معاً ضد التطبيع مع العدو الصهيوني
د. هشام البستاني

26/2/2002

صدر هذا المقال في صورة مطوية توعوية عن نقابة اطباء الاسنان الاردنية، وهو يأتي في هذه اللحظات العصيبة ليقدم مدخلا مبسطا للناس عن ماهية التطبيع مع العدو الصهيوني، خلفياته وآثاره المدمرة على الصعد كافة، وليشكل تحية بسيطة لمقاومي التطبيع في مصر والكويت الذين يخوضون معارك حاليا ضد مطبعين سفلة، وليكون عونا للمواطن العربي وهو يقاوم الهزيمة والعدوان على حد سواء.

مدخل : ما هو التطبيع؟ - الحرامي والأربعون علي بابا
الكيان الصهيوني (الذي يخطئ البعض بتسميته "إسرائيل") هو جسم غريب زرعه الاستعمار في قلب الوطن العربي ليمثل "حاجزاً بشرياً غريباً" يفصل شطريه (أي الجزء الآسيوي والجزء الأفريقي) عن بعضهما، وليكون قاعدة اقتصادية متقدمة للإمبريالية في منطقتنا فتفرض السياسات الاستغلالية البشعة للرأسمالية عن طريقها، وليمثل حارساً استراتيجياً على "دم العالم الصناعي"، أي النفط، وقاعدة عسكرية متقدمة لضرب أي محاولة عربية تنزع إلى الوحدة والاستقلالية والتصنيع والانفكاك من الهيمنة.
ولأن الكيان الصهيوني جسم غريب، أي لا يمثل امتداداً او تواصلاً على كافة الصعد مع المنطقة العربية وثقافتها وتاريخها، بل على العكس جاء ليقطع هذا الامتداد والتواصل، ولأن الكيان الصهيوني زرعه الاستعمار، أي فرضته قوى خارجية رغما عن إرادة الجماهير العربية، وذلك بتنفيذ اكبر وافظع عملية سرقة منظمة للأرض في التاريخ، ولأن الصهاينة الغزاة هم أقلية عددية ضمن حجم ديمغرافي عربي هائل (حوالي 5 مليون صهيوني وسط 300 مليون عربي)، فإن المشروع التاريخي لهذا الكيان ليحقق انتصاره وينفذ أجندته، هو ان يصبح كياناً طبيعياً ومقبولا، وأن يصبح دولة شرعية يعترف بها أصحاب الحق، وبهذا تنتفي مسألة السرقة المنظمة للأرض، وتمحى فلسطين العربية من الخارطة لتحل محلها "إسرائيل" الصهيونية/ الإمبريالية.

  • وهنا تأتي مسألة التطبيع :

  • ان التطبيع ببساطة هو الاعتراف بشرعية دولة اللصوص المسماة "إسرائيل"، مما يمهد السبل امام فتح أبواب العلاقات الثقافية/السياسية/الاقتصادية معها، ليتغلغل منها هؤلاء اللصوص مدشنين بذلك مشروعهم الاستراتيجي داخل باقي اقطار الوطن العربي. التطبيع ببساطة اشد: هو أن تعترف بحق اللص الذي سرق بيت أخيك وطرده هو وعائلته إلى الشارع، فتفتح له بيتك ليقوم بسرقتك وطردك فيما بعد.

    وفيما يلي تعريفات اكثر دقة :
    التطبيع (بحسب تعريف لجنة مقاومة التطبيع النقابية الاردنية) هو "كل فكر او قول او عمل اختياري او صمت عن او قبول لفكر او قول او فعل يؤدي الى او يعمل على ازالة حالة العداء مع المحتل الصهيوني الدخيل، بطريقة مباشرة او غير مباشرة، خضوعا او قبولا لسياسة الامر الواقع، او اقتناعا بها، او لاية اسباب اخرى، ويضفي على وجود هذا العدو اية نسبة او شكل من اشكال الشرعية على الارض التي اغتصبها، ويكرس ملكيتها او السيادة عليها [له]، حيث لا يملك احد، مهما كانت صفته، الصلاحية او الحق في التنازل عن ارض الوطن وحرمان اجيال المستقبل منها، او من فرص العمل على استعادتها من الاحتلال والاغتصاب".

    اما المطبع فهو الذي يتعامل مع دولة العدو الصهيوني ومؤسساتها، سواءا كانت سياسية او اقتصادية او ثقافية او اعلامية او اجتماعية او عسكرية او غيرها، او يعترف بحق "اسرائيل" بالوجود، او يساهم بتكريس الاحتلال باي سبيل من السبل.
    ان القصة الشهيرة التي ينتصر فيها علي بابا -الشاب العربي الواثق- على أربعين حرامياً، تصبح عند القبول بالتطبيع مقلوبة، فينتصر حرامي واحد اسمه الكيان الصهيوني، دون جهد يذكر، على أربعين علي بابا!!!
    فهل نعترف بشرعية لصوص؟؟؟ وهل نقبل التطبيع معهم؟؟؟

    سلام؟ يا سلام! - وعد عرقوب
    بعد الهزائم العربية المتتالية منذ العام 1948، ونتيجة للشرذمة التي عانت منها الجماهير العربية تحت حكم الأنظمة التابعة للمركز الامبريالي، وبعد انهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت تمثل صمام الأمان امام الامبريالية، وبعد القضاء على العقبة الكبرى المسماة: العراق، عن طريق الاجهاز على قوته العسكرية/الصناعية والانتقال للاجهاز على شعبه (اكثر من مليوني شهيد نتيجة للحصار حتى الان)، قامت معظم الانظمة العربية -بدعوى "الواقعية السياسية" و"ظروف المرحلة" و"تأثير القطب الواحد"- بالانخراط العلني فيما سمي بمسيرة "السلام"، وذلك بعد ان كانت لسنوات سبقت على اتصال سري مع قادة الكيان الصهيوني.

    ولجعل عملية الاجتماع مع العدو واستقباله وممالحته والجلوس معه على طاولة واحدة عملية "مقبولة" شعبيا، وعدت هذه الانظمة شعوبها (على طريقة الرشاوي الغير مقبوضة) بالسمن والعسل الفوريان نتيجة لتوفر "الرضى الامريكي" والاندماج في "المنظومة الدولية والنظام العالمي الجديد" ضمن معادلات لم يحصل مثلها في التاريخ. ولكن هل يصدق "عرقوب"؟؟

    نحن الآن في العام 2001، اي بعد 22 سنة من توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وعشر سنوات من مؤتمر مدريد، وسبع سنوات من توقيع اوسلو ووادي عربة، فماذا تحقق؟
    حصل الكيان الصهيوني (دولة اللصوص) على شرعية الوجود من اصحاب الحق، وبهذا انتفت لصوصيته بجرة قلم الأنظمة العربية، ولم يعد في ساحة الأعداء، بل أصبح حليفاً لبعض الأنظمة.
    لم تحرر ارض عربية ابداً: فالجولان محتل، وفلسطين محتلة بكاملها بقوة السلاح الصهيوني/الأمريكي، والأراضي الأردنية المحتلة أُجِّرَت بعد معاهدة السلام للكيان الصهيوني بمبالغ زهيدة ولمدد طويلة، وهي فعلياً تحت السيادة الصهيونية. الأرض الوحيدة التي تحررت هي جنوب لبنان، بقوة السلاح.

    ازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً، واكتملت دائرة الارتهان بحيث أصبح القرار الاقتصادي العربي بأيدي مؤسسات العولمة، تحديداً: البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، والتي بدورها فرضت خصخصة القطاع العام، وتعويم أسعار صرف العملات المحلية، وتخفيض الانفاق الحكومي على قطاعات التعليم والصحة والنقل والضمان الاجتماعي، وهي عوامل ادت وتؤدي الى ارتفاع تكاليف المعيشة الى ارقام خيالية، وانهيار الصناعات المحلية، وازدياد معدلات البطالة. اضافة الى ذلك فقد استغل الكيان الصهيوني حالة الانفتاح التشريعي التي اوجدتها السلطة، فبدأت باقامة المصانع في مناطق اربد والكرك الصناعية الخاصة حيث توفر السلطة جميع البنى التحتية بدون مقابل تقريبا، وتشغيل الفتيات لساعات طويلة تصل الى 12 ساعة يوميا مقابل مرتبات زهيدة لا تتعدى 60 دينار شهريا ضمن ظروف غاية في الاهانة والقسوة، وذلك مقابل ارباح هائلة تجنيها هذه الشركات لقاء تصديرها الى الولايات المتحدة بدون حواجز جمركية ضمن صيغة المناطق الصناعية المؤهلة QIZ التي استحدثتها الولايات المتحدة لتشجيع التطبيع.

    لايزال قتل العرب في فلسطين امرا يوميا، وكذلك هدم البيوت، والاعتقال، والتعذيب، واغلاق وعزل المناطق العربية، ... الخ، بل ان كل هذا قد تفاقم بعد توقيع اتفاقيات "السلام".
    تحولت فلسطين العربية التاريخية الى "الضفة وقطاع غزة"، ثم الى كانتونات معزولة تحمل اسم ا، ب، ج تقع تحت سيادة اي ضابط صهيوني يقرر اجتياحها او قصفها. وتحولت قضية اللاجئين من قضية عودة الى قضية تعويض.
    وبعد، فهل هذه (وهي قليل من كثير) هي "ثمار السلام" المزعومة؟ فليذهب السلام وثماره الى الجحيم.

    ماذا نفعل؟ - قيامة العنقاء
    المواطنون هم الفئة التي يستهدفها دعاة التطبيع بكثافة. لماذا؟ لانهم يريدون تزوير وعيهم وقهر ارادتهم واعادة تشكيلهم ضمن سياق جديد يعمق فيهم الشعور بالهزيمة واليأس من التغيير في مقدمة لادماجهم في البرنامج النقيض للمشروع العربي، اي المشروع النقيض لهم بالذات، مشروع يسمي الكيان الصهيوني: اسرائيل، ويسمي الضفة وقطاع غزة: فلسطين، ويسمي الشرق العربي: الشرق الاوسط، ويسمي الاستسلام: سلام الشجعان، ويسمي العراق: تهديد لامن الجيران، ويسمي المقاومة: ارهاب. يا للبؤس. هذا هو المشروع الذي يجب ان نرفضه تماما.

    ان جبهة الدفاع الاولى عن الوطن هي منع السرطان الصهيوني من التغلغل اكثر، اي مقاومة التطبيع. كيف؟؟
    1 ـ    لا تشارك في اي نشاطات او برامج او مخيمات او فعاليات او مسابقات يشارك فيها افراد او مؤسسات من الكيان الصهيوني. اسأل دائما عن المشاركين والمحاضرين، واذا اكتشفت وجود صهاينة، اخبر اصدقائك واعلنوا مقاطعة الفعالية وانسحبوا. ان برامج مثل "بذور السلام"
    (Seeds of Peace) لم تكن لتنجح لولا المشاركة الطلابية العربية من مدارس مثل مدرسة اليوبيل الاردنية وغيرها. ارفضوا المشاركة.
    2 ـ    لا تشارك في المطبوعات التطبيعية مثل نشرة
    Crossing Borders التي تستهدف الشباب اساسا، سواءا اكانت المشاركة بالكتابة او الاقتناء والقراءة. اخبر اصدقائك عنها، واخبر المسؤولين عن الاماكن التي تعرض فيها ان يزيلوها عن واجهات العرض.
    3 ـ    مرن ارادتك على المقاومة عن طريق مقاطعة البضائع الامريكية، فامريكا كما يعلم الجميع هي الراعي الاول للكيان الصهيوني. ان الهدف من المقاطعة هو ليس اسقاط اميركا اقتصاديا، بل هو تمرين شعبي على رفض روح الهزيمة والانتقال الى الفعل الايجابي. قاطع المشروبات الغازية ومطاعم الوجبات السريعة الامريكية وابحث عن بدائل محلية، ادع اصدقائك لعمل نفس الشئ، واخبر المسؤول عن مطعم الجامعة او المدرسة او سوبرماركت الحي ان يتوقف عن احضار المنتوجات الاميركية.
    4 ـ    احيي المناسبات الوطنية، مثل ذكرى معركة الكرامة حين ادى التلاحم النضالي العربي (المقاومة العربية الفلسطينية والجيش العربي الاردني) الى دحر العدوان الصهيوني على الاردن، وذكرى يوم الارض حين قتلت قوات الاحتلال الصهيونية عددا من عرب فلسطين المحتلة عام 48، وعيد الجيش العربي الاردني الذي قدم مئات الشهداء على ارض فلسطين، وذكرى مذابح صبرا وشاتيلا وقانا وملجأ العامرية.
    5 ـ    لا تستسلم لروح الهزيمة، ولا ترض بالامر الواقع، ففلسطين عربية من النهر الى البحر وهي لا تساوي ابدا الضفة والقطاع، والكيان الصهيوني هو عدو غاصب محتل وليس صديقا اسمه "اسرائيل"، والارض العربية الفلسطينية، وكل الاراضي العربية المحتلة، هي ملك للاجيال العربية المتعاقبة، لا يملك احد حق التنازل عنها. ليكن خطابك راديكاليا دائما، ولا تهادن، فتلك هي اولى خطوات الهزيمة، ولا تتوقع الانتصار غدا، فتلك هي اولى خطوات اليأس.
    فلنكن كما العنقاء الاسطورية، نبعث من بين الرماد، ونعيد الحياة لواقع خرب، ولو بعد حين.