قراءة في مباحثات الكونجرس حول انتهاكات
حقوق المسلمين والعرب في أمريكا

بقلم : علاء بيومي
بسم الله الرحمن الرحيم

        في الرابع والعشرين من يناير 2002 عقد مجلس النواب الأمريكي جلسة مباحثات حول الحقوق والحريات المدنية في أمريكا بعد سبتمبر الماضي تحت رعاية نائب الكونجرس الأمريكي جون كونيورز والذي يحتل مكانة مرموقة داخل اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي بصفته أقدم أعضائها، والذي يعتبر أيضا أحد أنشط رجال الكونجرس الأمريكي في مجال الحقوق والحريات المدنية والدفاع عنها.

وقد كشفت الجلسة - والتي كان لنا حظ في حضورها - وما دار بها من مناقشات كثيرا من الحقائق المتعلقة بأوضاع حقوق وحريات المسلمين والعرب المدنية في أمريكا منذ سبتمبر الماضي، كما ركزت الجلسة أيضا على مواقف جماعات عديدة داخل المجتمع الأمريكي من معاناة المسلمين والعرب في أمريكا، وسنحاول في هذه المقالة إبراز بعض هذه الحقائق.

       أولا وفيما يتعلق بموقف أعضاء الكونجرس من حقوق وحريات المسلمين والعرب في أمريكا، أوضحت الجلسة أن للمسلمين والعرب أصدقاء في الكونجرس الأمريكي على رأسهم السيد جون كونيورز والذي ينتمي للحزب الديمقراطي وينوب عن ولاية مشيجان، والواضح أن هذا الرجل قدم للمسلمين والعرب في أمريكا قبل وبعد الحادي عشر من سبتمبر الكثير من المواقف المساندة والمدافعة عن حقوقهم والتي مرت - في معظم الأحيان - دون أن يعرف بها أحد، ودون أن تعطيها الصحافة العربية والمسلمة حقها.

ولو حاولنا تلخيص ما قام به هذا الرجل مساندة لحقوق ولحريات المسلمين والعرب في أمريكا منذ سبتمبر الماضي فقط لكان من السهل علينا أن نكتب صفحات عديدة، وتتعدد هذه المواقف بين تصريحات وخطابات ومقالات نشرها بالجرائد الأمريكي دفاعا عن حقوق وحريات المسلمين والعرب وخطابات أرسلها لكبار المسؤولين الأمريكيين مطالبا بهذه الحقوق والحريات.

ويكفي هنا أن نشير إلى خطاب أرسله إلى وزير العدل الأمريكي جون أشكروفت في السابع والعشرين من نوفمبر بخصوص قرار وزارة العدل باستجواب ألاف المسلمين والعرب يطالبه فيه بمقابلته لبحث القرار والأساس الذي اتخذ على أساسها، موضحا خشيته من أن القرار قد يمثل تمييزا ضد المسلمين والعرب الأمريكيين وانتهاكا لحقوقهم المدنية.

وأشار كونيورز في خطابه لوزير العدل إلى تعرض بعض المسلمين والعرب في أمريكا لمضايقات على أيدي قوات المباحث الفيدرالية والتي تعاملهم بطريقة سيئة حيث تفاجئ المستجوبين بزيارتهم في محال عملهم مما يشكل إحراجا شديدا لهم، وقد يؤدي إلى فصلهم من العمل، كما تتحرش بالمترديين على المساجد وتطالبهم بإعداد قوائم بأسماء من يصلون بالمسجد أو يترددون عليه.

وإضافة إلى كونيورز حضر الاجتماع خمسة نواب آخرون هم السيد بوبي سكوت ممثل ولاية فيرجينيا، والسيد مل واط نائب ولاية نورث كالورينا، والسيدة باربرا لي نائب ولاية كاليفورنيا، والسيدة شيلا جاكسون لي نائب ولاية تكساس، والنائب داريل عيسى نائب ولاية كاليفورنيا. وجميعهم هم من الأفارقة الأمريكيين ومن الحزب الديمقراطي ما عدا داريل عيسى وهو عربي الأصل وينتمي للحزب الجمهوري.

       ثانيا، كشفت الجلسة عن وجود مساندة واسعة للمسلمين والعرب في أمريكا من قبل العديد من جماعات الحقوق والحريات المدنية ومن قبل العديد من الأقليات الأمريكية الأخرى. فلم تقتصر مهمة الدفاع عن حقوق المسلمين والعرب أمريكا - خلال الجلسة - على المنظمات المسلمة والعربية التي حضرت الجلسة مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR)، واللجنة العربية لمكافحة التمييز (ADC)، والمعهد العربي الأمريكي (AAI)، وإنما امتدت إلى عدد كبير من خبراء القانون والحقوق المدنية في الولايات المتحدة على رأسهم ديفيد كول أستاذ القانون بجامعة جورج تاون، وإلى منظمات تعبر عن حقوق الأمريكيين اللاتينيين وأخرى تدافع عن حقوق الأفارقة الأمريكيين، بالإضافة إلى بعض أكبر جماعات الحقوق المدنية في أمريكا مثل اتحاد الحريات المدنية الأمريكية
(ACLU).

وقد أشارت نادين ستروسن رئيسة اتحاد الحريات المدنية الأمريكية في خطابها أو شهادتها أما الكونجرس إلى التحالف الجديد - والذي بدأت تتضح معالمه في الفترة الحالية - الذي يضم مجموعة من أكبر جماعات الحقوق المدنية الأمريكية والمنظمات المدافعة عن حقوق مسلمي وعرب أمريكا، وأشارت ستروسن إلى العديد من المبادرات المشتركة التي اتخذها هذا التحالف منذ الحادي عشر من سبتمبر ومنها قضية رفعتها حوالي ستة عشرة منظمة من المنظمات المشاركة في هذا التحالف ضد الحكومة الأمريكية - في الخامس من نوفمبر الماضي - تطالب فيها وزارة العدل الأمريكية بتوفير معلومات كافية عن الأفراد المعتقلين والمقبوض عليهم منذ الحادي عشر من سبتمبر الماضي.

كما أشارت ستراون إلى مؤتمر عقدته هذه المنظمات في التاسع عشر من يناير، والذي يوافق يوم ذكرى ميلاد داعية الحقوق المدنية الأمريكي الشهير مارتن لوثر كينج، لإعلان نشأة تحالف جديد لمنظمات الحقوق المدنية الأمريكية يهدف إلى تسليط الضوء الإعلامي والسياسي على ما لحق بالحقوق المدنية الأمريكية من أضرار بعد الحادي عشر من سبتمبر، وعلى تأثير قوانين مكافحة الإرهاب الجديدة، كما يهدف إلى تشجيع الكونجرس الأمريكي على القيام بدور أكبر في حماية الحقوق والحريات المدنية الأمريكية.

       ثالثا ساد الجلسة شعورا واضحا بالتوحد والخبرة المشتركة بين ممثلي بعض الأقليات الأمريكية وعلى رأسها الأفارقة الأمريكيين والأمريكيين اللاتينيين مع الأقلية المسلمة والعربية في أمريكا.

فقد شبه بعض المتحدثين ما يمر به المسلمون والعرب في أمريكا الآن بما مر به اليابانيون الأمريكيون خلال الحرب العالمية الثانية وما مر به الأفارقة الأمريكيون خلال فترة العبودية الطويلة، وما يمر به العديد من المهاجرين اللاتينيين الأمريكيين الفقراء حاليا.

وقد أشار هؤلاء المتحدثين إلى أن ضعف أبناء هذه الأقليات في الماضي عرضهم لكثير من الظلم وضياع الحقوق، كما أوضحت كلماتهم إدراكهم العالي والدقيق لما يمر به المسلمون والعرب حاليا وما اتخذ ضدهم من إجراءات.

وفي النهاية أشار هؤلاء المتحدثون إلى ضرورة ألا يتوقف المسلمون والعرب عن المطالبة بحقوقهم وألا يضعفوا أبدا تحت الضغوط، مشيرين إلى أن المسلمين والعرب في أمريكا يتمتعون حاليا بثمرة كفاح ونضال أبناء الأقليات الأخرى في سبيل المطالبة بحقوقهم وحقوق الأقليات داخل أمريكا، مؤكدين على أن ما تعرض له المسلمون والعرب حاليا يقل بكثير عما تعرض له اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية وما تعرض له الأفارقة الأمريكيين خلال فترة العبودية الطويلة.

       رابعا اتفق الحضور على أهمية أن يتحلى المسلمون والعرب بالمثابرة والشجاعة في سعيهم للحصول على حقوقهم وحرياتهم في الولايات المتحدة حتى لو كان أمامهم طريق طويل يجب أن يسيروه كي ينالوا هذه الحقوق.

وقد أشار عضو الكونجرس الأمريكي ميل واط نائب ولاية نورث كالورينا إلى أن شجاعة النائب جون كونيورز ومثابرته وإصراره على عقد جلسة الاستماع، وأكد واط أنه لولا شجاعة كونيورز ومثابرته لما عقد هذا الاجتماع في ظل الجو السياسي الحالي موضحا أن كونيورز ثابر كثيرا وواجه قوى سياسية عديدة حتى يعقد هذا الاجتماع، وقد اتضح من الجلسة أن أعضاء الكونجرس الذين حضروها يتوقعون انتقادات سياسية لحضورهم الاجتماع وأنهم أصروا على حضورهم تماشيا مع مبادئهم وشعورا منهم بمعاناة المسلمين والعرب في أمريكا.

ونصح واط المسلمين والعرب بالكفاح والمثابرة لأنهما الطريق الوحيد أمامهم للحصول على حقوقهم، كما أشار بعض المتحدثين إلى تعرض أبناء الأقليات التي استقرت على أرض الولايات المتحدة قبل المسلمين والعرب لضغوط أكبر من الضغوط الحالية، حيث يشهد التاريخ الأمريكي حاليا على أن بعض أبناء الأقليات تعرضوا لضغوط وانتهاكات عديدة وقوية بسبب رغبتهم فقط في ممارسة حقوقهم القانونية والدستورية العادية.

       خامسا انعقاد هذه الجلسة ربما يكون مؤشرا على أن موجة الانتهاكات التي تعرضت لها حقوق وحريات المسلمين والعرب في أمريكا منذ سبتمبر الماضي قد بدأت في الانحسار، خاصة في ظل وجود متغيرات أخرى تساند ظاهرة تراجع موجة الانتهاكات. ومن هذه المتغيرات التحالفات الجديدة التي بدأت في الظهور بين أكبر جماعات الحقوق المدنية الأمريكية ونظيرتها المسلمة والعربية، والاهتمام الإعلامي المتزايد الذي يوليه الإعلام الأمريكي لما تواجهه حقوق وحريات المسلمين والعرب من انتهاكات خاصة في المطارات وفي القضايا التي تتعرض بحقوق وحريات النساء المسلمات، إضافة إلى قلة ما يصل إلى المنظمات المسلمة والعربية من حالات انتهاكات جديدة.

وبداية مرحلة انحسار موجة الانتهاكات لا يعني انتهائها، كما أنه لا يعني أن المسلمين والعرب الأمريكيين أدوا ما عليهم أو ناضلوا بما فيه الكفاية على صعيد الفوز بحقوقهم وحرياتهم المدنية في الولايات المتحدة.

وأتذكر - في هذا السياق - عبارة قرأتها في بداية أحد القواميس الخاصة بحركة الحقوق المدنية الأمريكية تقول ما معناه أن الحقوق والحريات موجودة في الدستور والقوانين الأمريكية ولكن تنفيذها على أرض الواقع لا يحدث إلا بنضال طويل وكفاح للفوز بهذه الحقوق والحريات.

وفي نهاية الجلسة أعربت السيدة شيلا جاكسون لي نائب الكونجرس عن ولاية تكساس عن سعادتها بانعقاد الجلسة وعن سعادتها بما عرض بالجلسة من مناقشات وحقائق أساسية عن أوضاع الحقوق والحريات المدنية في الولايات المتحدة بعد سبتمبر الماضي، كما أعربت عن أملها في أن تعقد جلسات مشابهة بلجان أخري بالكونجرس حول نفس القضية، على أمل أن تقود هذه اللجان إلى توعية الكونجرس بآثار الحادي عشر من سبتمبر وإلى دفعهم لتبنى مشاريع قوانين تحمي الحقوق والحريات المدنية في أمريكا.

وهذا بلا شك طريق طويل وشاق ولكنه هام ومثمر سارت فيه أقليات أمريكية عديدة في الماضي، ويسير فيه المسلمون والعرب الأمريكيون حاليا.

علاء بيومي
كاتب عربي مقيم في واشنطن
واشنطن - الولايات المتحدة