حركة وأهداف مسلمي أمريكا على
الصعيد السياسي في المستقبل المنظور
بقلم : علاء بيومي
*********
"المقالة الأولى"

نشأة أجندة مسلمي أمريكا السياسية وبنودها الأساسية
تتناول هذه السلسلة أجندة مسلمي أمريكا السياسية وتطورها خلال العامين الماضيين ومستقبلها في عام 2002، كما تتناول أيضا أهم العوامل السياسية الأمريكية والدولية التي أثرت على أهداف مسلمي أمريكا وحركتهم على الصعيد السياسي، وقد شهد العامان الماضيان العديد من الأحداث الجسام وعلى رأسها أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي التي تركت بصمتها الأبدية على أوضاع المسلمين داخل وخارج أمريكا، ولذا رأينا أن نقدم في هذه السلسلة محاولة جادة للتعرف على أجندة مسلمي أمريكا السياسية عن قرب ولاستشراف مستقبلها خلال عام 2002

والمعروف أن أجندة مسلمي أمريكا تطورت تطورا كبيرا خلال السنوات العشرة الأخيرة من القرن العشرين، وخاصة بعد تأسيس مؤسسات مسلمي أمريكا السياسية الأربعة الكبرى وهي - مرتبة وفق تاريخ إنشائها - مجلس الشؤون العامة الإسلامية (MPAC) والذي أسس في عام 1988، والمجلس الإسلامي الأمريكي (AMC) الذي أسس في عام 1990 ، مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) والذي أسس في عام 1994، والاتحاد الإسلامي الأمريكي (AMA) والذي أسس في عام 1994.

وقد كان تأسيس هذه المؤسسات السياسية الأربعة تعبيرا عن القوة المتزايدة للمسلمين الأمريكين سواء على مستوى عددهم الذي يقدر حاليا بحوالي سبعة ملايين أو على مستوى إمكاناتهم التعليمية والإقتصادية والعمرية، حيث تشير دراسة أصدرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في عام 2001 - عن المساجد في أمريكا وعن خصائص المجتمع الأمريكي المسلم - إلى القدرات العالية التي يتمتع بها الناشطون المسلمون بتلك المساجد، حيث أن 81 % منهم من الحاصلين على شهاداتهم الثانوية على الأقل، و48 % منهم حاصلين على شهادتهم الجامعية، ومن الناحية العمرية يتميزون بالشباب حيث أن 47 % منهم تقل أعمارهم عن 35 عاما، وتنحصر نسبة من تزيد أعمارهم على ال 60 عاما في 11 % فقط منهم. كما تشير الإحصاءات إلى أن هذه النسب في إستقرار وفي نمو خاصة أن 30 % من هؤلاء النشطين هم من المسلمين الجدد.

ولذا كان تأسيس هذه المؤسسات إيذانا بمرحلة جديدة من مراحل الوجود السياسي للمسلمين في أمريكا، يلتفتون فيها إلى تحقيق مصالحهم السياسية داخل أمريكا بأسلوب أكثر تنظيما ومثابرة، وسرعان ما بدأت ملامح أجندة سياسية مسلمة أمريكية موحدة في الظهور في أواخر التسعينات، وقد تشكلت هذه الأجندة من أربعة بنود أساسية وهي تشجيع مشاركة مسلمي أمريكا في العملية السياسية الأمريكية، والدفاع عن الحقوق المدنية لمسلمي أمريكا، ومحاولة التأثير على سياسة أمريكا الخارجية تجاه العالمين العربي والإسلامي، ومكافحة محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي.

ومن المتوقع أن تشكل هذه البنود الأربعة أجندة مسلمي أمريكا خلال عام 2002 وفي المستقبل المنظور، وهذا لا يعني جمود أجندة مسلمي أمريكا السياسية، وإنما يعني أن البنود الأربعة هي بنود عامة تعبر عن حاجات سياسية أساسية لمسلمي أمريكا، وأنه يتحتم على منظمات مسلمي أمريكا السياسية بين حين وأخر إعادة ملئ هذه البنود الأربعة العامة بعدد من القضايا والحملات السياسية الجديدة الهامة.

  • الحلقة الأولى
    عام 2000 ومظاهر نضح أجندة مسلمي أمريكا السياسية

  • والواضح أن أجندة مسلمي أمريكا السياسية وصلت إلى درجة نضج غير مسبوقة في نهاية عام 2000 ويرجع السبب في ذلك إلى أربعة أسباب أو مظاهر أساسية:

    أولا : أهمية القضايا التي امتلأت بها أجندة عام 2000، فعلى صعيد تشجيع مشاركة مسلمي أمريكا في العملية السياسية الأمريكية اهتم مسلمو أمريكا بالمشاركة في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2000 عن طريق تسجيل أكبر عدد من المسلمين الأمريكيين في القوائم الانتخابية وعن طريق تكوين أول كتلة انتخابية مسلمة أمريكية في التاريخ بالتوحد للتصويت لأحد مرشحي الرئاسة.

    وعلى صعيد الحقوق المدنية خاض مسلمو أمريكا حملة كبيرة لإبطال قانون الأدلة السرية وهو بند بقوانين مكافحة الإرهاب لعام 1996 كان يسمح باستخدام أدلة سرية في القبض على واعتقال المتهمين الأجانب من قبل سلطات الهجرة والتوطين الأمريكية، وقد أضفت حملة مكافحة قانون الأدلة السرية نوعا من النضج على أجندة مسلمي أمريكا السياسية الخاصة بالحقوق المدنية، فقبل الأدلة السرية اتصف اهتمام مسلمي أمريكا بقضايا الحقوق المدنية بالعمومية وبغياب الأجندة التشريعية، ولذا كانت حملة إبطال قانون الأدلة السرية درسا لمسلمي أمريكا في كيفية التأثير على صناع القرار السياسي والتشريعي الأمريكي - وخاصة بالكونجرس - بخصوص قضية محددة.

    وعلى مستوى التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية بخصوص قضايا العالمين العربي والإسلامي اهتم مسلمي أمريكا أساسا بقضية فلسطين بعد العثرات المتتالية لعملية السلام خلال عام 2000 والتي قادت إلى اندلاع انتفاضة الأقصى في نهاية العام وكما اهتموا أيضا بقضية تخفيف الحصار الاقتصادي عن الشعب العراقي وضمان وصول المساعدات الإنسانية لأطفال العراق. وعلى المستوى الإعلامي اهتم مسلمو أمريكا بتزويد الإعلام بأكبر قدر من المعلومات عن توجهات مسلمي أمريكا تجاه الأحزاب السياسية ومرشحي الرئاسة، كما اهتموا أيضا بالحديث عن نموهم العددي وعن رغبتهم في تحويل هذه النمو إلى قوة سياسية خلال انتخابات عام 2000، كما واجه مسلمو أمريكا بعض الحملات الإعلامية الأمريكية المتعلقة بقضايا العالم الإسلامي والتي تضمنت إساءات بالجملة للإسلام والمسلمين ومنها حملة اتهام مسلمو السودان بإتباع سياسة عنصرية استعبادية تجاه سكان الجنوب وحملة اتهام الإسلام والمسلمين بالتطرف والعنف في صراع الشرق الأوسط.

    ثانيا : تكامل قضايا أجندة عام 2000، ونقصد بذلك عدم وجود تعارض بين عناصرها الأربعة الأساسية، ويرجع ذلك بالأساس إلى تقرب مرشح الرئاسة الجمهوري - في ذلك الوقت - جورج بوش من المسلمين الأمريكيين لجذب أصواتهم تقربا نسبيا مقارنة بمرشح الرئاسة الديمقراطي آل جور، وقد وعد بوش المسلمين والعرب الأمريكيين بتأييد حملة إبطال قانون الأدلة السرية إذا نجح في انتخابات الرئاسة، كما وجد مسلمو أمريكا في فوز آل جور - الذي أحجم عن التقرب إليهم - مأساة لقضايا المسلمين والعرب الخارجية وعلى رأسها القضية الفلسطينية لما هو معروف عن آل جور من تأييد مطلق لإسرائيل.

    وقد أضفى تقرب بوش من المسلمين مسحة تكامل على الأجندة، لأن فوزه كان سيعني للمسلمين - وفقا لرؤيتهم في ذلك الوقت - حلا لمشكلة قانون الأدلة السرية، ونجاحهم في مساعدة رئيس أمريكي للوصول إلى كرسي الرئاسة، وتلقينهم درسا لآل جور بسبب تأييده المطلق لإسرائيل. كما توقع المسلمون الأمريكيون أن ينعكس نجاحهم السياسي على تحسين صورتهم في الإعلام الأمريكي، وهو الأمر الذي رأي المسلمون الأمريكيون بعض بوادره الإيجابية في أواخر عام 2000 وأوائل عام 2001 حين إهتمت الصحافة الأمريكية إهتماما ملحوظا بتغطية نتائج استطلاعات الرأي التي أجرتها المنظمات المسلمة الأمريكية حول توجهات مسلمي أمريكا السياسية والتي شهدت تزايدا كبيرا في تأييد مسلمي أمريكا لجورج بوش خاصة بعد قرار أصدره مجلس التنسيق السياسي الإسلامي الأمريكي والذي يجمع في عضويته المنظمات المسلمة الأمريكية السياسية الأربعة الكبرى - في أغسطس 2000 - بتأييد جورج بوش كمرشح المسلمين المفضل في انتخابات عام 2000.

    ثالثا :نجاح أهداف أجندة عام 2000 نسبيا، فقد نجح مسلمو أمريكا في تكوين أول كتلة انتخابية سياسية موحدة لمسلمي أمريكا، كما ساهموا في نجاح مرشح الرئاسة الجمهوري جورج بوش الذي أبدى استعداده للتقرب منهم خلال حملته الانتخابية. كما نجحت حملة إبطال قانون الأدلة السرية سياسيا وإعلاميا وعلى مستوى حركة الحقوق المدنية الأمريكية بعد أن تعهد مشرح الرئاسة الجمهوري جورج بوش بمساندة حملة إبطال قانون الأدلة السرية علنا في مناظرة انتخابات الرئاسة الأمريكية التلفزيونية الثانية، كما تبنى النائب الأمريكي ديفيد بونيور ممثل ولاية مشيجان - والذي كان يحتل في ذلك الوقت منصب الرجل الثاني في قيادة تكتل نواب الحزب الديمقراطي داخل مجلس النواب الأمريكي - جهود إبطال قانون الأدلة السرية داخل مجلس النواب الأمريكي، كما زاد وعي أكبر جماعات الحقوق المدنية الأمريكية بعدم عدالة قانون الأدلة السرية وتبنوا حملة إبطاله.

    وعلى صعيد التأثير على سياسية أمريكا الخارجية تجاه قضايا العالمين العربي والإسلامي نجح مسلمو أمريكا بشكل كبير في بناء حركة مدنية أمريكية لمعارضة سياسية أمريكا الخارجية تجاه العراق وفلسطين عن طريق زيادة وعي المواطن الأمريكي العادي بمعاناة أطفال العراق وبعدالة قضية الشعب الفلسطيني وعن طريق إشراك عددا كبيرا من جماعات حقوق الإنسان والسلام وحل الصراعات بالطرق السلمية في هذه الحملات.

    فعلى سبيل المثال نجحت حملة معارضة العقوبات على العراق في اجتذاب عددا كبيرا من المنظمات الأهلية الأمريكية وهو ما تؤكده حركة لجنة خدمات الأصدقاء الأمريكيين (AFSC) وهي أحد المنظمات الأهلية الأمريكية التي تقود الحملة، وتؤكد اللجنة أن حملة معارضة العقوبات نجحت منذ عام 1999 وحتى الأن في جذب أكثر من 150 منظمة أهلية ودينية أمريكية وأكثر من 2000 متطوع للعمل على نشر الحملة وتحقيق أهدافها.

    وقد ساعد مسلمي أمريكا على النجاح - على هذا المستوى - عدة عوامل على رأسها زيادة وعي مسلمي أمريكا بأهمية الوصول إلى الجماعات الدينية والعرقية و المدنية التي تشاركهم أهدافهم - وعلى رأسها جماعات السلام والحقوق المدنية - وبسبل الوصول إلى تلك الجماعات، وقد ساعد الإنترنت في هذه الحملة بشكل كبير بتسهيله لعملية إيصال وجهة نظر مسلمي أمريكا والعالم إلى المواطن الأمريكي العادي، وذلك إضافة إلى جو التعددية والليبرالية السياسية الذي تحلى به عهد الرئيس كلينتون والذي شجع على وجه الخصوص حركات السلام وحقوق الإنسان والحريات المدنية.

    وعلى الصعيد الإعلامي، ساعد الإنترنيت مسلمي أمريكا والعالم إلى الوصول إلى أعداد غفيرة من أبناء الشعب الأمريكي، وامتلأت شبكات الإنترنيت بصور ومقالات مكتوبة باللغة الإنجليزية عن معاناة أطفال العراق وفلسطين وغيرها من البلاد الإسلامية المنكوبة.

    كما حققت جهود مسلمي أمريكا - على سبيل تطوير خطاب إسلامي أمريكي يجمع بين المصالح الإسلامية الأمريكية ويمتلك مقومات اقناع المواطن الأمريكي - نجاحا ملحوظا، ومن أهم معالم الخطاب الجديد فكرة أن المسلمين الأمريكيين هم أمريكيون لهم كأفراد نفس حقوق أي أمريكي أخر، وفكرة أن المسلمين الأمريكيين حريصون على المصلحة الأمريكية ويسعون إلى تحسين صورة أمريكا في العالم - مثلهم في ذلك مثل أي جماعة أمريكية أخرى - وأنهم يسعون لتحقيق ذلك بمساعدة بلدهم أمريكا على تبني سياسات دولية عادلة عند التعامل مع قضايا دول العالم الإسلامي.

    كما ركز الخطاب السياسي الإسلامي الأمريكي على ظاهرة الإسلاموفوبيا (العداء للإسلام) كظاهرة متنامية في الغرب وأمريكا، وطبيعة هذه الظاهرة كظاهرة قائمة على الكبرياء والتمييز العنصري.

    رابعا: جماهيرية هذه الأجندة بين مسلمي أمريكا، ونتيجة للأسباب أو المظاهر الثلاثة السابقة التي تمتعت بها أجندة عام 2000 تمتعت الأجندة بشهرة وجماهيرية كبيرة بين المسلمين الأمريكيين، وخاصة على مستوى الحقوق المدنية حيث انتشرت أخبار بعض المقبوض عليهم بواسطة قانون الأدلة السرية مثل الدكتور سامي العريان والدكتور مازن النجار انتشارا كبيرا، وأصبحت قضاياهم قضايا وطنية للمسلمين الأمريكيين، كما تمتع قرار مجلس التنسيق السياسي الإسلامي الأمريكي في أغسطس 2000 بتأييد جورج بوش الأبن كمرشح المسلمين المفضل في انتخابات 2000 الرئاسية بشهرة كبيرة بين المسلمين الأمريكيين، وذلك بغض النظر عن تأييدهم أو معارضتهم لهذا القرار، فقد عبر القرار عن أول أول محاولة في التاريخ لتوحيد الناخبين المسلمين الأمريكيين.
    >br> هذا إضافة إلى تطورات القضية الفلسطينية في أواخر عام 2000 وبداية انتفاضة الأقصي وأثرهما على توحيد أجندة مسلمي أمريكا وانتشارها بينهم.
    *******

    وفي النهاية لا يجب أن نغفل حقيقة اختلاف بعض المسلمين الأمريكيين مع بعض بنود الأجندة السابقة وخاصة مع أحد أشهر عناصرها وهو قرار مجلس التنسيق السياسي الإسلامي الأمريكي بمساندة جورج دبليو بوش كمرشح المسلمين الأمريكيين السياسي في انتخابات عام 2000، وما أردنا تأكيده هو أن الاختلاف السابق الإشارة إليه وما شابهه من اختلافات لا يقللوا من إنجازات أجندة عام 2000 وما تميزت به قضاياها من أهمية وتكامل ونجاح وجماهيرية، وأنها مثلت بداية لمرحلة جديدة من مراحل وجود المسلمين الأمريكيين السياسي في الولايات المتحدة وأنها تركت بصماتها على أجندة مسلمي أمريكا السياسية لعامي 2001 و2002 وهو ما سنتناوله في بقية هذه السلسلة.



    - نهاية المقالة الأولى -


    مع تحيات الكاتب العربي : علاء بيومي ـ واشنطن