"الشارع الأسرائيلي" ...لا يريد السلام
د:يوسف الفقهاء
د:يوسف الفقهاء

على فرض أن هناك ديمقراطية حقيقية في "اسرائيل" , وعلى فرض أن مايحدث من تبادل للسلطة فيها ليس (تقاسما) للأدوار بين الأحزاب الصهيونية , وعلى فرض أن "الشارع الأسرائيلي" ليس مغيبا بل هو من يملك فعلا حق أختيار الحزب الحاكم أو تحديد شكل الأئتلاف ورئيس الوزراء , على فرض صحة هذا الأدعاء , فأن كل ماسبق يعني أن "الشارع الأسرائيلي" وحده وبالدرجة الأولى يتحمل مسؤولية ما آلت اليه أمور عملية السلام , لأنه وخلال أكثر من عشر سنوات من أنطلاق العملية السلمية في مدريد لم يمارس مطلقا أي فعل من شأنه أن يؤثر على قادته كي يحققوا انجازا يعتد به عربيا أو يساهم بأحلال السلام , بل على العكس عاش هذا الشارع وما زال بعيدا عن الأحداث وكأن ما يحدث أمامه أومن حوله ما هو الاّ (لعبة للتسلية) , بالرغم من كونه المستفيد ألأول وألأخير من تلك العملية السلمية لو قدر لها أن تتحقق .

لقد أثبتت كل الأحداث التي وقعت وخلال الخمسين عاما الماضية ومنذ عام 1948 وليومنا هذا أن الأسرائيليين وطالما هم ينعمون بالعيش الرغيد فوق أرضنا المحتلة ليسوا على استعداد للسؤال عن غد الآخرين , وأنهم ما من مرة تحركوا فيها الاّ وكان تحركهم كردة فعل لمأزق وجدوا أنفسهم فيه , وأن تحركهم هذا لم يكن في يوم من الأيام باتجاه الدفع بالعملية السلمية بل لتحريض قادتهم على مزيد من التشدد واستخدام القوة ضد شعوب امتنا العربية . ولقد تجلى أمعان "الشارع الأسرائيلي" في أدارة ظهره للسلام عندما أقدم بنعامي ( وبتوجيه ممن يتحكمون بهذا الشارع ) على قتل رئيس وزرائهم رابين لمجرد أنهم شكوا بأمكانية أقدامه على أعادة بعض الحقوق المغتصبة الى العرب , وليتوجوا بعده بنيامين نتنياهو رئيسا لوزرائهم والذي كان أول من قاد العملية السلمية نحو الهاوية .

وبالرغم مما هو معروف عن "المجتمع الأسرائيلي" من تعددية عرقية وأصول أجتماعية مختلفة ذات طابع من المفروض أن تساعده وتؤهله للأصطباغ بالمجتمعات الغربية شكلا ومضمونا وما يتبع ذلك من جنوح مفترض لطلب السلام والبعد عن الحرب ( حسب ما يتم ترويجه) , بالرغم من هذا يجد المرء كل هذا الحجم من العنف والهمجية تسيطران على عقليته وتدمغ تصرفاته وممارسته الدموية اليومية تجاه الفلسطينيين سواء أكانوا أطفالا أم نساءا أم شيوخ , أضافة الى اعتماد سياسة تدمير المنازل واقتلاع الشجر وتخريب البيئة , والتنكر لأبسط قواعد حقوق الأنسان والمواثيق الدولية , وارتهانه لحفنة من الأوغاد الحاقدين على الأنسانية يمارسون هيمنتهم عليه , بواسطة خرافات وأساطير من عصر الدينصورات .

وهذا الأمر ليس محصورا بشريحة معينة من "المجتمع الأسرائيلي" , بل هو سمة عامة تدمغ حتى أولئك الذين جاؤوا من أمريكا أو فرنسا أو غيرهما من البلدان والتي يكن سكانها ومواطنوها الأصليون الأحترام والحب حتى للكلاب و تجد الكثيرين منهم تثيره صورة شطئان ملوثة أو عصفور يكاد يحترق , وبدل أن يتشبع أو يتطبع هؤلاء القادمين من تلك المجتمعات بتلك الطبائع تجدهم على العكس تماما وخاصة اذا ما تعلق الأمر بالعرب حيث تصبح الغالبية منهم مستعدة لممارسة القتل والتفنن في استعمال وسائل التعذيب والأرهاب .

لقد أثبتت ألأحداث والوقائع أن الأسرائيليين مازالوا يجدون الوقت الكافي لممارسة حياة طبيعية بل ومرفهة , وأن لدى الكثيرين منهم الوقت الكافي لأرتياد الملاهي ولربما بعد أن يعيثوا فسادا لأيام و أسابيع في الضفة الغربية وغزة كجنود يمارسون خلالها القتل بحق الفلسطينيين والذين يعيشون وعلى بعد بضع كيلومترات منهم دون أن يجدوا ما يسد رمقهم ورمق أطفالهم , لا بل ولا حتى وقتا كافيا لدفن شهدائهم .

أنها صورة تحمل من التناقض الحقيقي والوقائع القاتمة والمختلفة , ما يثبت أن في هذه البقعة من العالم غياب مطلق للعدالة والمساواة تتجسد بتلك الفروقات الحياتية للطرفين الذين يعيشان فوقها .

كما وأن هذه الصورة يجب أن تؤكد للأسرائيليين خاصة وللمجتمع الدولي عامة أستحالة أن ينعم طرف دون ألأطراف الأخرى بالأمن والرفاه مالم ينعم الطرف الآخر بنفس الدرجة من ذلك الأمن والرفاه .وللوصول الىهذا الواقع الكفيل بتحقيق سلام حقيقي دائم وعادل وشامل , ينبغي على الأسرائيليين أن يتخلوا عن الصفات التي تدمغهم بالعنصرية تجاه الآخرين وخاصة تجاه العرب .

الدكتور : يوسف عبد الفتاح الفقهاء