عرفات أو لعنة الفراعنه
بقلم : د . محمود عوض

15:22 13.09.02

أغبياء أولئك الذين يستهينون بقدرة الرئيس عرفات على المناورة للخروج من أي مأزق يقع فيه . فعرفات كما تبث بالتجربه يتقن جيدا فن إحتواء الأزمات .. وما من أزمة مر بها إلا ظن المراقبون أنها الأزمة التي ستعصف "بالختيار .. ابو عمار" بل الغريب أن أزمة القضاء والقدر حين سقطت طائرته تخطاها وخرج من جوف الصحراء الليبيه مشيرا كعادته بعلامة النصر .
والأغرب والأعجب والأكثر دهشة أنه حين يكاد يلفظ أنفاسه تمتد نفس اليد التي تضغط على عنقه لتميرير أكسجين الحياة إلى رئته السياسيه ..
في حالته بعد حرب الخليج التي وصل فيها إلى الموت السريري جاءه قارب النجاة من اوسلو يدفع به بمجاديف التسويه شمعون بيرز بأشرعة حزب العمل ورابين .
على عنقه يضغط هذه الأيام بكلتا يديه الرئيس الأمريكي بوش .. وفي كل مرة تكاد فيها روحه أن تفيض تحدث ثغرة بين الأصابع الضاغضه ليعود عرفات للتنفس ورفع علامة النصر التقليديه
على كل أمر وحول كل قضيه إنقسم الفلسطينييون واختلفوا وتناحروا سوى أمر واحد أجمعوا عليه .. هو الواحد الوحيد في تاريخهم السياسي وذلك أن عرفات هو الرئيس المتفق عليه بالإنتخابات وبغير الإنتخابات
جميع التنظيمات الفلسطينيه بمن فيها حماس حين يتحدثون عنه ويأتون على سيرته يصفونه ويلقبونه بالرئيس
هل يتصور أحد بين هذه التعددية المتحاربه المتخاصمه المنقسمه من التنظيمات الفلسطينيه أن يبقى رجل على قمتها دون منازع ولو لعدة أشهر فما بالك وقد بقي عرفات عقودا من الزمن وما زال .
في باب السخريه يتهامس فلسطينييون بأن المعاهدة الوحيدة التي أجاد عرفات صياغتها هي معاهدته مع عزرائيل ملاك الموت وقابض الأرواح ... كل رفاق دربه ماتوا وما زال على قيد الحياة .
واليوم يسود الإعتقاد أن أيامه السياسيه باتت معدوده ..
كثيرون بعد إنتفاضة المجلس التشريعي بعدم منح الثقة لحكومة عرفات راحوا يفسرون الأمر على أنه "إعلان وفاة لهذا الرجل" . في يقيني أن هؤلاء تسرعوا كما هي العادة في كل أزمة واجهها في السابق . بالتمعن والتمحيص في معالجة عرفات لهذه الأزمة سنجد أنه بلغ السقف الأعلى في الفن الذي أتقنه ... فن إحتواء الأزمات . ها هو مثلا يضع الحل بإعلان موعد للإنتخابات في مطلع العام القادم
مجرد الإعلان هذا يجيء كمرهم لتسكين الأوجاع ووضع المجلس التشريعي في إجازة مدفوعة الأجر . وبالتأكيد فإن لدى عرفات وقت كافي قبل الإنتخابات ولو بأسبوع ليقول بتعذر إجراء الإنتخابات ولو لبقاء قوات اسرائيليه فوق سطج منزل في مناطق السلطه . هكذا فإن هذه الأزمة قياسا على مثيلاتها في تاريخ الرجل ستطيل عمره ولن تقصره .
فالمجلس التشريعي لم يسحب الثقة من حكومة عرفات بل سيتبين أنه سحب الثقة من نفسه أي من ذات المجلس التشريعي . أعضاء المجلس التشريعي كلما إقترب موعد الإنتخابات الذي أعلنه عرفات سيشعرون أن الأرض تميد بهم ذلك أن أملهم بالفوز سيكون كأمل إبليس في الجنة .. فهم يدركون أن شعبيتهم في الشارع الفلسطيني هي صفر مكرر وأن عرفات لن يمنحهم أوراقا مزورة في صناديق الإنتخابات عقابا لهم بل سيمنحها لغيرهم وهم أكثر من الهم على القلب . فما هو الحل أمامهم سوى أن يعلنوا التوبه ؟؟ وحينها يلغي عرفات موعد الإنتخابات بالتأجيل . اللعنه إذن باقيه .. وما لم ينجح في إنجازه أقطاب الدنيا في التخلص من عرفات لن ينجح فيه رجال يجتمعون في قاعة محاصرة بالدبابات الإسرائيليه تسمى المجلس التشريعي ويسميها الفلسطينيون المجلس التشريفي .

الدكتور محمود عوض مع التحيات