معضلة اسرائيل الكبرى في هذه الأيام هي نفسها معضلة الولايات المتحدة وهي في ذات الوقت معضلة عدد من الانظمة العربية بمعنى أن هذه المعضلة هي القاسم المشترك لهذه الأطراف مجتمعه
المعضلة هي هذا التأهب النفسي الذي يسمى بفتح شهية الفلسطينيين للتمنطق بالحزام الناسف وهي شهية تترشح يوما بعد آخر للإنتشار خارج حدود فلسطين لتصبح بمثابة العدوى التي تصيب فئات إجتماعية واسعة خاصة من بين الشباب العرب
منتهى الخطورة في هذه الحالة هو الأمر الذي يتم التكتم عليه من قبل الثالوث آنف الذكر أي اسرائيل والولايات المتحدة وبعض الأنظمة العربيه وهذا التكتم مقصود بذاته كوسيلة من وسائل محاصرة العدوى ذلك أنهم يخشون إذا ما كشفوا عن (( رعبهم من الحزام الناسف )) أن يشكل ذلك إغراءا مغناطيسيا يجذب بتسارع أكثر عددا متزايدا من - الإنتحاريين المتمنطقيين بالأحزمة الناسفه
طبيعي أن يصاب الثالوث المذكور بالذعر ذلك أنه لأول مرة منذ التفجر التكنلوجي للتسلح يقف القطب الأمريكي ومعه اسرائيل أمام تهاوي نظرية الردع وهي النظرية التي على أساسها تم إغراق اسرائيل في محيط من الأسلحة لأجل أن يعد العربي للعشرة وللمليون قبل أن يجرؤ على النيل من اسرائيل بأية صورة من الصور .. لكن هذا الردع تآكل وتهاوى في سياق ردع جديد هو - الإستشهاد - فلأول مرة يخرج الفلسطيني بحزامه الناسف معلنا أنه سيكون أول من يشطب نفسه لشطب الآخر ولا يتوقف للحظة ليعد للعشرة أو لأقل من العشرة
أي سلاح رادع يمكن أن يوقف المتمنطق بالحزام الناسف .. الذرة تردع فقط من يحرص على الحياة .. المال يغري فقط من يمني النفس بمتاع الدنيا .. السجون والزنازين تخيف فقط من تدور في مخيلته عقارب الساعة الزمنيه فيحسب عمره كمثل رصيد في بنك ولكن هذا الذي تمنطق بالحزام الناسف ما الذي سيخسره وهو مسبقا أوقف عقارب ساعته
هي إذن معضلة أمام راسمي إستراتيجية الردع .. وتكبر المعضلة في فشلهم في مجابهتها إعلاميا ودعائيا فقد حاولوا تقزيمها عبر القول أنها قاصرة على الأصوليين أي المتدينيين فإذا بها تسري في دماء آخرين سواهم فهذه الأيام إتسعت لينخرط فيها شباب من غير حماس وغير الجهاد وزاد الرعب حين تهاوت حصون أخرى من بواعث الطمأنة في نفوسهم وذلك بعد إنخراط المرأة فكانت وفاء إدريس مثالا على ذلك
هنا يبرز بجلاء أن قادة الثالوث المذكور بدون إدراك منهم باتوا أسرى حالة الإحساس بالرعب من سلاح الردع هذا والأنكى من ذلك أنهم باتوا أيضا أسرى العجز في مسألة محاصرة هذا السلاح وإبطال مفعوله والمضحك في هذه المسألة أنهم أي قادة اسرائيل على سبيل المثال ذهبوا لمحاصرة هذا السلاح إلى العمل على سعة إنتشاره وذلك بإقدامهم على إكتساح المدن والقرى والمخيمات الفلسطينيه فهم قد خلفوا وراءهم دمارا إنما تركوا أيضا كل الظروف البيئيه لنمو خلايا إستشهادية جديدة بل يقال أن كوادر الإسشهاد تعاني هذه الأيام من فائض كبير
النتيجة المتوخاة من هذا السرد كله هو القول أنه لأول مرة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أصبح للفلسطيني سلاح رادع يجابه حتى سلاح الذرة الإسرائيلي بل لربما أخطر ذلك أن الذرة يمكن معالجتها بالذرة والدبابة بالدبابة لكن - المستشهد فليس هنالك المقابل له
هنا حقيقة تكمن المعضلة الإسرائيليه وذلك في محاولة إيجاد الجواب .. فالسؤال المطروح ساعة ساعه على قادة اسرائيل : ماذا نعمل ؟؟
وذات السؤال مطروح على بعض الأنظمة العربيه : هو ماذا نعمل لكي لا تمتد العدوى إلى شعوبنا ويصبح - الإستشهاد شكلا من أشكال النضال ضد أركان وهياكل التعسف العربي
نحن حقيقة أمام مرحلة جديدة ستحدث إنقلابا في العالم العربي يفضي إلى القناعة لا بالركون إلى الجيوش وأجهزة القمع وإنما بالركون إلى العدل
هذه القناعه ستأخذ طريقها أولا إلى العقلية الإسرائيليه وبوادر ذلك بدأت في الأصوات التي تتعالى داخل اسرائيل بأن الحل هو العدل
وفي المزامير يقال - من عاش بالسيف يموت بالسيف
وفي المقاومة الفلسطينية تم التعديل ليكون - من عاش بالإحتلال يموت بالحزام
|