حركة وأهداف مسلمي أمريكا على
الصعيد السياسي في المستقبل المنظور
بقلم : علاء بيومي
*********
"الحلقة الثالثة"

أجندة مسلمي أمريكا السياسية في عام 2002

تتناول هذه السلسلة أجندة مسلمي أمريكا السياسية وتطورها خلال العامين الماضيين ومستقبلها في عام 2002، كما تتناول أيضا أهم العوامل السياسية الأمريكية والدولية التي أثرت على أهداف مسلمي أمريكا وحركتهم على الصعيد السياسي، وقد شهد العامان الماضيان العديد من الأحداث الجسام وعلى رأسها أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي التي تركت بصمتها الأبدية على أوضاع المسلمين داخل وخارج أمريكا، ولذا رأينا أن نقدم في هذه السلسلة محاولة جادة للتعرف على أجندة مسلمي أمريكا السياسية عن قرب ولاستشراف مستقبلها خلال عام 2002.

وقد تناولنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة أجندة عام 2000 وذكرنا أنها تمتعت بنجاح كبير ومثلت مرحلة نضج لأجندة مسلمي أمريكا السياسية بعد أن تميزت قضاياها بالنجاح والأهمية والتكامل والجماهيرية بين المسلمين الأمريكيين.

وتناولنا في الحلقة الثانية أجندة مسلمي أمريكا في عام 2001 ووجدنا أنها كانت أجندة انتقالية حاولت فيها منظمات مسلمي أمريكا تكرار نجاح أجندة عام 2000 واستبدال القضايا القديمة الهامة بأخرى جديدة لا تقل عنها أهمية ونجاحا، ورأينا كيف عصفت أحداث سبتمبر 2000 بحقوق وحريات المسلمين الأمريكيين وكيف أدخلتهم عام 2002 بحمل ثقيل من المشكلات.

وسنحاول في هذه الحلقة استشراف أجندة مسلمي أمريكا السياسية خلال عام 2002 من خلال دراسة بعض أهم العوامل التي أفرزتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغيرها من العوامل التي امتلأ بها عامي 2000 و2001.

  • عوامل الثبات في أجندة عام 2002

  • أول عوامل الثبات في أجندة عام 2002 هو بنودها الأربعة الأساسية التي تحدثنا عنها في المقالتين السابقتين وهي تشجيع مشاركة مسلمي أمريكا في العملية السياسية الأمريكية، والدفاع عن الحقوق المدنية لمسلمي أمريكا، ومحاولة التأثير على سياسة أمريكا الخارجية تجاه العالمين العربي والإسلامي، ومكافحة محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام الأمريكي، فمن المتوقع أن تتشكل أجندة مسلمي أمريكا السياسية عام 2002 من هذه البنود الرئيسية على أن تقوم منظمات مسلمي أمريكا السياسية بإعادة ملئ هذه البنود الأربعة العامة بعدد من القضايا والحملات السياسية الجديدة الهامة.

    ثاني عوامل الثبات في أجندة عام 2002 هو مقاييس نجاحها والتي فرضتها أجندة مسلمي أمريكا السياسية في عام 2000، إذ تميزت أجندة عام 2000 بعدد من الصفات الإيجابية مثل أهمية قضاياها، وتكامل قضاياها مع بعضها البعض، ونجاح قضاياها، وإجماع المسلمين الأمريكيين عليها، ومن المتوقع أن تسيطر هذه المعايير على اختيار المنظمات المسلمة الأمريكية لقضايا المسلمين الأمريكيين خلال عام 2002، فعلى سبيل المثال لن تقبل المنظمات على مساندة قضية غير هامة، أو قضية لا يجمع عليها مسلمو أمريكا، أو قضية من الصعب تحقيق نجاح ملموس فيها.

    ثالث عوامل الثبات في أجندة عام 2002 هو ارتباطها بتطور المسلمين الأمريكيين السياسي بشكل عام والذي بدوره يعتمد على عدد كبير من العوامل المختلفة التي تحتاج لفترات طويلة من الزمن حتى تكتمل دورة نضجها، من أهم هذه العوامل استعداد المسلمين للمشاركة السياسية، والموارد المتاحة لمنظمات المسلمين الأمريكيين، وزيادة عدد أبناء الجيل المسلم الأمريكي الثاني، وأسلوب عمل المنظمات المسلمة الأمريكية وقدرتها على تطوير أسلوب عملها في مواجهة التحديات الجديدة.

    والواضح أن استعداد مسلمي أمريكا للمشاركة السياسية في تزايد مستمر إذ كشفت دراسة أجرتها جامعة جورج تاون الأمريكية في شهر نوفمبر الماضي عن استعداد أكثر من 90 % من المسلمين الأمريكيين للمشاركة السياسية، ومع ذلك لم ينعكس هذه الاهتمام على موارد المنظمات المسلمة الأمريكية فمازالت المنظمات المسلمة الأمريكية تعمل بموارد محدودة جدا مقارنة بغيرها من المنظمات السياسية الأمريكية الأخرى، الأمر الذي ينعكس بوضوح على قدرة هذه المنظمات على تطوير برامجها، فمعظم هذه المنظمات تعتمد على عدد محدود من الموظفين المتفرغين، كما أن معظم إداراتها - بما في ذلك الإدارات الهامة مثل أقسام الإعلام والشؤون الحكومية - هي أقسام فرد واحد.

    أما بالنسبة لتزايد أعداد أبناء الجيل الثاني في الواضح أن أرقامهم في تزايد، والواضح أيضا أن المنظمات المسلمة الأمريكية في اعتماد متزايد عليهم لما يتمتعون به من قدرات على صعيد القدرة على فهم عقلية وثقافة المواطن الأمريكي وأساليب التواصل معه، والواضح أن تزايد أعداد أبناء الجيل الثاني في المنظمات المسلمة الأمريكية سوف ينعكس إيجابيا على قدراتها السياسية والإعلامية وإن كان لابد وأن ينعكس أيضا على أجندة هذه المنظمات وخاصة فيما تعلق بقضية التركيز على الداخل في مقابل التركيز على الخارج فأبناء الجيل الثاني المسلم يبدون أكثر استعداد للاهتمام بقضايا السياسة الأمريكية الداخلية.

    أما بالنسبة لأسلوب عمل المنظمات المسلمة الأمريكية وقدرتها على التطور فمن الواضح أن المنظمات المسلمة - كما ذكرنا من قبل - تعتمد على موارد محدودة للغاية، وأنها جديدة على ساحة العمل السياسي الأمريكي فعمر العديد منها لا يتعدى العشر سنوات، ولابد أن ينعكس ذلك على قدرة المنظمات المسلمة الأمريكية على تطوير أجندة سياسية مشتركة، بمعنى أن المنظمات المسلمة الأمريكية قد تحتاج لفترة أطول لتطوير أجندة سياسية مشتركة تتسم قضاياها بصفات الأجندة السياسة الموفقة من نجاح وأهمية وتكامل وجماهيرية. والواضح أن قضايا أجندة عام 2000 الناجحة لم تكن وليدة عام 2000 فقط وإنما كانت حصيلة تراكمات عديدة، فقانون الأدلة السرية الذي حاربه المسلمون الأمريكيون بنجاح في عام 2000 وضع في عام 1996، بمعنى أن المنظمات المسلمة احتاجت لأربعة سنوات لكي تكتشف أثار القانون وتقود حملة ناجحة لمواجهة أثاره.

    وفي هذه السياق، يمكن القول أن منظمات مسلمي أمريكا قد تحتاج لأكثر من عام واحد لتطوير أجندة جديدة ناجحة، وقد رأينا أن عام 2001 كان عاما انتقاليا، وربما تحتاج المنظمات المسلمة لعام إضافي أو أكثر لتطوير أجندة جديدة، خاصة وأن عليها في عام 2002 مواجهة أثار حوادث الحادي عشر من سبتمبر السلبية العديدة.

    وربما تحتاج المنظمات المسلمة أن تنتظر حتى عام 2004 لتطوير أجندتها الجديدة للتزامن مع انتخابات الرئاسة الأمريكية، وإذا حدث ذلك نكون قد وقفنا على نموذج سياسي يستحق الدراسة وهو أن أجندة مسلمي أمريكا السياسية تتطور بصورة دورية كل أربعة سنوات تقريبا تزامنا مع دورة انتخابات الرئاسة الأمريكية.

  • عوامل التغيير في أجندة عام 2002

  • أول عوامل التغيير في أجندة مسلمي أمريكا خلال عام 2002 هو نوع من النزعة الانعزالية المسيطرة على بعض الفئات الجماهيرية المسلمة الأمريكية، ونقصد بالنزعة الانعزالية هنا رغبة بعض المسلمين الأمريكيين في التركيز على قضايا الداخل بعد الحادي عشر من سبتمبر.

    ويرجع السبب في ذلك إلى أن حوادث الحادي عشر من سبتمبر وما ترتب عليها من أثار سلبية عديدة سوف تدفع المسلمين الأمريكيين لتوفير طاقاتهم خلال عام 2002 لمواجهة أثار الأزمة خاصة على مستوى الحقوق المدنية وعلى المستويين الإعلامي والسياسي.

    ولا يعنى هذا أن مسلمي أمريكا لن يهتموا بقضايا العالم الإسلامي خلال عام 2002 ، وإنما يعني ذلك أنهم قد لا يضعوها على قمة أولوياتهم كما حدث في حالة القضية الفلسطينية عام 2001 والتي احتلت قمة أولويات عمل المنظمات المسلمة الأمريكية خلال ذلك العام.

    ثاني عوامل التغيير في أجندة مسلمي أمريكا خلال عام 2002 هو الزيادة الكبيرة في الضوء الإعلامي والسياسي المركز على أوضاع المسلمين الأمريكيين في أمريكا، فقد ضاعفت أحداث سبتمبر من اهتمام الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية بأوضاع المسلمين الأمريكيين سواء من منظور سلبي أو من منظور إيجابي.

    ويمثل هذا الاهتمام الكبير فرصة وتحدي، وسوف تحاول المنظمات المسلمة الأمريكية الاستفادة من هذا الاهتمام السياسي والإعلامي وإن كان عليها أيضا مواجهة عدد هائل من الحملات الإعلامية والسياسية المغرضة.

  • قضايا أجندة مسلمي أمريكا السياسية خلال عام 2002

  • في ضوء عوامل الثبات والتغيير السابقة يمكن القول أن منظمات المسلمين الأمريكيين سوف تنفق جزءا ليس صغيرا من اهتمامها ومواردها خلال عام 2002 في محاولة التصدي لأثار الحادي عشر من سبتمبر السلبية خاصة على حقوق وحريات المسلمين في امريكا، وعلى صورة الإسلام والمسلمين في دوائر الإعلام والسياسة الأمريكية، وقد لا تستطيع بلورة أجندة سياسية متكاملة وناجحة وجديدة خلال عام 2002 على أمل أن تستعد بأجندة أفضل خلال عام 2004.

    وفي الوقت ذاته سوف تحاول المنظمات المسلمة تزويد أجندتها السياسية خلال عام 2002 بمجموعة من القضايا الهامة والجديدة، نذكر منها ما يلي:
    1- على صعيد مشاركة المسلمين الأمريكيين في العملية السياسية الأمريكية سوف تقوم المنظمات المسلمة بتشجيع مشاركة المسلمين الأمريكيين في انتخابات الكونجرس الأمريكي في نوفمبر 2002 من خلال تسجيل أكبر عدد من الناخبين وتشجيع المسلمين الأمريكيين على مساندة أعضاء الكونجرس المساندين لقضاياهم.

    وعلى الرغم من أهمية انتخابات الكونجرس الأمريكي فأنه يتوقع أن يبقي اهتمام مسلمي أمريكا بها عند مستوى ضعيف أو متوسط بسبب كثرة عدد المرشحين في هذه الانتخابات والتكلفة الباهظة لتوعية المسلمين الأمريكيين بأكبر عدد من هؤلاء المرشحين، إلا أن هذه التوعية ممكنة إذا توفرت الموارد الكافية لتحقيقها لدى المنظمات المسلمة الأمريكية خلال العام الحالي.

    2- وبالنسبة لبند الحقوق المدنية فمن المتوقع أن يحتل هذا البند قمة أجندة مسلمي أمريكا السياسية خلال عام 2002، وذلك بسبب تعرض حقوق وحريات أكثر من عشرة آلاف أسرة مسلمة مقيمة في أمريكا للضرر بعد الحادي عشر من سبتمبر.

    وسوف تحاول منظمات مسلمي أمريكا النشاط على مستوى الحقوق المدنية الأمريكية من خلال عدة وسائل أساسية، منها حشد الموارد المالية والطاقات القانونية لتوفير حماية قانونية لأكبر عدد من المسلمين المتضررين من أحداث سبتمبر، والنشاط على مستوى حركة الحقوق المدنية الأمريكية لضمان وجود مكان ثابت للمسلمين الأمريكيين فيها، خاصة مع الإهتمام المتوايد الذي تولية أكبر جماعات الحقوق المدنية الأمريكية وعلى رأسها اتحاد الحريات المدنية الأمريكية (ACLU) بالتحالف مع المنظمات المسلمة الأمريكية وبالدفاع عن حقوق وحريات المسلمين والعرب في أمريكا.

    إضافة إلى ذلك سوف تحاول المنظمات المسلمة الأمريكية تطوير أجندة تشريعية جديدة لها فيما يتعلق بقضايا الحقوق المدنية على غرار اهتمامها بمكافحة قانون الأدلة السرية في عام 2000، ومن المهم هنا التأكيد أن وجود مثل هذه الأجندة التشريعية أمرا هاما وضروريا جدا لنجاح أجندة مسلمي أمريكا خلال عام 2002، لذا يتوقع أن تركز عليه منظمات مسلمي أمريكا.

    3- على مستوى العمل مع الإعلام الأمريكي، سوف تبذل المنظمات المسلمة الأمريكية جهودا مضاعفة في استغلال الضوء الإعلامي الكبير الذي سلطه الإعلام الأمريكي على مسلمي أمريكا بعد الحادي عشر من سبتمبر وذلك لشرح قضاياهم خاصة على مستوى حقوق المسلمين المدنية للرأي العام الأمريكي، وإن كان يتحتم على منظمات مسلمي أمريكا مواجهة تحديان - على هذا السبيل - أولهما هو الحملة الإعلامية الشرسة الموجهة ضدهم، وثانيهما نقص الموارد وعدم وجود آلة إعلامية مسلمة أمريكة ضخمة لشرح أهداف المسلمين الأمريكيين للرأي العام الأمريكي على نطاق جماهيري واسع.

    4- على مستوى قضايا العالم الإسلامي الدولية، سوف يحتاج مسلمو أمريكا لفترة يلتقطون فيها أنفاسهم، ويعيدون فيها ترتيب أوراقهم وحشد مواردهم وعلاج بعض أثار الحادي عشر من سبتمبر السلبية عليهم قبل التركيز من جديد على هذه القضايا.

    - نهاية الحلقة الثالثة والأخيرة-


    مع تحيات الكاتب العربي : علاء بيومي ـ واشنطن