بين الأصفار
الصفر ، هذا الشيء اللاشيء ، فيه تلتقي البداية والنهاية معاً ، بدونه ماكان للعالم أن يعرف الكمبيوتر ولا علوم البرمجة ولا علوم الإتصالات بمختلف أنواعها ، فهو أعطى للأعداد قيمتها وللعالم آفاقاً جديدة ، فأي مفارقة هذه أن نكون نحن العرب من قدم الصفر الأول للعالم ، والذي قام بدوره آنذاك فصفق لنا طويلاً على ذاك الإختراع ، حينها كنا وبحق في قمة الهرم ودخلنا دائرة الضوء فيما كان غيرنا يعيش في الظلام .
اليوم ها نحن نُقدم للعالم أصفاراً كثيرة ، ربما إزداد عددها عن العشرين صفراً ، فلا نجد ممن صفقوا لنا بالأمس إلا الضرب على الرؤوس والطرح على البطون والتقسيم للأوطان ، وبحسبة بسيطة فإن المحصلة هي أننا أصبحنا ضحايا أصفارنا .
إن ما نقدمه اليوم للعالم ولأنفسنا من أصفار إنما هي أصفار لا علاقة لها بصفرنا الأول ، ذلك لأنها تأتي خلف الأعداد ، أي لا قيمة لها ، وهي تأخذ دونما فائدة حيزٌ في المكان ، ليس لها تأثير يُذكر على عملية حساب الزمن ولا على ما يجري فيه من أحداث وهي عقيمة لا تُنتج ولا تترك من هم أهلٌ لذلك ، فلا عجب أن نرى أنفسنا اليوم نتربع على قمة هرم إتضح بأنه خازوق .
فأي مصبية تلك أن تقودنا هذه الأصفار من حضيض الى حضيض ، بحيث أنه وكلما وصلنا أو ظننا أنه القاع الأخير فإذا بنا مطالبون بأن نحفر من جديد حتى نجد قاعاً للقاع وظلاماً للظلام ، ولكأن سر سعادتنا تكمن في هذا الهبوط ، فلا صراخ إلا صرخة الموت ولا حراك إلا للهضم بكل أصنافه .
لا بل أننا وفي قيعان شبه الإستقرار ملاحقون من أصفارنا ومن ذلك الأمريكي المتجول بحقائب حضارته ، يريد بحسن نية الذئب للأرنب أن يبيع لنا مكيفات هواء كي نتنفس من خلالها الصعداء .
أيها الأمريكي خذ حضارتك وكل المكيفات ، وانتزع إن شئت حبل وريدي ، لتشنقني به ، لكن اترك لي شعبي.

احمد منصور