عسكرة الانتفاضة (لعم) ، وشارون هو العقبة السامة ..!
بقلم : أيمن اللبدي ـ فلسطين
(لعم) اشتقاق الخالد أبو عمار ضمن إبداعات اشتقاقية عدة من أجل طريق آمن بينَ آلاف الألغام وعشرات آلاف من
الحفر غدت منطبقة اليوم من فم القيادة الفلسطينية القديمة الجديدة على مسألة
(عسكرة الانتفاضة) ، ولعلها تأمل بـ (لَعَمِها) هذه السير على ذات الأثر من
الخطى تجنباً للمزالق من جهة ، واستحضاراً لذات النفاذ الآمن في الاجتهاد
المسجَّل حصراً في سيرة الرئيس الشهيد والمعلم الباني أبو عمار من جهة أخرى
عند الحديث عن كيفَ تخطو دونَ البلل ودون الزلل في ذات الوقت.
لقد أمكن الوقوف على طبيعة هذه
(اللعم) الجديدة كما غيرها من الإجابات الشافية وذلك من خلال اللقاء القصير
والذي سمح به الوقت بين وفد القيادة الفلسطينية الزائر للملكة العربية
السعودية خلال الأسبوع المنصرم ممثلا بالأخ محمود عباس أبو مازن والأخ أحمد
قريع أبو علاء، وفعاليات حركية عن الإقليم حرصاً على ضرورة التواصل والتلاقي
مع القيادة لتنمية النشاط السليم في دينامية الحوار القائم حالياً وهو ما
ثمّنه الملتقون وحرصوا على تكراره وأعادوا الشكر لحكومة المملكة العربية
السعودية على مواقفها المميزة في نصرة القضية الفلسطينية.
الموقف المكرَّر الذي أعلنه
الأخ أبو مازن حول (عسكرة الانتفاضة) يستندُ إلى اعتبار ما سيكون وليس إلى
اعتبارات آنية قائمة حالياً لم تتوفر لها شروط المستقبل التي ترهن بها مسألة
وقف العسكرة هذه والتي تأتي مبتدأة في ثوب وقف إطلاق نار متبادل بين فصائل
العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني وبين العدو الصهيوني منهية عدوانه الذي دخل
عامه الخامس على التوالي وكنتيجة لقاسم مشترك هو في حقيقته محصلة للحوار
القائم بين هذه الفصائل وينتظر الإعلان عنه ضمن استراتيجية وطنية فلسطينية
متكاملة، وفقط فاتحة لعملية سلام حقيقية وغير مسمومة إذا تأكَّدت مصداقية
الطرف المعتدي.
في حيثيات هذا الموقف السليم
تأتي عملية توحيد الأجهزة الأمنية والمشوار الإصلاحي لهيكلة هذه الأجهزة
والتي يتولاها فريق خصص لذلك بتقدمه مجلس الأمن القومي الفلسطيني ويقف على
رأسه الأخ أبو علاء باعتباره رئيساً لهذا المجلس بحكم انتقال ذلك إليه عقب
استشهاد الأخ أبو عمار ضمن عملية الانتقال السلسة التي تجسَّدت فوراً في
الصفوف الأمامية، وتوحيد الأجهزة الأمنية ضمن هذا السياق تصبح حكماً مطلباً
وطنياً وحركياً كما تصبح عملية ضبط الأسلحة غير الفصائلية وغير الشرعية خارج
إطار هذه الأجهزة وهذه الفصائل، أما ضبط السلاح الفصائلي فهو جزء بلا شك من
مسؤولية هذه الفصائل اتجاه ما ستوقِّع عليه من نتيجة حوارها القائم حالاً
والمنتظر له أن ينتهي خلال شهرين على أبعد تقدير.
مسألة عسكرة الانتفاضة لا تعني
التوقف الفوري عن المقاومة ولا تعني أيضاً إدانة لحق الشعب العربي الفلسطيني
باستعمال الوسائل الأنسب في كل مرحلة من مراحل كفاحه ضد العدوان والاحتلال
دفاعاً عن هذا الشعب ودفاعاً عن مسيرته وحقوقه الثابتة، وفي الوقت الذي تعتبر
فيه بعض أوجه هذه الإبداعات والاجتهادات النوعية في وسيلة الكفاح المسلح
والمقاومة العسكرية ذات قيمة مزدوجة في كل الظروف حينما تتجلى في مكانها
وزمانها ورسالتها الفعّالة مثل إبداع حرب (أنفاق الحرية) المحطمة لأسس موهومة
قيمة الجدران ونظرية الفصل الميكانيكية المنية وموظفاتها الآنية من نوع (جدار
الفصل العنصري)، تبدو بعضها الأخرى معلَّقة على (لعم) تنجذب في أوقات كثيرة
لمركبها الأوَّل الرافض (أي لا) أكثر منها لجزئها الأخير ومنها العمليات
الاستشهادية والقصف على داخل الخط الأخضر الفلسطيني في أحيان أخرى.
إن القيمة العسكرية والحصاد
السياسي لإبداع مقاوماتي من نمط حرب أنفاق الحرية هي أكثر بالتأكيد في
الميزان النوعي ومعها أيضاً مصائد الدبابات من عملية قصف بالشروط القائمة
حاليا في غياب الرادع المحقق لتكافؤ الرعب والمقلل من الأكلاف التالية عند
الرد الصهيوني المتوقع من نمط ما تم القيام به بين المقاومة اللبنانية
والكيان المغتصب في مرحلة ما في جنوب لبنان لأسباب يطول شرحها، وفي ذات الوقت
تبدو أيضا العمليات الاستشهادية كعمليات القصف محتاجة للبعد الجغرافي
والمكانية أساساً قبل اشتقاق انجذابها لأي من طرفي (لعم) وعليه فإن هذه
المسائل تخضع بالتأكيد للقيمة ولمستولى الأكلاف حيث هي في نهاية الأمر وسيلة
لحصاد سياسي ولو كانت وسيلة لردع العدوان في شكلها أيضاً.
إن الإبداع الفلسطيني في
مقاومته كان ولا زال أنجب من أن يعقر على شكل ما أو على وسيلة ما أو على جهة
ما وهو يثبت منذ بدأ هذا الشعب العربي المقاوم المرابط كفاحه في كل مرحلة
قدراته الخلاقة التي تتحقق على الأرض وتبقي كفاحه في قمة العطاء والنقاء معاً
نحو تحقيق أهدافه الوطنية الثابتة، ولقد أكدت القيادة الفلسطينية على ثوابت
الموقف الفلسطيني غير مرة ومنها حق هذا الشعب في المقاومة بكل الطرق مع (لعم)
نحتاجها في بعض الأوقات وفي بعض الأساليب حتى لا تتقاطع مع أي ظرف قد يصبح
ناجزا لموقف سياسي تدعمه هذه الإجابة ويدعمها في كل الأحيان وفي كل الظروف.
وفي هذا المجال تأتي الرسالة
الواضحة التي بدت حاملة لعنوان واحد هو (وحدة البيت الفلسطيني وتمتينه على
أسس قوية) هي عنوان ما تنشط القيادة الفلسطينية على أساسه مؤخرا وما وضعته
لها من مهمة أساسية قبل أي استحقاق آخر، ولعل سلسلة الانتخابات الفلسطينية
وضمنها انتخابات البلديات القادمة وانتخابات المجلس التشريعي وانعقاد مؤتمر
الحركة السادس فضلا عن انتخابات رئاسة السلطة الوطنية والتعديل الحكومي
المرتقب في وزارة الأخ أبو علاء واجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني المستهدفة
من أجل تجديد وتنشيط أجهزة منظمة التحرير الفلسطينية وبما فيها استحقاق
انتخاب رئيس دولة فلسطين هي جميعا تحت عنوان هذه المرحلة القريبة.
ولعل الرؤيا المتبادلة في
تثمين عودة الأخ المناضل مروان البرغوثي عن اجتهاده بالترشّح مستقلا خارج
الإطار الحركي كانت مناسبة لتأكيد الحرص على توفير عناصر الاستقرار أمام حركة
القيادة الفلسطينية في إنجاز جملة هذه الأهداف بالخلوص أولا إلى القواسم
المشتركة نتيجة للحوار الفلسطيني الداخلي على عتبة هذه المهمة الملحة من جهة
في حماية تحريم الدم الفلسطيني مهما كانت الأسباب وهو المسجل أكثر من مرة على
لسان الأخ أبو مازن قديما ومعاداً مؤخراً وتأكيد وحدة الحركة والتفافها حول
هذا المسار من أجل إنجاز عنصر الدفع الحركي والذي هو دون شك النابض المنظم
لتناغم هذه الجزئيات، وبالحديث عن التناغم فإن تناغم أجيال الحركة في داخلها
هو الرد المناسب على كل ما حاولته بعض الرؤى غير السوية مؤخرا متخذة من
اجتهاد مروان دليلا متوقعاً، بيد أن عملية الانسحاب وما رافقها من حوارات بين
مختلف المواقع الحركية بكل أجيالها كان هو المثال الأصدق على عملية التناغم
هذه والتي جاءت موثّقة أكثر من مرة على لسان الأخ فاروق القدومي رئيس الحركة
كما جاءت على لسان الأخوة الزائرين على بوابة المؤتمر الحركي السادس.
صحيح أن انتقالات القيادة
الفلسطينية ضمن زياراتها الأخيرة تهدف أيضا إلى نقل طبيعة الموقف الفلسطيني
إزاء جملة الأضواء المتقطِّعة التي شهدتها سماء الإقليم مؤخراً، إلا أنها
كانت أيضا مناسبة لإعادة توثيق الرؤيا الفلسطينية والمرتكزة عكس ما قالته
الإدارة الأمريكية وما تحمٍّست له بعض القيادات العربية في اتجاه حكومة شارون
وصدقية رغبتها في عملية سلام سليمة سواء وهي في وضع نصف الغياب الحالي أو
ربما بعد اكتمال نصفها الغائب بحزب العمل أو أي من الأحزاب الأخرى، فالمعضلة
الأساسية والتي تمنع أي حركة حقيقية خارج إطار (مكانك راوح) هي شارون ذاته
الذي يؤكِّد كل يوم أنه العقبة السامة في طريق أي سلام وأية تسوية حقيقية
قابلة للحياة تأخذ بعين الاعتبار الجدار الأخير الممكن في ثوابت الشعب
الفلسطيني وعلى رأسها حق العودة والسيادة على كل حدود عام 67 بما فيها القدس
وكنس المستوطنات والدولة السيدة فوق ذلك.
كان التقييم لشارون وما يفعل
قبل ما أعلنه صراحة في خطاب (هرتسيليا) الأخير بمناورة لجرِّ القيادة باتجاه
التنسيق معه في هربه من غزة وتحويله عبر التزامات يقدمها (متوهما) الطرف
الفلسطيني إلى عنوان ما يريد تقديمه على أنه تسوية، ولقد تأكَّد ذلك في خطابه
الأخير إذ أصبحت هذه النوايا علنية ولم تعد تحتاج تحليلا ولا تقييماً، وإذا
كانت التسوية التي تحمل (تنازلات مؤلمة جداً جداً) في فهم شارون هي هذه
التسوية مع حالة موهومة في الضفة الفلسطينية لنوع من التقاسم الوظيفي وإنكار
حق العودة والإمعان في الاستيطان والاغتصاب وتهويد القدس ووضع هذا الحل
(المؤقت /الأبدي) هي هذه (المؤلمة جداً جداً) !!، فإن من حق القيادة
الفلسطينية أن تعلن كما فعلت على الملأ من أن شارون هو العقبة أمام هذا
السلام ونضيف (السامة) ، وتنصرف إلى جهدها في وحدة ومتانة البيت الفلسطيني
ومع ذلك لا يمنع من السماع وإسماع من يرغب بهذا الجواب الصريح والواضح.
ربما ليس من التسرُّع أيضا أن
نعلن ما يكمل ما سبق في مسألة الحكم النهائي بحق نوايا وأفعال شارون وحكومته
رغم ما أشيع عن انضمام حزب العمل لهذه الحكومة طالما بقي شارون هو المسيِّرُ
لهذه الحكومة وبقي الطرف الآخر فيها ممثلا بحزب العمل ليس أكثر من مساحيق
تجميل اقتضتها مصلحة هذه المساحيق بالعودة إلى الوجه مهما كان قبيحا لمصلحتها
الحزبية أساساً ، ليس تسرُّعاً ولا من قبيل الاستعجال ووئد المحتمل أن نعلن
أيضا لهذا العالم (سيما وأن الدلائل متوفِّرة وبكثرة) أنا نعتبر أن لا وجود
لشريك من الطرف الآخر لإنجاز أية تسوية أو حتى عملية سلام وعلى اللجنة
الرباعية والمجتمع الدولي أن يقوم بدوره بينما على سكان الكيان الصهيوني أن
يجدوا لنا شريكاً وفي أثناء ذلك تيقى (لعمنا) في عسكرة الانتفاضة .
-------------
أيمن اللبدي