قمة بيروت .. والرد "الإسرائيلي"
م. يوسف قاسم

18/4/2002

انتهت أخيراً قمة بيروت ، أو كما يقال ( غمة ) باللهجة السودانية . ذلك التجمع الذي كان يعول عليه كثيراً لحل قضية الشعب الفلسطيني وتقرير مصيره .
لقد شعرنا حقاً أن هذه القمة ستكون مختلفة تماما عن سابقاتها من القمم " الهابطة " ، والتي لم تكن أكثر من لقاءات وأحاديث ومهاترات لا تضر ولا تنفع..
قمة الحق العربي ؟ اسم كبير ، ويعني الكثير ؟
روج له اعلامياً ، وكأن الحل واقع لا محالة . ولقد انشرحت الصدور ، وارتفعت المعنويات لأبعد من التصور ، ونحن بانتظار ما ينتج عن هذة القمة.
ويا لهول ما جرى.. قمة للحق العربي .. قمة تحمل مبادرة للسلام ، هدفها حل القضية الفلسطينية أولاً وخاصة ، والقضايا العربية الاخرى عموماً .. تقوم بحجب كلمة رئيس السلطة الفلسطينية ، وكأن كلامه غير مهم وكأنه شخص لا يعنيه الأمر..
إذا كان العرب أنفسهم قد أهانوا بدورهم عرفات ، وهو ممثل الشعب الفلسطيني ، فإنه ما من شيء يدعو للعجب إن قام بتلك الاهانات كل من الصهاينة والامريكان.
فلنقبل جدلاً بهذه المبادرة العربية ، والتي لا يقبلها ديننا الاسلامي ، ولنتغاضى عن تسميتها استسلاماً .. ولنقبل بها بأنها مبادرة سلام ، طرحت للصهاينة على طبق من ذهب ، وهو ما يطلبونه ظاهراً ليعيشوا حياةً هادئة في أرض فلسطين . فما هو الرد الصهيوني ؟
لقد جاء الرد الصهيوني سريعاً ، ولم يكن سياسياً فحسب ، بل جاء توغلاً وحشياً وعسكرياً ، اجتاحوا فيه عاصمة السلطة الفلسطينية ، بل وتعدوا ذلك ليحتلوا مقر رئيسها ، وحجزه في غرفة دون كهرباء أو ماء.
لقد أعطت القمة لليهود وأمريكا الضوء الاخضر ، للتخلص من عرفات وإهانته ، وإلا فما هو تفسير ما يحدث ؟
هل ضاق العرب ضرعاً بهذه القضية الفلسطينية ، وأصبحوا مستعدين لحلها ، لدرجة انهم باتوا غير مكترثين للنتائج التي تتمخض عنها سواءً بتصفية عرفات والشعب الفلسطيني ، أو بسحق القضية الفلسطينية من أصلها.
واهم من ظن ان للصهاينة واليهود عهد ووعد .. والدليل على ذلك واضح. وإن افضل رد نقوم به تجاه ما يقومون به هو الغاء المبادرة العربية ، وترك مقاعدنا الدافئة ، لنجاهد الصهاينة ، ونسترد الحق العربي بالقوة ، وبالايمان بنصر الله ، لا بالاستسلام والخنوع ، والتوسل لامريكا وغيرها من القوى.
مئات الشهداء سقطوا اثناء دفاعهم عن ارضهم وحقهم ولا يزال أخرون يسقطون الواحد تلو الآخر .. آلاف شردوا بعد أن عذبوا وهدمت بيوتهم وسلبت ممتلكاتهم ، ولا يزال موقفنا العربي صامت لا يتفوه ولو باستنكار وشجب كما عودنا سابقا.
هل هانت على حكام هذه الامة كرامتهم ؟! هل شعب فلسطين هم جنس غير بشري يتفقون مع "اسرائيل" بضرورة ابادته والتخلص منه؟!! أم ما الذي يبرر مثل هذا الصمت المخزي ؟! هل هناك مخطط جديد يتم إعداده من قبل أمريكا و "اسرائيل" وبموافقة قادة الامة العربية؟
لقد أصبح ساساتنا العرب بمثابة شرطي مخلص بيد أمريكا و "اسرائيل" ينفذ الاوامر ويقمع المظاهرات ويشتتها ، بل وقد تعدى ذلك الى حد قتل ابناء جنسنا بأيدينا ، دفاعاً عن سفارة أمريكية او صهيونية أو عن مصالح هاتين الدولتين الارهابيتين.
تصريحات كثيرة مخزية من قبل دول عربية ، كنا نظنها أول من يدافع عن أرض فلسطين وعن شعب فلسطين ولكنها وللأسف جاءت مخيبة للآمال ، والواقع أنها لم تخرج عن إطارها المعتاد عليه منذ أن أصبحت مقاعد الحكم مطلب أساسي لا يمكن الاستغناء عنه بل اصبحت ميراثاً للأبناء من بعد تلك الاجساد الملتصقة.
شعارات براقة ، وحماس فوق التصور ، وافاضة في تفسير الاحداث ، ومقترحات كثيرة طرحت ، جعلتنا نظن أن حرب التحرير على وشك الحدوث ، أو على الاقل اتخاذ موقف جماعي من شأنه أن يضع حداً لممارسات الكيان الصهيوني المتغطرس والدعم الوقح من الحكومة الامريكية لكل ما تقدم عليه تلك الدولة الارهابية. ولكن ما رأيناه فعلاً أن كل تلك الافعال والأقوال ، لم تكن إلا " تنفيس " صوري لا يمت للواقع بصلة.
كثيرون من القادة صوروا أنفسهم بأنهم مناضلون يهمهم مصلحة الشارع العربي ، وأنهم يطلبون بالحاح من الاردن ومصر بفتح الحدود أمامهم لإرسال المناضلين للجهاد . ألا يمكن لتلك الدول أن تسلك طرقاً أخرى غير هاتين الدولتين؟! أليس البحر المتوسط مفتوحاً للجميع؟! ألا يمكن لطائراتهم أو صواريخهم المكدسة أن تدك وسط تل أبيب ؟! إن تلك الحجج الواهية ، ما عادت تقنع المواطن العربي ، بل على العكس من ذلك ، فقد صار كل منا يعلم كل العلم أن مثل هؤلاء القادة ما هم إلا عملاء ومرتزقة للصهيونية ، من شأنهم كسر الوحدة العربية ، وتشكيك الشعوب بقاداتها .فإذا كانوا غير ذلك فما عليهم إلا المبادرة بالضربة الاولى ، ولا شك أن البقية سوف تتحرك ، شاءت ذلك أم أبت.
كنت أتمنى أن أذكر دولة عربية واحدة ، لم تقم بقتال الفلسطينيين ، أو قتلهم ، أو ارتكاب المجازر بحقهم ، أو طردهم . إن كل دولة عربية ترى في وجود الفلسطينيين على ارضهم خطراً داهماً ، فوجودهم سيجعل الجيش الذي لا يقهر ، يتحين الفرص للإنقضاض عليها . لذا فالأولى بها أن تحافظ على سيادتها وتتحاشى تلك الهجمات الصهيونية. أما من أراد من الفلسطينيين العيش لديهم ، فعليه أن ينخرط في صفوف المتقاعصين ، المتجاهلين للقضية ، وأن ينسوا فكرة وجود دولة فلسطينية محتلة .
إن مشكلتنا العربية الاساسية تكمن في اعتمادنا على مرجع واحد لا يمكن مجابهته. فأمريكا هي صاحبة القرار في تقرير مصائرنا ، وعلينا أن نلتزم بكل ما تمليه علينا من أوامر وتعليمات لا نستطيع أن نجتهد حتى فيما يصعب علينا فهمه منها. ماذا تنتظرون من راعي البقر وأعوانه ؟!! هل ينتظر منهم أن يقفوا معنا ؟!! إذا كانوا هم من أقام دولة للصهيونية واجتهدوا لإقامتها ، فهل سيقفون ضدها الآن؟

لقد جاء الرد كما أسلفت الذكر، رداً وحشياً سافراً . بل ان جاز لي القول حرباً طاحنة لم تتاون "إسرائيل" باستخدام شتى أنواع الأسلحة الفتاكة ، والاليات الضخمة ، لاجتياح كافة المناطق الفلسطينية ، لقتل أبناءنا وآباءنا وامهاتنا وأجدادنا وإخواننا وإخواتنا ، بل وقد طالت أيديهم كل ما يقابلون أمامهم من طيرٍ وماشية . ولقد ارتكبوا المجازر بكل وحشية وتجبر ، لا يمكن للعقل البشري أن يستوعب فيها تلك الجرائم من هول ما حدث.
نحن هنا لسنا بصدد سرد ما جرى من أحداث ، فلا شك عندي من أن مثل هذه الاحداث لم تخفى عن الطفل قبل الكبير ، ورأينا ما رأينا وتابعنا كل ما يجري؟
إن ما يدعونا للكتابة هو موقفنا العربي المتخاذل ، تجاه قضية أهلنا في فلسطين وما يعانونه. فقد بدأت الحملة "الاسرائيلية برأس النبع" أولاً والمحاصر في سجنه ، قابع تحت رحمة شارون يصرح له بالموافقات أو الرفض لأي مطلب يريده.أي مهانة يعامل بها ( رمزٌ ) للنضال والكفاح . وأين رفاقه وإخوانه القادة العرب من كل ما يجري له . لا أحد يملك أن يجبر "إسرائيل" على فك حصاره . أنا لا أعني بهذا أن عرفات هو القضية كما حاول بعض الزعماء تطميننا أنهم حصلوا على الوعود بعدم المساس بحياته ، في وقت كان فيه شارون يتوغل في الاراضي الفلسطينية ويرتكب المجازر ولا أحد يأبه لهم هناك. لقد كانت القضية أكبر من أي شخص حتى ولو كان رمز النضال . لقد كنا ننتظر موقفا عربياً موحداً يهب هبة رجل واحدٍ لنصرة هذا الشعب والدفاع عنه ، وقتال "الاسرائيليين" لما يرتكبوه بحقهم - ليس لأنهم فلسطينيون إذا كان هذا ما يؤرقهم - بل لأنهم أمة عربية اسلامية ، وللدفاع عن تلك الأراضي المقدسة التى عزّها الله ورسوله وذكرها بقرآنه.

والغريب بالأمر أن الوقفة " المشرفة " كانت مدعاة لأن نكون أمة " تحتذى " أمام جميع المجتمعات العالمية بحيث أصبحت تعاملنا بالاحترام والهيبة.
أي عار هذا الذي أوقعوه علينا. تارة يخرج أحد اولئك القادة ليتوسل من دول الحدود أن يفتحوها أمام المناضلين ، وكأن الحدود البحرية قد أغلقت أمامه ! وكأنه لا يملك طائرات تستطيع حمل مقاتليه الى هناك ودك ساحات العدو ، ثم يهدأ تماما. وآخر مثله خبير في التفاسير والتعبيرات النحوية لا أكثر ، تظنه سيبدأ فوراً باطلاق الشرارة الاولى ، ولكن قبل أن ينهي كلامه يختمه بقول " لا نريد حرباً " !! فما نفع ما ينطق به ؟! اليست هذه مجرد مهاترات ؟! وأخرون يستوردون البضائع "الاسرائيلية" والامريكية الداعمة له ، بل ويقمعون أبناء شعوبهم بأسلحة من صنع الصهاينة . وبدلاً من تقديم الدعم بالسلاح - على أقل تقدير دون أن يخوضوا القتال بأنفسهم - تآمر بعضهم على كشف شحنة الاسلحة المتوجهة الى السلطة .
لقد أصبح هؤلاء الحكام الثابتون دائماً ، والمعينون من قبل أمريكا والصهاينة ، ليكونا " ككلاب " حراسة يقومون على رعاية مصالحها وتنفيذ أوامرها. هذه سياسة عربية لم تخرج عن اطارها هذا منذ إحتلال أرض فلسطين ، وتهويدها على أيدي حكامها ، ومن خلال جامعة الدول العربية ، والتي أنشأتها بريطانيا لتستطيع الحصول على موافقة أغلبية الدول العربية لسياسة التهويد ، وزراعة الكيان الصهيوني .
لا نريد سلاماً ، ولا مبادرات ، ولا نريد أن نرى صهيونياً واحداً على أرض فلسطين .إن فلسطين هي ليست تلك المناطق التي حددها مجلس الامن ، والتي ترفض "اسرائيل" حتى السماح لنا بها. إن فلسطين هي كل شبر من أرضها ، لا نقبل فيها مزايدة أو مناقصة ، ولا نقبل أن يعيش فيها والى جوارنا هذا السرطان الدخيل .
شاء من شاء وأبا من أبا ، فنحن على طريق تحرير فلسطين ، والنصر حليفنا . أمّا أنتم ايها القاعدون ، النائمون ، الغارقون في عسلكم ، الملتصقون بمقاعدكم ، فلا تفرحوا كثيراً ، فلا شك أن موعدكم قريب ، فلن تعود فلسطين بتبرعاتكم المالية - إن فعلتموها - والتي لا تفعلونها إلاّ بإذن من سيدكم؟
م. يوسف قاسم
17-4-2002