هل تنجح ديبلوماسية الشعوب في تحسين
صورة أمريكا لدى الشعوب المسلمة والعربية؟
بقلم : علاء بيومي
*********
"الحلقة الثانية"

إعادة اكتشاف أمريكا لديبلوماسية الشعوب بعد 11 سبتمبر
تهتم هذه السلسلة بديبلوماسية الشعوب الأمريكية وهي نوع من الديبلوماسية الدولية تستخدم فيه أمريكا برامج التواصل المعلوماتي والثقافي والإعلامي للتقرب من شعوب الدول الأخرى، وقد أعادت الإدارة الأمريكية اكتشاف هذه الديبلوماسية بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بهدف توظيفها في حشد تأييد شعوب العالم للولايات المتحدة في حربها الحالية بصفة عامة وفي تحسين صورة الولايات المتحدة لدى شعوب العالمين العربي والإسلامي بصفة خاصة.

وقد قمنا في الحلقة الأولى من هذه السلسلة بتعريف ديبلوماسية الشعوب الأمريكية وبشرح أهم أساليبها وكيف تطورت داخل أروقة الديبلوماسية الأمريكية لمواجهة خطر انتشار الأيدلوجية الشيوعية خلال الحرب الباردة، وكيف أثرت نهاية الحرب الباردة بشكل سلبي على اهتمام الحكومة الأمريكية بدبلوماسيتها الشعوبية.

وسنتناول في هذه الحلقة الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى إعادة تطوير دبلوماسيتها الشعوبية بعد الحادي عشر من سبتمبر بهدف استخدامها في تحسين صورة أمريكا لدي الشعوب المسلمة والعربية، كما سنتناول أهم الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة على هذا الطريق منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن.

1- أسباب إعادة الاكتشاف
اهتمام الحكومة الأمريكية بعد الحادي عشر من سبتمبر بإعادة تنشيط دبلوماسيتها الشعبية واستخدامها في تحسين صورتها لدى الشعوب العربية والمسلمة يعود إلى عدة أسباب أساسية على رأسها ذلك الشعور العام الذي ساد أروقة السياسة والإعلام والرأي العام الأمريكية بفشل دبلوماسية أمريكا التقليدية في شرح قيم وأهداف الولايات المتحدة للعالم الإسلامي وفشلها في اقتلاع جذور الخلاف بين شعوب العالم الإسلامي وأمريكا.

وقد ساد هذا الشعور العديد من دوائر الرأي العام الأمريكية في الأيام التالية للحادي عشر من سبتمبر متجسدا في صورة سؤال أساسي ظل يطرح نفسه في معظم وسائل الإعلام الأمريكية وهو "لماذا يكرهوننا؟" أي لماذا يكره بعض العرب والمسلمين الولايات المتحدة؟ وما هي أسباب الخلاف بين الولايات المتحدة وتلك الشعوب ؟

وقد عبر هذا السؤال وأسلوب طرحه في هذه الفترة عن محاولة شعبية أمريكية عامة وتلقائية لمراجعة الذات الأمريكية في علاقتها بالعالمين العربي والإسلامي، الأمر الذي دفع الرئيس الأمريكي نفسه إلى المشاركة في هذا الجدل القومي ومحاولة تقديم إجابة على هذه السؤال في خطابه التاريخي أمام الكونجرس في العشرين من سبتمبر الماضي إذ قال "الأمريكيون يتساءلون : لماذا يكرهوننا؟ إنهم يكرهون حرياتنا، حرياتنا الدينية، حرياتنا في التعبير، حرياتنا في التصويت". ولم تكن إجابة بوش الإجابة الأمريكية الوحيدة أو النهائية على هذه السؤال، بل قدم العديد من الأمريكيين إجابات تختلف أحيانا وتتفق أحيانا أخرى مع إجابة جورج بوش.

وفي مرحلة ثانية ومع بداية الهجمات الأمريكية على أفغانستان وبروز دور قناة الجزيرة والإعلام العربي والمسلم في تغطية الحرب زاد اهتمام الإدارة الأمريكية بديبلوماسية الشعوب كما أوضحت جريدة الواشنطن بوست الأمريكية في مقال نشرته في الخامس عشر من أكتوبر تحت عنوان " رسالة أمريكا الخارجية ضاعت: المسؤولون يرون حاجة عاجلة لدبلوماسية الشعوب".

وعلى الفور بدأت الولايات المتحدة في تنظيم أوراقها لبدء حملة علاقات عامة واسعة موجهة إلى شعوب العالم الإسلامي عامة والعالم العربي خاصة، وتهدف إلى تحسين صورة أمريكا لدى هذه الشعوب على الأجلين القصير والبعيد.

2- جهود تطوير ديبلوماسية الشعوب منذ 11 سبتمبر
من أهم الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية سبيل تطوير دبلوماسيتها الشعوبية بعد 11 سبتمبر الإسراع بتسليم السيدة شارلوت بيرز عملها كمساعد لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون دبلوماسية الشعوب والشؤون العامة، وقد أعطى مجيء شارلوت بـيرز للإدارة دفعة أمل للعديد من المحللين الذين رأوا فيها الخبرة والإصرار والفكر الجديد لما لها من سجل نجاح كبير في عالم الدعاية والإعلان.

وبعد ذلك تعددت تحركات كبار المسؤولين الأمريكيين لمد سياسة ديبلوماسية الشعوب بما تحتاجه من دعم سياسي وموارد مالية، ومن أهم هذا التحركات لقاء السيناتور جوزيف بيدن رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي مع الرئيس الأمريكي في الثالث والعشرين من أكتوبر حيث تحدثا عن توفير الدعم المادي الكافي لإنجاح ديبلوماسية الشعوب.

كما أعلن السيناتور بيدن عن تبنيه مشروعا طموحا لإنشاء محطتي إذاعة وتلفزيون موجهتين للشباب المسلم
(15-30 سنة) بميزانية إنشاء تقدر بـ 284 مليون دولار أمريكي، وميزانية تشغيل تقدير بـ 222 مليون دولار سنويا.

وفي خطوة هامة أخرى عقد هنري هايد رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب الأمريكي جلسة استماع بالكونجرس في الرابع عشر من نوفمبر بعنوان "الرسالة هي أمريكا: إعادة النظر في ديبلوماسية الشعوب الأمريكية" دعا إليها مجموعة من خبراء الإعلام والاتصالات وألقى خلالها كلمة أكد فيها على استعداده لمساندة مبادرة ديبلوماسية الشعوب ولإمدادها بما تحتاجه من موارد.

أما شارلوت بيرز والتي ينظر إليها الجميع كمسؤولة أولى عن هذه المبادرة فقد أسرعت إلى إعداد عددا من الوسائل الدعائية السريعة مثل :
  • تنشيط موقعين إلكترونيين أحدهما باللغة الإنجليزية والأخر باللغة العربية - على موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الإنترنت - وتزويدهما بمعلومات عن المسلمين في أمريكا لجذب القراء المسلمين والعرب.
  • طباعة ملصق إعلاني يحتوى على صورة مسجد بأمريكا تعبيرا عن احترام أمريكا للإسلام والتزامها بالتعددية الدينية.
  • ظهور بعض مسئولي الإدارة الأمريكية على شبكات التلفزيون العربية لشرح وجهة نظر الولايات المتحدة للعالم الإسلامي.
  • استدعاء سفير أمريكي سابق يتحدث العربية لكي يقدم وجهة نظر أمريكا بلسان العرب على شاشات التلفزيون العربية.
  • دعوة البيت الأبيض لسفراء الدول الإسلامية لإفطار رمضاني، وتبعته وزارة الخارجية بدعوة قادة مسلمي أمريكا إلى إفطار أخر، كما استقبل الرئيس الأمريكي بعض أطفال المسلمين الأمريكيين للاحتفال معهم بعيد الفطر المبارك في البيت الأبيض.
    واستعدادا لإستراتيجية ديبلوماسية الشعوب على المدى الطويل بدأت شارلوت بيرز في دعوة مكثفة ومنظمة لمجموعة من قيادات المسلمين والعرب في أمريكا وخارجها بالإضافة إلى مجموعة من خبراء الدعاية والإعلام والاتصالات للتشاور معهم حول أفضل أساليب التواصل مع الرأي العام الإسلامي وإقناعه بوجهة النظر الأمريكية.

    3- مخاوف من فشل المبادرة
    على الرغم من الإجراءات السابقة، انتابت الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية مخاوف عديدة من فشل مبادرة ديبلوماسية الشعوب من تحقيق إنجاز واضح في مجال تحسين صورة الولايات المتحدة لدى الشعوب العربية والمسلمة منذ الحادي عشر من سبتمبر وحتى الآن، وقد عبرت بعض أكبر الجرائد الأمريكية عن هذه المخاوف بوضوح في أواخر شهر ديسمبر الماضي.

    ومن أهم الجرائد الأمريكية التي تناولت هذه القضية جريدة شيكاغو تربيون في مقالة بعنوان "شرح أمريكا للعالم" نشرت في التاسع والعشرين من ديسمبر، وجريدة بوسطن جلوب في مقالة بعنوان "محاربة الإرهاب: معركة القلوب والعقول: حملة تغيير رؤية المسلمين لأمريكا خيبت الآمال" نشرت في السادس والعشرين من ديسمبر.

    وقد قارنت هذه الكتابات جهود أمريكا العسكرية في محاربة طالبان وجهودها الدبلوماسية في الفوز بتأييد المسلمين والعرب للسياسية الأمريكية، مشيرة إلى فشل جهود دبلوماسية الشعوب مقارنة بجهود السياسة العسكرية الأمريكية. وقد فسرت تلك الجرائد خوفها من فشل دبلوماسية الشعوب الأمريكية بعدة أسباب، منها اعتقاد بعض المحللين بأن دبلوماسية الشعوب هزمت قبل أن تبدأ والسبب في ذلك يرجع إلى إهمال الولايات المتحدة لدبلوماسيتها الشعوبية منذ نهاية الحرب الباردة، فبعد انتهاء الحرب الباردة ونهاية الخطر الشيوعي تراجعت الولايات المتحدة عن تطوير دبلوماسيتها الشعوبية وقلصت من ميزانيات برامجها وضمت برامج الوكالة الأمريكية للمعلومات (USIA) - والتي تولت مهمة رعاية دبلوماسية الشعوب الأمريكية خلال الحرب الباردة - إلى وزارة الخارجية الأمريكية مما انعكس سلبيا على برامج ديبلوماسية الشعوب.

    ويوضح أصحاب هذه الرأي أن برامج دبلوماسية الشعوب التي استمرت بعد نهاية الحرب الباردة هي برامج قديمة أصابتها الشيخوخة وتعاني من قلة الإمكانات، كما يشيرون أيضا إلى تأخر تولي السيدة شارلوت بيرز لمنصب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون دبلوماسية الشعوب حتى شهر أكتوبر وهي السيدة المسؤولة عن تطوير هذه المبادرة.

    وهناك رأي ثاني يرجع فشل جهود دبلوماسية الشعوب حتى الآن في تحسين صورة أمريكا لدى الشعوب المسلمة والعربية إلى ضعف إدراك واشنطن وقلة حساسيتها لمواقف الرأي العام الإسلامي تجاه أمريكا ولأساليب التواصل مع المسلمين والعرب، ويشير أصحاب هذه الرأي إلى عدم تلقى كبار مسئولي الإدارة الأمريكية أية تدريبات في أساليب التواصل والحوار مع الرأي العام العربي والإسلامي، ومن ثم فشل بعض أكبر مسئولي الإدارة الأمريكية في إقناع الرأي العام الإسلامي والعرب بالمواقف الأمريكية في المقابلات العديدة التي أجروها مع وسائل الإعلامية المسلمة والعربية منذ الحادي عشر من سبتمبر، حيث اكتفوا بإعادة تأكيد سياسات أمريكا السابقة تجاه بعض قضايا المسلمين والعرب على الرغم من عدم شعبية بعض هذه المواقف بين أبناء العالمين العربي والإسلامي.

    وهناك فئة ثالثة ترجع فشل مبادرة ديبلوماسية الشعوب الأمريكية حتى الآن إلى افتقاد هذه المبادرة لإستراتيجية عامة ولرؤية واضحة، وإلى أن القائمين على هذه المبادرة مغرقين في الحديث عن الوسائل والأدوات والميزانيات دون رؤية واضحة.

    وبغض النظر عن هذه الآراء تبدو الولايات المتحدة عازمة على المضي في تطوير دبلوماسيتها الشعوبية، كما أنها لم تتنازل بعد عن عزمها تحسين صورة أمريكا لدى الشعوب المسلمة العربية، وقد عبر عن ذلك وزير الخارجية الأمريكية كولن باول - في تعليق نشرته جريدة شيكاغو تربيون في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي - حيث أوضح أن ديبلوماسية الشعوب الأمريكية مازالت في مرحلة البداية وأنها بطبيعتها مبادرة لا تطبق إلا على المدى الطويل.

    وسوف نحاول في الحلقة الثالثة والأخيرة من هذه السلسلة استشراف مستقبل مبادرة دبلوماسية الشعوب الأمريكية وإلقاء الضوء على أهم العوامل التي قد تؤثر على نجاحها أو فشلها في تحسين صورة أمريكا لدى الشعوب العربية والمسلمة على المدى البعيد. - نهاية الحلقة الثانية -

    - يتبع -

    قريباً في الحلقة الثالثة : الولايات المتحدة بحاجة إلى جهود كبيرة لتغيير صورتها وشرح مواقفها 11 سبتمبر
    *******
    مع تحيات الكاتب العربي : علاء بيومي ـ واشنطن