في يقيني ما أن يقرأ أي عربي هذه العبارة "مجنون عاقل أم عاقل مجنون" حتى يتجه بذهنه التحليلي بأن هذا لغز سهل الحل دون تعقيد .
هذا المجنون العاقل والعاقل المجنون هو سيادة العقيد معمر القذافي
أنا أقر وأعترف بأنني معجب بهذا الرجل أيما إعجاب وبين حين وآخر أفتقده وأنتظر على أحر من الجمر مسلسل مفاجئاته الذي لا ينتهي .
بالقراءة الأولى والثانية والثالثه لكتابه الأخضر ولمبادراته السياسيه القوميه والإقليميه تتشكل مرجعية أساسيه لكل باحث في ((عرب هذا الزمان)) فهو الأنموذج الواضح والصريح لكل القادة العرب دون إستثناء .. فهم بمجموعهم القذافي .. والقذافي بمفرده هم جميعا بلحمهم ودمهم .
هذا الرجل ينتابه موسميا فيروس ((التناقض)) وحين تصيبه هذه الحمى يتفجر بالحكمة والرؤى الثاقبه على هذا لم يكن مستغربا أن قالت العرب قديما ((خذوا الحكمة من أفواه المجانين)) .
هذه هي ميزة القذافي وعلامته الفارقه عن باقي مجانين العرب فزملاؤه القادة الآخرون أستقر بهم الجنون على حال من الثبات لا حراك فيه بينما العقيد وحده ظل عرضة لتناوب النوبات بين العقلانيه والجنون .
فالعقيد مثله مثل كل زعيم عربي ما أن يهل ويطل عبر شاشات الفضائيات حتى أفرك راحتي يدي متمتما ((ها قد حان وقت الفرفشه)) فجسوم قادتنا وهيئاتهم ونطقهم تشكل معا ((أكثر بناء للكوميديا العصريه)) .. ويقينا أنهم يؤدون دورهم بإتقان لدرجة يحسب كل من يراهم أنهم بالفعل يصدقون أنفسهم بأنهم قادة وزعماء .. وخاصة بعض الأقزام منهم ممن إذا نظرت إليه لا تكاد تعرف إذا ما كان يجلس أو أنه يقف .. أو ذاك الذي تنظر إليه فتراه مصابا بحساسية بين الكتف والعنق فكأنما رأسه تم تركيبه على ((زنبرك)) .
إجمالا وحده القذافي من بينهم إكتسب شهرة دوليه رغم أنه نادر الأسفار بينما سواه يركب كل يوم بساط الريح ولا يستريح وكأنه عبر السفر والترحال يريد أن يدفع ما يخالجه من شك بأنه ملك .. فالأمر أحيانا بالنسبة إليه .. لا يصدق .. أجل .. كيف أضحى ملكا ؟؟ هو نفسه يسأل ويتساءل .
وبالعودة إلى العقيد التليد الماجد المجيد .. فليس كله ((كوميديا)) بل إن له شطحات تومض بحكمة يحقق بها سبقا على غيره .
من آخر مستجدات حكمة العقيد هو إعلانه عن إعتزامه ((الإنسحاب من جامعة الدول العربيه)) بل وقيل أنه سيمتنع بعد شهر من التحدث باللغة العربيه
بعضنا قد يعتبر هذا الكلام نوعا من الهرطقه إنما بالتبصر والتروي سنجد أن القذافي .. أصاب كبد الحقيقة فهذه الجامعة العربيه تم إفرازها لتكون ((حائط مبكى للشعوب العربيه)) كما توفر إسفنجة إمتصاص لطموحات الشعوب العربيه السياسيه والإجتماعيه وفي سيرتها ومسيرتها تجذرت في عيوننا ((سرابا خادعا)) بينما ظل الظمأ يحاصرنا ويشتد مع حر الكوارث ولهيب الهزائم ..
ما الذي إستفادته الشعوب العربيه من خيمة عمرو موسى سوى ((السحب على ربابة ابو زيد الهلالي سلامه)) مع بقاء التغريبه هي ذات التغريبه ..
بداية الطريق لإنقاذ العرب من أنفسهم لن يكون سوى ((بالغربله)) وبداية الغربله هو في إسدال الستار على دارة ((عمرو موسى المسماه بالجامعه العربيه)) ففي ذلك توفير وحسن تدبير وإحكام التخطيط للمصير .
فدولة عربية واحده قد تغدو كألف دولة .. فكم رجل يعد بألف ..
كلنا تفاءلنا حين تسلم عمرو موسى هذه الجامعه وقلنا أن الرجل قد يرمم جثة الجامعه الهامده .. وعمرو موسى ما أن أستقر فوق كرسي الأمانه حتى راح يبشر ومن بشاراته أنه إختار حنان عشراوي لمهمة الكلام ... ومضت الشهور فإذا بحنان تعود بخفي حنين وإذا بعمرو موسى .. يراوح مكانه متنقلا بين ميكروفون وميكروفون ... يبوّس اللحى .. ويمسح الجوخ ...
جامعة الدول العربيه إهترأت .. وهزلت وها هو هزالها يبان على لسان القذافي ..
كان المتوقع أن يبادر إلى هدم هذه الخيمه جهة أخرى غير القذافي .. وأعني بهذه الجهة ((الشعب الفلسطيني)) فهذا الشعب هو أكبر ضحايا الجامعة العربيه .. وخروجه منها سيكون لطمة توقظ الجسد العربي المتبلد ..
إجمالا هنالك من سبق القذافي في الإنسحاب من (الزمن العربي الراهن) كان السباق لذلك هو الكروان الشاعر نزار في قصيدته التي نعى فيها العرب ...
ها هم يقولون في عمان ((الأردن أولا)) ويقيمون هيكلا للإقليميه حماية لفسادهم ومفاسدهم .. فهل مع مثل هؤلاء يكون وفاقا واتفاقا .. وقس على ذلك
شكرا لك أيها العقيد .. فمن جنونك نقتطف حكمة ..
|
الدكتور
محمود عوض مع التحيات
|