التطور السياسي لمسلمي أمريكا وأزمة الحادي عشر من سبتمبر
بقلم : علاء بيومي
بسم الله الرحمن الرحيم

ما هي درجة التطور السياسي لمسلمي أمريكا؟ وأين وصلوا كجماعة سياسية لها وجودها السياسي المعتبر وكجماعة سياسية تفرض نفسها بين الجماعات المكونة للمجتمع الأمريكي والمؤثرة على سياسة حكومته الداخلية والخارجية؟ وما آثار أحداث الحادي عشر من سبتمبر الماضي على هذا التطور؟ هذه المقالة هي محاول للإجابة على الأسئلة السابقة.

مسلمو أمريكا تخطو مرحلة النشأة السياسية
قد يعود تاريخ وجود المسلمين في أمريكا إلى عام 1492 أو قبل ذلك، حيث يتحدث بعض المؤرخين عن أن إكتشاف كريستوفر كولمبس لأمريكا كان بمساعدة بعض بحارته المسلمين، كما يتحدثون عن إتباع بعض قبائل العالم الجديد الأصلية لعادات إسلامية كدليل على وصول المسلمين إلى أمريكا قبل كريستوفر كولمبس، و يؤكدون على وجود العديد من المسلمين بين الأفارقة الذي أحضروا إلى أمريكا في موجات تجارة العبيد الشائنة.
ولكن إستقرار المسلمين وتميزهم كجماعة مستقلة داخل المجتمع الأمريكي بدأ مع ستينات القرن العشرين، فقد ساعدت قوانين الهجرة الأمريكية الجديدة وموجات الطلاب المسلمين القادمين للدراسة بالغرب وثورة الحقوق المدنية الأمريكية وتوجه الأقلية الأفريقية الأمريكية نحو الإسلام في زيادة عدد المسلمين في أمريكا بشكل ملحوظ منذ أواخر الستينات.
ومنذ منتصف السبعينات شرع مسلمو أمريكا بقوة في بناء مؤسساتهم الأساسية والضرورية مثل المساجد والمراكز الثقافية الإسلامية والمنظمات الإجتماعية ثم المدارس الإسلامية، حيث تشير "دراسة المساجد في أمريكا" التي أصدرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) هذا العام إلى أن 2 % من المساجد الأمريكية تم تأسيسها قبل عام 1950، وأنه منذ عام 1970 تم تأسيس 87 % من المساجد الموجودة حاليا، بينما يمثل عام 1980 عاما فارقا حيث تم تأسيس نصف مساجد أمريكا قبل عام 1980 بينما أسس النصف الأخر بعد هذا العام.
وفي أواخر الثمانينات وبداية التسعينات بدأ مسلمو أمريكا مرحلة تأسيس مؤسساتهم السياسية والإعلامية حيث تأسست المؤسسات السياسية المسلمة الأمريكية الأربعة الكبرى وهي - مرتبة وفقا لسنة إنشائها - مجلس الشئون العامة الإسلامية (MPCA) والذي أسس في عام 1988، والمجلس الإسلامي الأمريكي (AMC) والذي أسس في عام 1990، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) والذي اسس في عام 1994، والتحالف الإسلامي الأمريكي (AMA) والذي أسس في عام 1994، وفي عام 2000 أسست تلك المؤسسات مجتمعة المجلس الإسلامي الأمريكي للتنسيق السياسي (AMPCC) لكي يقوم بمهمة التنسيق بين نشاطات المؤسسات الأربعة السياسية.
وتأسيس تلك المؤسسات جاء تعبيرا عن القوة المتزايدة للمسلمين الأمريكين سواء على مستوى عددهم الذي يقدر حاليا بحوالي سبعة ملايين أو على مستوى إمكاناتهم التعليمية والإقتصادية والعمرية، حيث تشير دراسة المساجد السابق الإشارة إليها إلى القدرات العالية التي يتمتع بها الناشطون المسلمون بتلك المساجد، حيث أن 81 % منهم من الحاصلين على شهاداتهم الثانوية على الأقل، و48 % منهم حاصلين على شهادتهم الجامعية، ومن الناحية العمرية يتميزون بالشباب حيث أن 47 % منهم تقل أعمارهم عن 35 عاما، وتنحصر نسبة من تزيد أعمارهم على ال 60 عاما في 11 % فقط منهم، وبالنسبة لدخولهم فتبلغ نسبة الحاصلين على أكثر من 20 ألف دولار بينهم 76 %. كما تشير الإحصاءات إلى أن هذه النسب في إستقرار وفي نمو خاصة أن 30 % من هؤلاء النشطين هم من المسلمين الجدد.

مرحلة جديدة وأجندة سياسية موحدة
تأسيس هذه المؤسسات جاء أيضا إيذانا ببدء مرحلة جديدة من مراحل وجود المسلمين في أمريكا، مرحلة تتخطى الإستجابة للحاجات الدينية والإجتماعية الأساسية مثل المساجد والمدارس والمؤسسات الإجتماعية والثقافية إلى بناء القوة السياسية والإعلامية للمسلمين الأمريكيين والتحرك الدؤوب لتنفيذ برنامج عمل مشترك وواضح يقوم على أربعة محاور رئيسية، وهي:
1- مكافحة محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين بالإعلام الغربي وإستبدال الصور السلبية بأخرى إيجابية.
2- زيادة وعي المسلمين الأمريكيين بحقوقهم المدينة وخاصة فيما يتعلق بحقهم في ممارسة دينهم بمختلف المؤسسات العامة الأمريكية،
3- والدفاع عن تلك الحقوق من خلال جهد منظم وعملي.
4- تشجيع المسلمين الأمريكيين على المشاركة في الحياة السياسية الأمريكية وإستخدام حقوقهم المكفولة دستوريا خاصة حقوق التصويت وحرية الرأي والتعبير وحرية التنظيم السياسي والترشح لتولي المناصب السياسية.
5- العمل على التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية لتطوير الموقف الأمريكي من قضايا المسلمين الهامة وعلى رأسها قضية فلسطين وقضية كشمير وقضايا الأقليات المسلمة المظلومة في بلدان كيوغسلافيا السابقة وروسيا.
كل هذا يعني أن المسلمين الأمريكيين قد دخلوا مرحلة جديدة من مراحل تطور علاقتهم بغيرهم من الجماعات الأمريكية، تتخطى مرحلة النشأة إلى مرحلة الاستقرار والحفاظ على الحقوق والسعي لزيادة تأثيرهم السياسي وأنه بات عليهم بناء تحالفاتهم مع الجماعات القريبة منهم والمرحبة بوجودهم والمساندة لتقدمهم وذلك لمواجهة من سيحاولون إيقاف ذلك التقدم أو القضاء عليهم كجماعة أمريكية صاعدة سياسيا.

اللوبي المعادي للإسلام ومحاولة وقف التقدم السياسي لمسلمي أمريكا
لا شك أن القوى المعادية للمسلمين الأمريكيين لا تقتصر على اللوبي الإسرائيلي فهناك أيضا الجماعات الدينية المتطرفة واللوبي الهندي واللوبي العلماني المتطرف، كل هذه الجماعات تحاول منع تقدم المسلمين سياسيا وإعلاميا بالولايات المتحدة بمختلف الطرق وعلى رأسها تشويه صورة الإسلام ووصم صورة المسلم لدى المواطن الأمريكي العادي بالعديد من الصفات السلبية كالإرهاب والتطرف الديني والعنف خاصة ضد النساء والأطفال وعدم العقلانية.
ومما لا شك في أيضا أن تلك القوى هي التي بدأت المواجهة مع المسلمين الأمريكيين ومنظماتهم، بل إن المنظمات المسلمة تعمدت تلافي المواجهة إنطلاقا من رؤيتها الإسلامية الداعية إلى السلام والإنفتاح على الأخر ورغبة منها في عدم تشيت موارد جماعتها الجديدة الناشئة في مواجهات حددها الأخرون. ومما يميز اللوبي الإسرائيلي هنا، وما يدفعنا للتركيز عليه كمصدر التحدي الأساسي للقوى الإسلامية الأمريكية المتصاعدة، هو ما تتصف به عداوته للقوى الإسلامية الأمريكية من تطرف شديد، ويتضح هذا التطرف على أكثر من سبيل.
أولا : معظم القوى المعادية للإسلام تحاربه في قضية محددة أو في دولة ما، مثل معاداة بعض الجمعيات المسيحية المتطرفة للإسلام في السودان، ومعاداة اللوبي الهندي للإسلام في كشمير وباكستان، ومعاداة قوى الإنحلال الأخلاقي لموقف الإسلام من العلاقات الجنسية، ويبقى اللوبي الإسرائيلي الأشمل في عداءه للإسلام. بمعنى أخر اللوبي الإسرائيلي يمتلك أوسع أجندة معادية للإسلام والمسلمين في أمريكا، فهي تكاد تشمل جميع الدول المسلمة والعربية.
ثانيا : اللوبي الإسرائيلي يحارب القوى الإسلامية الأمريكية مستخدما أرخص الأساليب وعلى رأسها محاولة القضاء على تلك القوى في مهدها ومنعها من الحصول على أبسط حقوقها التي يكفلها لها الدستور الأمريكي.
ثالثا : اللوبي الإسرائيلي ذو قدرة عالية على النفاق، فقد إستطاع عبر عقود طويلة تطوير آلة دعاية ضخمة ضللت الرأي العام الغربي عموما والأمريكي خصوصا بخصوص ما يجري بالشرق الأوسط، وألصقت صورة المسلم والعربي لدى المواطن الأمريكي بالعديد من المفاهيم السلبية كالإرهاب والعنف وعدم الرغبة في السلام.
رابعا : خلال الأشهر الأخيرة والتي سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر دخل اللوبي الإسرائيلي في عدائه للقوى الإسلامية الأمريكية مرحلة جديدة من العداء السافر تخلى فيها عن إسلوب العداء غير المباشر الذي تحلى به خلال السنوات الأخيرة، وبدأ حملة سافرة لمقاومة نجاح المسلمين السياسي على المستويات المحلية ونجاح منظماتهم الكبرى في واشنطن.

اللوبي الإسرائيلي: من العداء غير المباشر إلى العداء السافر
في السنوات القليلة الماضية حاول اللوبي الإسرائيلي إجهاض جهود القوى الإسلامية الأمريكية التي بدأت في التبلور منذ منتصف التسعينات عبر أدوات غير مباشرة عديدة كان من أبرزها تأييد أكبر المنظمات اليهودية مثل اللجنة اليهودية الأمريكية ولجنة مكافحة التشويه لأحد بنود قانون مكافحة الإرهاب يسمح للحكومة الأمريكية بإحتجاز الأجانب المقيمين بالولايات المتحدة بدون دليل معلن لهم أو لمحاميهم إذا شكت في ضلوعهم في نشاطات إرهابية، وعرف هذا البند من القانون بإسم قانون "الأدلة السرية"، ومنذ تمرير الأدلة السرية في عام 1996 تم تطبيقها بصفة تكاد تكون منفردة ضد المسلمين والعرب المقيمين بالولايات المتحدة، وقد إستطاعت المنظمات المسلمة بعد مجهودات طويلة على مدى السنوات الخمسة الماضي لفت إنتباه الكونجرس والإدارة الأمريكية إلى عدم دستورية هذا القانون وإلى ما يحملة من قيم تتنافي مع قيم الديمقراطية التي يقوم عليها المجتمع الأمريكي.
وفي عام 1999 سحب عضو الكونجرس الأمريكي ريتشارد جبهارت ممثل الحزب الديمقراطي عن ولاية ميسوري ترشيحه لأحد مسئولي مجلس الشئون العامة الإسلامية (MPAC) لعضوية اللجنة القومية لمكافحة الإرهاب وذلك لإعتراض اللوبي الإسرائيلي على هذا الترشيح.
وفي العام الماضي وبإيعاز من اللوبي الإسرائيلي هاجم مرشح الحزب الجمهوري لمجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية نيويورك ريك لازيو مرشحة الحزب الديمقراطي لمجلس الشيوخ هيلاري كلينتون لحصولها على دعم مالي من منظمات مسلمة في حملتها الإنتخابية، في الوقت نفسه وفي جورجيا هاجم مرشح الحزب الجمهوري لمجلس النواب الأمريكي صني وارن مرشحة الحزب الديمقراطي سنثيا ماكين لتعاطفها مع بعض قضايا المسلمين. وما حدث خلال الشهور الأخيرة هو تحول هجوم اللوبي الإسلائيلي على القوى الإسلامية الأمريكية من منظمات وطنية وإقليمية إلى أسلوب النقد العلني المباشر النابع من أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي ذاتها والتي بدأت تعلن صراحة عن رغبتها في حشد طاقاتها لمواجهة القوى الإسلامية بعد علو صوتها في نقد إسرائيل، ومقال ديفيد هاريس المدير التنفيذي لأحد أكبر المنظمات اليهودية الأمريكية وهي اللجنة اليهودية الأمريكية مقالا بجريدة الجروزاليم ريبورت الإسرائيلية في الثامن من عشرين من مايو الماضي يعطينا مثالا واضحا على ذلك، فقد كتب ديفيد هاريس "نحن (اللوبي الإسرائيلي) لا يمكننا أن نقلل من قدرة اللوبيين العربي والمسلم (في أمريكا) أو نخدع أنفسنا بخصوص غاياتهما النهائية .
المخاطرة عالية جدا. النداء هو لعمل يهود أمريكا - هم وإسرائيل معا - هو نداء واضح".
دعوة ديفيد هاريس لتوحيد اللوبي الإسرائيلي ضد القوى العربية والإسلامية يعبر في جانب منه عن الطفرة التي شهدها أداء القوى الإسلامية والعربية منذ صيف العام الماضي حيث ساعدت إنتفاضة الأقصى والإنتخابات الأمريكية على تنشيط جهود القوى الإسلامية بشكل غير مسبوق، كما تبدو القوى الإسلامية محافظة على هذا النشاط وراغبة في تطويره.
نداء ديفيد هاريس يعبر في جانبه الأخر عن رغبة اللوبي الإسرائيلي في تصعيد حملته ضد القوى الإسلامية بشكل غير مسبوق، وقد تبلورت تلك الحملة أخيرا في إتجاهين.
أولا : أن يستمر اللوبي الإسرائيلي في إعاقة تقدم المسلمين الأمريكيين على مستوى المحليات، كما حدث مؤخرا في نيوجرسي ونيويورك، ففي نيوجرسي شنت لجنة مكافحة التشويه وهي أحد أكبر الجماعات اليهودية الأمريكية حملة على مرشح الحزب الجمهوري لولاية نيوجرسي السيد برت شندلر لتقربه من مسلمي الولاية بهدف جذب أصواتهم لصالحة، وفي نيويورك شن أحد أكبر السياسيين اليهود بالمدينة دوف هايكند هجوما على السيد مارك جرين وهو أحد المرشحين لمنصب عمدة مديية نيويورك لنفس السبب.
ثانيا : شن أكبر جماعات اللوبي الإسرائيلي هجوما مكثفا على أكبر المنظمات المسلمة الأمريكية، ومن أهم هذه الحملات الهجوم الذي شنتة أربعة من أكبر المنظمات اليهودية الأمريكية على مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) خلال شهر يونيو الماضي، ففي الحادي عشر من شهر يوليو الماضي أصدر كل من اللجنة اليهودية الأمريكية ولجنة مكافحة التشويه والكونجرس اليهودي الأمريكي بيانا ينتقد مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) ويعلن إنسحاب المنظمات الثلاثة من تحالفا لبعض منظمات الحقوق المدنية لإنضمام كير لهذا التحالف، وفي الثامن عشر من يوليو أرسلت المنظمة الصهيونية الأمريكية بيانا صحفيا هنئت فيه المنظمات الثلاثة السابقة على موقفها ضد كير معلنة إنضمامها لتحالفهم ضدها.

مقدمات ناجحة لخطاب إسلامي أمريكي
المحلل القريب من الأحداث يمكنه إدراك أن المنظمات المسلمة الأمريكية لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هجوم اللوبي الإسرائيلي عليها بل قامت بالرد على مختلف إتهاماته وبادرت بالهجوم عليه في مواقف عديدة منها إنتقاد مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في أغسطس الحالي لمنظمة بناي بريث العالمية وهو أحد أكبر المنظمات اليهودية في أمريكا والعالم لقيامها بتوزيع منشورات تنفي ظاهرة الإسلاموفوبيا (العداء للإسلام) خلال مؤتمر نظمته في الحادي عشر من شهر أغسطس الماضي، وأهم من ذلك هو نجاح بعض المنظمات المسلمة الأمريكية - عن طريق جهدها الذي لا ينقطع لتقديم وجهة نظر المسلمين الأمريكيين بالمحافل الإعلامية والسياسية الأمريكية - في تطوير خطاب إسلامي أمريكا ناجح على المستويين الإعلامي والسياسي، وسيكون لرواج هذا الخطاب الإعلامي الجديد أبلغ الأثر في إبطال مفعول مؤمرات اللوبي الإسرائيلي ضد القوى الإسلامية الأمريكية لأن من شأنه إقناع الرأي العام الأمريكي بمنطق جديد للتفكير في قضايا الإسلام والمسلمين. ومن عناصر هذا الخطاب الجديد ما يلي:
1- المسلمون الأمريكيون هم أمريكيون لهم كأفراد نفس حقوق أي أمريكي أخر، وأن اللوبي الإسرائيلي يحاول أن يستثنيهم من الديمقراطية الأمريكية، وقد ركزت المنظمات المسلمة على هذه القضية في مجال نقدها لحملة اللوبي الإسرائيلي على نشاط المسلمين السياسي بولايتي نيويورك ونيوجرسي.
2- بعض سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة تعد إنتهاكا للقوانين الأمريكية، وقد إستغلت المنظمات المسلمة إنتهاك إسرائيل لقانون صادرات الأسلحة الأمريكية بإستخدامها لطائرات إف 16 الأمريكية في قصف المدنيين الفلسطينيين الأمر الذي جلب على إسرائيل نقدا إعلاميا كبيرا ونقد بعض السياسيين مثل السيد جون كونيورز عضو الكونجرس عن ولاية مشيجان.
3- المسلمون الأمريكيون حريصون على المصلحة الأمريكية ويسعون إلى تحسين صورة أمريكا في العالم بمساعدتها على تبني سياسات دولية عادلة عند التعامل مع دول العالم الإسلامي أو غيرها.
4- ظاهرة الإسلاموفوبيا (العداء للإسلام) ظاهرة متنامية في الغرب وأمريكا واللوبي الإسرائيلي هو أحد أهم مشعلي التوجهات المعادية للإسلام. وقد ساعد ما يقوم به مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) من توثيق لما يتعرض له المسلمون من تمييز وما يتعرض له الإسلام من تشويه في أمريكا على تسليط الضوء الإعلامي على وجود ظاهرة الإسلاموفوبيا كظاهرة تستحق الإلتفات لها وتتطلب معالجة حتى لا يستمر معاناة المسلمين منها، وجددت أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من موجة عداء للمسلمين المخاوف من إنتشارر ظاهرة الإسلاموفوبيا، كما أدت إلى تركيز مزيد من الضوء الإعلامي والجماهيري على وجود تلك الظاهرة بالولايات المتحدة.

فرص وتحديات حالية أمام التقدم السياسي لمسلمي أمريكا
أثار حوادث الحادي عشر من سبتمبر وما تبعها من موجة عداء شعبي وإعلامي ضد المسلمين في أمريكا لم تكن سلبية على طول الخط فقد قادت إلى العديد من الدفعات الإيجابية لمسلمي أمريكا كقوة سياسية، نذكر من تلك الإيجابيات ما يلي:
أولا : فتحت الأزمة أمام المنظمات المسلمة الأمريكية أبواب أكبر المؤسسات السياسية والإعلامية الأمريكية، بل أن الرئيس الأمريكي نفسه التقى بالمنظمات المسلمة لأمريكية مرتين خلال الأسابيع الثلاثة التالية للحادي عشر من سبتمبر، أضف إلى ذلك تمييز الرئيس الأمريكي والعديد من مساعديه بين الإسلام وبين مرتكبي الحوادث الإرهابية الأخيرة.
ثانيا : الأزمة خلقت شعورا بالتوحد والتحدي داخل المجتمع المسلم الأمريكي، وعلى الرغم من أن التحدي الذي خلقته الأزمة قد يخيف العديدين ويدفع بعضهم إلى ترك الولايات المتحدة كما فعل بعض المسلمين الأجانب في الولايات المتحدة، إلا إنه زاد من ارتباط العديد من المسلمين والعرب ببعضهم البعض والتفافهم حول مؤسساتهم كما ظهر في إقبال المسلمين الكبير على تلبية دعوة منظماتهم ومساجدهم لهم في أكثر من مناسبة أو حدث خلال الأسابيع الأخيرة.
ثالثا : الأزمة مثلت فترة انقطاع في عقلية المواطن الأمريكي (المسلم وغير المسلم) جعلته يفكر في علاقته بالإسلام والمسلمين بشكل جديد وغير مسبوق، فقد تحدثت جريدة USA Today الأمريكية الشهيرة في عددها الصادر يوم السابع عشر من سبتمبر إلى نفاذ الكتب المتعلقة بالإسلام والشرق الأوسط مكتبات الولايات المتحدة مشيرة إلى اهتمام الأمريكيين المتزايد بمناقشة الإسلام وعلاقة الشعب الأمريكي بأبناء الشعوب الإسلامية.
نفس الأمر حدث مع العديد من المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة فقد دفعتهم الأزمة وما تضمنها من هزة إلى مراجعة المصادر والمؤسسات الإسلامية للبحث عن أجوبة لما أثارته الأزمة من تساؤلات عن الإسلام.
على الجانب الأخر خلقت الأزمة أمام مسلمي أمريكا تحديات سياسية كبيرة أهمها، نذكر منها ما يلي:
أولا : أوجدت الأزمة ما يشبه بحالة طوارئ غير معلنة تسيطر على تصرفات وعقول المواطنين الأمريكيين، وأصبحت مقولة "لا صوت يعلو على صوت المعركة" أحد المقولات الأساسية المحركة للرأي العام الأمريكي خلال الفترة الراهنة، وخلال فترات الطوارئ يصعب التنبؤ بالسياسات وتقل أهمية المحافظة على الحقوق والحريات الفردية ويبرر السياسيون لأنفسهم سلوكيات كان يستحيل عليهم التفكير فيها قبل الأزمة. وقد صيغت خلال هذه الأزمة العديد من القوانين المتعلقة بتحقيق أمن أمريكا على الصعيدين الداخل والخارجي وسيكشف المستقبل وحده عما تحمله تلك السياسات من إيجابيات أو سلبيات تجاه تطور مسلمي أمريكا السياسي.
ثانيا : أوجدت الأزمة عدو شعبي عام للشعب الأمريكي وهو المتطرف أو الإرهابي المسلم والذي أصبح يمثل لرجل الشارع الأمريكي أحدث أساطير العداء والشر، وقد تستخدم تلك الأساطير لتخويف رجل الشارع الأمريكي البسيط من الإسلام والمسلمين، بل إنها قد تستخدم لتخويف كبار السياسيين من كل ما هو إسلامي أو مسلم.
ثالثا : الأزمة الراهنة فتحت الباب للوبي المعادي للإسلام لإخراج ما في جعبته من اتهامات للإسلام والمسلمين وقد زادت تلك الاتهامات بعد مقابلة الرئيس الأمريكي مع قادة المنظمات المسلمة الأمريكية حيث شن هذا اللوبي حملة انتقادات واسعة على الإدارة الأمريكية لمقابلتها مع المنظمات المسلمة وعلى المنظمات المسلمة وقادتها مستخدمة نفس الحجج الواهية التي طالما استخدمها في الماضي لتشويه سمعة تلك المنظمات والتي لا تعدو أن تكون تلاعبا بالألفاظ والأفكار وإتباعا لمنطق اللوبي الإسرائيلي في نقد المنظمات المسلمة الأمريكية.

مستقبل التطور السياسي لمسلمي أمريكا
في اعتقادي أن الأزمة الراهنة لن توقف التطور السياسي للقوى الإسلامية الأمريكية حتى لو عطلته لبعض الوقت، وذلك للأسباب التالية:
أولا : وقبل أي شي طبيعة القوى السياسية الأمريكية ذاتها واستنادها على الهوية الإسلامية كمصدر لقيمها مما يجعلها قوى أقل تعرضا لضغوط الذوبان السياسي والاجتماعي داخل المجتمع الأمريكي، فالهوية الإسلامية تمد تلك القوى بمصدر دائم للتميز والتفرد والذاكرة الجماعية المستقلة داخل المجتمع الأمريكي.
ثانيا : طبيعة التطور السياسي لمسلمي أمريكا كتطور طبيعي وأعني بذلك أن تطور مسلمي أمريكا السياسي لم يحدث بين يوم وليلة ولا يرتكز على مؤسسة بعينها أو فرد بذاته أو جماعة سياسية أيدلوجية بعينها، إنما هو تطور طبيعي نتج على مدار عقود يعتمد في طاقته على موارد عديدة مثل الجيل الثاني من أبناء المسلمين الأكثر قابلية وقدرة على الانخراط في المؤسسات السياسية والإعلامية الأمريكية، والمساجد الشابة ذات القيادات الشابة والمتفتحة، وجو حرية الفكر والعبادة الذي يزود مسلمي أمريكا بحوالي 15-20 ألف مسلم جديد كل عام.
ثالثا : ما بناه المسلمون الأمريكيون خلال السنوات الماضية من رصيد سياسي وقد تحدثنا فيما سبق عن الخطاب الإسلامي الأمريكي الجديد، ويمكن أيضا التحدث عن ما هو أشبه بإرهاصات ومقدمات حركة حقوق مدنية مسلمة تجدها في اهتمام العديد من الشباب المسلم بحركات السلام وجماعات حل الصراعات بالطرق السلمية في أمريكا وتجدها أيضا في استخدام المنظمات المسلمة لأساليب تلك الحركات في علمها وهو الأمر الذي يفسر جزئيا نجاح منظمة مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) والذي يعول في الكثير من نشاطاته على العديد من أساليب ووسائل حركات الحقوق المدنية السلمية الأمريكية.
رابعا : قدرة المنظمات المسلمة الأمريكية على العمل تحت ضغوط مشابهة لضغوط الأزمة الراهنة فقد اعتادت تلك المنظمات على العمل في جو معادي لها وعلى مواجهة حجج اللوبي الإسرائيلي الواهية في أكثر من قضية وبأكثر من إسلوب، ومن ثم يصبح حجم المفاجأة الإستراتيجية التي واجهتها المنظمات المسلمة الأمريكية خلال تلك الأزمة محدودا وإن كان كبير.
هذا لا يقلل من حجم التحدي الذي تواجه القوى السياسية الإسلامية الأمريكية خلال الأزمة الراهنة ولا يقلل من المجهود الكبير الذي تبذله للحفاظ على تقدمها وإنما يؤكد ثقتنا في قدرتها على تخطي هذه الأزمة.
===============
علاء بيومي
كاتب عربي مقيم في واشنطن
واشنطن - الولايات المتحدة
abayoumi@cair-net.org