمصدر دائم للأفكار والقيم، فهو يتميز عن الفلسفات الوطنية والعرقية بطبيعته الثرية والشاملة وبتاريخه الممتد وفلسفته المتكاملة.

فالدين يمد الفرد ليس فقط بقضايا فكرية وحضارية كبرى وإنما أيضا بقيم شخصية واجتماعية عديدة، بالإضافة إلى القيم الروحانية والقيم المتعلقة بعلاقة الإنسان بخالقه، وهي في معظمها قيم يصعب تواجدها في الفلسفات الوطنية والقومية الأقل سعة من حيث نطاق اهتمامها، مما يجعل الدين مرشحا طبيعيا لاحتلال قمة نظم القيم المؤثرة على تفكير وحركة أبناء المهاجرين إلى الولايات المتحدة.

وفي العادة ما تنتشر ظاهرة العودة إلى الدين بين بعض فئات المهاجرين وأبنائهم وهو الأمر الواقع حاليا في الأوساط المسلمة الأمريكية والي نعتبره العامل الثالث من عوامل ارتباط القوى المسلمة الأمريكية بقضايا الأمتين المسلمة والعربية.

إذ تشير الإحصاءات - ومن أحدثها دراسة أصدرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في عام 2001 - إلى أنه من بين السبعة ملايين مسلم الموجودين في أمريكا هناك على الأقل 2 مليون مسلم مرتبطين بالمساجد، من بينهم حوالي 400 ألف مسلم يترددون على المساجد بصفة منتظمة ثلثهم على الأقل من صغار السن، وهذا يعني أن الحياة في المساجد الأمريكية تشهد إقبالا ونشاطا واسعين، كما يعني أيضا أن مستقبل هذه المساجد سوف يشهد مزيدا من الازدهار.

كما أنه يعني أن المنظمات والقوى السياسية المسلمة لديها قاعدة جماهيرية واسعة تحتاج فقط للتوعية والتنشيط.

والواضح أيضا أن المراكز والمنظمات المسلمة الأمريكية لا تفتقر إلى مساندين أو مؤيدين، إذ تشير دراسة المساجد نفسها إلى أن 23 % من المساجد لا تجد مشكلة على الإطلاق في العثور على متطوعين راغبين في تولى مناصب قيادية تطوعية داخل المسجد، كما ترتفع نسبة المساجد القادرة على سد حاجتها من المتطوعين حتى ولو بعد تحدي بسيط إلى 80% من المساجد.

ويتضح من ذلك أن اللوبي المسلم الناشئ لا يفتقر إلى قاعدة جماهيرية فلدية قاعدة عريضة وإن كانت تحتاج إلى توعية بأساليب تحويل قوتها العددية إلى قوى سياسية مؤثرة.

والواضح أن وعي المسلمين الأمريكيين بأساليب العمل السياسي والتأثير الإعلامي في تزايد متواصل، فقد بذلت المنظمات المسلمة الأمريكية جهودا عديدة خلال الأعوام الماضية لنشر الوعي بين القيادات المسلمة المحلية في المساجد والمراكز المسلمة بأساليب العمل السياسي والإعلامي، وأثبتت الفترة التالية للحادي من سبتمبر أن جهود المنظمات المسلمة أتت الكثير من الثمار، فقد تعددت مظاهر نجاح المراكز والمساجد المحلية في الاستجابة للأزمة.

ومن هذه المظاهر الإيجابية التعاون مع الإعلاميين في تغطية ردود أفعال مسلمي أمريكا لأحداث سبتمبر وقد قاد هذا التعاون إلى آلاف المقالات الإيجابية التي نشرت في الصحف الأمريكية عن الإسلام والمسلمين في أمريكا منذ سبتمبر الماضي.

ومنها أيضا نشاط المساجد الغير مسبوق في دعوة غير المسلمين إلى زيارة المساجد والتي ساهمت إسهاما كبيرا في تخفيف حدة موجة العداء الشعبي التي اجتاحت المجتمع الأمريكي بعد 11 سبتمبر ضد الإسلام والمسلمين في أمريكا، بعد أن فتحت المساجد أبوابها أمام عشرات الآلاف الأمريكيين المتشوقين إلى معرفة الإسلام.

أضف إلى ذلك الجهود الحالية التي تبذلها المساجد لتسجيل أكبر عدد من الناخبين المسلمين الأمريكيين استعدادا لانتخابات نوفمبر 2000.

أما السبب الرابع من أسباب ارتباط اللوبي المسلم الناشئ بقضايا الأمة المسلمة هو أن الأسباب الثلاثة السابقة انعكست بوضوح على مواقف المنظمات المسلمة الأمريكية السياسية الكبرى تجاه قضايا الأمتين الإسلامية والعربية، إذ تحرص هذه المنظمات على التفاعل مع قضايا العالمين العربي والإسلامي الهامة وعلى رأسها قضية فلسطين وقضية كشمير.

وتحاول هذه المنظمات بشكل دائم التأثير على سياسة أمريكا الخارجية تجاه تلك القضايا، وفي هذا السياق يمكن حصر العديد من الحملات الكبرى التي قادتها هذه المنظمات دفاعا عن قضايا العالمين العربي والإسلامي خاصة قبل أحداث سبتمبر، إذ أثرت أحداث سبتمبر سلبيا على موارد هذه المنظمات واستنزفتها في مواجهة أثار الأزمة السلبية على حقوق وحريات المسلمين في أمريكا.

ولكن من المؤكد أن اهتمام المنظمات المسلمة الأمريكية بقضايا العالمين العربي والإسلامي لم يتأثر، وربما زاد، لأنها تستمده من قاعدة جماهيرية عريضة جدا تؤمن بقضايا أمتها الإسلامية وتتمسك بها.

- انتهى -

كاتب ومحلل سياسي مقيم في واشنطن
alaabayoumi@yahoo.com
الأستاذ علاء بيومي مع التحية