عبر ليالي غزو رام الله ونابلس وجنين كان يطيب لي قضاء السهرة
كأي مواطن عربي في مشاهدة الدم الفلسطيني بالألوان في تقارير تبثها
الفضائيات العربيه.
ولشدة ضيقي بالوحدة فقد إخترت كل ليلة صديقا فلسطينيا ألازمه طوال
السهرة ليضيف لي ما قد يغيب إلتقاطه على مراسلي تلك الفضائيات
.
لكن لا بد من أن ألفت الإنتباه إلى أنني رجل يختزن في ذاكرته شمولية
لما يشاهده وهذه نقطة تعتبر لصالحي على أية حال .
فمثلا الاغلبية الغالبة من الأشقاء العرب أفزعهم اللون القاني
لدم أطفال فلسطين وهو يسيل على حراب الإسرائيليين لكن هؤلاء الأشقاء
قفزوا عن لون أحمر قاني كان يتدلى من رقاب فلسطينيين آخرين على
شكل ربطات أعناقهم حين كانوا يتقاطرون واحدا بعد الآخر ليعلقوا
على الأحداث .
فلماذا عمى الألوان؟؟
لماذا رأينا الأحمر القاني على أرصفة البلدة القديمة في نابلس
ولم نشاهده على صدر احمد قريع ونبيل عمرو وياسر عبد ربه في ربطات
أعناقهم المستوردة من باريس .
لماذا نعمى ونتعامى عن الصورة المشرقه
فقط .. تذهلنا صورة المرأة الفلسطينية التي راحت تهيل التراب على
رأسها في مخيم جنين وشعرها منكوش أغبر بينما لا نرى شعر نبيل عمرو
المغطى بطبقة من الكريم والمسدل على يد خبير تجميل .
السنا ننتقص الصورة ولا نرى سوى الجانب المظلم منها ..
لقد نبهت صديقي الفلسطيني إلى ذلك حين كان يشير غاضبا إلى معاناة
الفلسطينيين تحت الحصار ... قائلا له : ولكن وزراء السلطه والرموز
هم أيضا يعانون من الحصار في رام الله .
تساءل متعجبا : وكيف يكون ذلك ؟؟
قلت ها هم كلما ظهروا في الفضائيات يجأرون بالشكوى من المعاناة
.
ضحك وقال : حقا إنهم يعانون من الحصار لأنهم يفتقدون سكرتيرات
مكاتبهم فالوزارات مغلقه .
أجبت : إذن فالحرمان شامل
أطفال يحرمون من الفتات ووزراء يحرمون من السكرتيرات .
عدت لأستلقي فوق وسادتي الخاليه وتزاحمت صور عديدة في مخيلتي وكانت
تصحبها تساؤلات تصيبني بالأرق فلا أنام .
منها على سبيل المثال :ماذا سيكون حال شعب فلسطين إذا إنتصرت اسرائيل
.
الجواب كما قال صديقي الفلسطينني : هو أن يغرق في الإحتلال .
وماذا سيكون حال شعب فلسطين إذا إنتصرت الإنتفاضه .
الجواب كما قال صديقي : هو أن لصوص السلطة سيسرقون إنتفاضة الأقصى
كما سرقوا الإنتفاضة الأولى .
الشعب الفلسطيني إذن .. منهوب ... منهوب ... منهوب