ليس ذنب الصياد بقد ر ما هو غباء السمكه
صراع الإعلاميين العرب مع الإنتفاضة الفلسطينية

من قال أن معدي برامج التلفزة العرب لم يتفاعلون مع الإنتفاضة الفلسطينية كما يجب؟ وكيف يدعي البعض زوراً وبهتاناً أنهم ( أي الأعلاميون ) لا يملكون المقدرة على مجارات الأحداث المستجدة على الساحة العربية ؟ إنني أختلف مع من يدعي ذلك .
فمنذ إندلاعها والإعلاميون العرب يكشفون لنا يوم تلو الأخر عن مواهب خارقة في كيفية إدارة صراعهم مع الإنتفاضة الفلسطينية .
لا بل أن نجاحهم فاق كل التصورات بحيث أن رعايا كو ستاريكا مثلاً يعرفون عن الإنتفاضة أكثر بمراحل عما يعرفه مواطنو الكثير من الدول العربية .
لقد أظهر الإعلاميون العرب قدراً كبيراًمن الليونة والخيال الواسع كلما كان ذلك ضرورياً و خير د ليل على ذ لك ما نشهده هذه الأيام من السرعة الفائقة في إلغاء برامج الإ رسال العادية لصالح النقل المباشر لمباريات كرة القدم وهنا لا يمكننا إلا الوقوف إكباراً لما تتفتق عنه قريحة هؤلاء من خيال واسع في هذا المجال بحيث أصبح مشاهد القنوات العربية من الإهتمام بحيث لا يجد متسع من الوقت لتناول الطعام .
فما ينتهي من مشاهدة المبارة التي تقام على " شرف " الأمير حتى ينتقل الى مباريات كأس ولى العهد ومنها إلى مباريات تصفيات الكأس الأوروبي والأسيوي والأفريقي والمونديال وحتى تصفيات الدوري السرلنكي والمجال مفتوح على كل الأبواب أو بالأحرى على كل التصفيات ناهيك عن الحوارات الرياضية المباشرة ولا أريد أن أتطرق هنا للحفلات الغنائية حتى لا يطول الكلام .
إلا أنني لن أدع الفرصة تفوتني لإبداء إعجابي الشديد بالكيفية التي أدار بها الإعلاميون العرب صراعهم مع الإنتفاضة .
و سبب هذا الإعجاب هو أن هؤلاء كشفوا بما لا يدع مجالاً للشك عن المسؤل الحقيقي للوضع المزري الذي وصلت إليه هذه الأمه في نفس الوقت الذي أثبتوا فيه عدم صحة الإ دعاء القائل بأن النظام العربي هو المسؤل الأول والأخير عن مستوى الإنحطاط الذي وصلت إ ليه تلك الشعوب .
وللإنصاف فإن أحداً لا يستطيع أن يلقي باللوم على الإعلاميين العرب عمايحدث بل وبالعكس من ذ لك فإنهم يؤدون ما يُطلب منهم بإ تقان وإخلاص شديدين بعكس الجماهير العربية التي إلتقطت طُعم الصياد كالسمك الجائع .
فذنب من إذاً هذا الإنتحار الأخلاقي لدى الشعوب العربية هل هو ذنب الصياد أم هو غباء السمكه ؟
إن صمت الشعوب المتحميرة تجاه ما يجري من مهازل لا يمكن بحال من الأحول تبريره بالقول بأنها ممنوعة من التعبير عن نفسها تجاه ما يحدث .
فحتى الحمار يجد في الرفص وسيلة للتعبير عن نفسه إذا ما ضُرب ويأبى أن يتحرك إذا ما أثقلت عليه الحمل ، أما الشعوب العربية فقد وصل بها الأمر أن تخشى من هياكل عظمية تطلق على نفسها زعامات ، وتهاب غلماناً يقفوا كالنعاج أمام أسيادهم الأمريكان ، ليس لهم إلا شرعية الوريث يطلقون على أنفسهم ملوك ورؤ ساء وجعلت من هؤلاء آ لهة تُعبد .
هذه الشعوب هي المسؤ ل الأول عما يحدث لأنها وبكل بساطة آمنت إيماناً لا يتزعزع بأن لا حول ولا قوة إلا بالحكام .
ولكن يبقى السؤال : ماذا يعني صمت الشعوب العربية وتواطؤ حكامها ونجاح الإعلام العربي في صراعه ضد الإنتفاضة ماذا يعنيه هذا كله لهذا الفلسطيني الثائر ؟
وللإجابة علي هذا السؤال لابد للشعوب العربية وحكامها وإعلامييها أن تعي تماماً مالذي تعنيه فلسطين لكل فلسطيني بغض النظر عن مكان تواجده : إنها الثدي للرضيع حتى يُفطم وهي الصدر الحنون للطفل حتى يصبح فتى وهي العشيقة للفتى حتى يشيخ وهي العكاز للشيخ حتى يموت وهي الحياة الأبدية بعد الموت من أجلها نحتمل الفراق ومن أجل لقائها نجد معنى للحياة وهي التي تجعلنا نحتمل تواطؤ الحكام وصمت الشعوب ومؤامرات الإعلاميين فوالله لباطن الأرض أرحم بكثير من ظهرانيها لشعوب وصلت إلى هذا الحد من المذ لة والهوان .

أحمد منصور