مبروك ... أم محمد الدرة حامل
بقلم : د . محمود عوض

14:18 28.06.02

روج البعض بأن السلطة الفلسطينية هي بمثابة شوكة في حلق "اسرائيل" ، فيما ذهب البعض لوصف العمليات الإستشهادية على أنها منجل في البلعوم "الإسرائيلي" . ولا شك بأن "اسرائيل" تستطيع بترسانتها العسكرية مواجهة كلى الأمرين (الشوكة و المنجل) .
فالشوكة يسهل عليها إخراجها من الحلق ولكنها أمام المنجل وإخراجه من البلعوم ستدفع ثمنا باهظا غير أن هنالك ما هو أخطر من الشوكة والمنجل معا وهذا الإخطر هو تلك البلطة الجاثمة على العنق "الإسرائيلي" .
هذه البلطة هي في الحقيقة ما تطارده "اسرائيل" دون الإعلان عن ذلك صراحة وهي الكتلة البشرية الماثلة في أربعة ملايين ونصف فلسطيني يجثمون كالصخر فوق صدرها ويوما بعد يوم وشهرا بعد شهر يزداد ضيق تنفسها وتدرك أن هذا "الطوفان" السكاني سيغرقها يوما ما .
هذه هي العقدة الإستراتيجية التي يواجهها الكيان الصهيوني وهي رغم الغزو ورغم القصف لم تصب بخدش فالأرقام تتحدث على أن الإزدياد في عدد الفلسطينيين خلال الإنتفاضة يعادل ثلاثة أضعاف وأكثر من عدد الشهداء والجرحى .
الأرقام وحدها تتحدث بأن مذبحة جنين لم تحدث ما أراده منها شارون وهو أن يطلق الفلسطينيون سيقانهم للريح ..
كل وسائل البطش وهي مخططة بشكل منهجي ومبرمج هدفت وما زالت تهدف إلى تحطيم العشق الجماعي الفلسطيني للوطن وإقناعه بأنه يعيش في جهنم وعليه أن يبحث عن مكان آخر .
هنا تتجلى هزيمة "اسرائيل" الإستراتيجيه .. فهي حتى لو قضت على الإنتفاضة ولو حتى توقفت العمليات الإستشهادية فسيبقى شعب فلسطين المخزون الأساس في المعركة .
ما الذي ستفعله.. كيف تقضي على هذا الخطر الإستراتيجي ؟؟ هذا هو السؤال الذي يؤرقهم وهذا ما لا يستطيعون قوله علنا .. فما بالك كيف إذن يستطيعون إبادة شعب علنا وفي وضح النهار ..
الزمن تخطاهم في حسم هذه المسألة .. وشعب فلسطين يوما بعد آخر يكشف صدره العاري مرحبا بالموت في سبيل الحياة .. هو يتحداهم بأن يقدموا على إرتكاب مجازر جماعيه .. وكم يتمنى "الإسرائيليون" ذلك لكنهم في قيود من ((مواصفات عولمة الذبح)) .. فقد يغض العالم الطرف عن جنين لكنه لن يغض الطرف عن تكرارها ..
إذن "اسرائيل" تكذب وتخدع نفسها عندما تحاول تقزيم الصراع .. فهي لا تطارد سوى مجموع الأربعة ملايين ونصف فلسطيني ولا قدرة لديها على تحقيق مأربها .. "اسرائيل" تعرف أنها بضرب مباني الأمن الفلسطيني والمؤسسات لا تنجز شيئا فالمباني سيستعيض عنها الفلسطينيون بالخيام .. المسألة ليست مباني ... وليست إعتقال المئات .. وليست حصارا ومنع تجول .. وليست رجال مقاومة أو إستشهاد .. المسألة هي أربعة وملايين ونصف مرشحون ليصبحوا قريبا عشرة ملايين فما بالك بعد خمسين عاما ..
هذا هو البطن الذي حمل وأنجب .. الإنتفاضة والمقاومة والمستشهديين وأطفال الحجارة .. هذا البطن هو ما تريد "اسرائيل" .. بقره .. وتمزيق أحشائه ..
هل جاءكم نبأ أن والدة محمد الدرة حامل بدرة جديد ؟
هذه هي معضلة "اسرائيل" الإستراتيجيه .. أم محمد الدرة حامل ..
في رائعته - طائر الفينيق - يرسم عبد الوهاب زاهده .. مشهد عودة روح الدرة .. عودة الروح الجماعيه :

قالوا سنوريهِ الثرى وسطَ الظلام
نمضي وراءَ جنازِهِ .. وبلا كلام
وتساءلوا
وتجادلوا
من ذا سَيغُمٍضُ رمشَهُ ؟؟
من ذا سيحمِلُ نعشَه ؟؟
وبقيتَ وحدكَ في النهايه
لتكونَ خاتمةَ الروايه
فأتت تلازمُكَ الثكالى
واليتامى
والأرامل
وتقاطرت كلّ التلالِ مع الجداول
****
وتوافدَ الأقصى وأجراسُ الجلاجل
وتجمهرَ الأطفالُ من فوق السلاسل
يتصايحونَ لقد خُلقنا .. كي نناضل
جاؤوا بقربه لامَسوه
سمّوا عليهِ تحسّسوه
هتفوا : لقد نهضَ الفينيقْ
عيناه تومضُ بالبريق

مقطع القصيدة عن موقع عرب تايمز :ARABTIMES

الدكتور محمود عوض مع التحيات