لإدراك مأزق الصهيونية هذه الأيام لا بد من إدراك أولا نظرية _ فائض المخزون _ ففائض المخزون بالنسبة لأية بضاعه هو في النتيجة مأزق يفضي ضمن ما يفضي إليه أزمة تصريف هذا الفائض مما يعطي في النتيجة إلى ما عكسته الحكمة القائلة بأن الزائد هو أخو الناقص وبالتمعن في الوضع الصهيوني فإن الصهيونية وصلت مرحلة فائض المخزون في سياستها لإقامة دولة متحكمة صرفة لليهود من حيث الأمن والرفاه .
لأجل هذا الذي أراده هرتسل ومؤسسوا الدولة الصهيونيه وصلت الصهيونية إلى حيازة قوة عسكرية عاتيه ورادعه تدعمها ثروة ضخمة شامله ويساندها زخم سياسي غربي أعمى ويفد إليها سيل من مهاجرين ومرتزقه متدفق وفي مقابل ذلك يقف خصومها مجردين من السلاح تقريبا ومشدوهين ومشتتين .
فهل هنالك إذن ما يشبه هذه المعادلة .. صهيونيه متفوقه مدججة وثريه مقابل عروبة ضعيفة ومشتته وفقيرة .
في الجانب الصهيوني وعبر هذه المقارنة يوجد فائض مخزون ضخم وفي الجانب العربي يوجد نقص هائل في المخزون .
ولكن ما هي النتيجة بعد تأسيس الدولة الصهيونية ؟ لفهم هذه النتيجة لا بد من فهم ما الذي هدف إليه منظروا الصهيونية من وراء إنشاء الدولة .
كان هدفهم تجذير الإحساس بالأمن لليهودي تحت الشمس .
واليوم كما نرى فإن كل يهودي داخل الدولة يعصف به الخوف والفزع بينما فقط يحس بالأمن اليهودي خارج حدود الدولة _ "اسرائيل" .
هنا تكمن حبكة الفشل في الإستراتيجية الصهيونيه فهي أنشأت الدولة لكن لم تحرز الغاية منها فما من يوم مر منذ إقامة "اسرائيل" إلا وكل يهودي داخلها ينام على كابوس سؤال يزرعه بالرعب وهو (( متى تصبح "اسرائيل" حقيقة يتقبلها العرب ولا يخططون للقضاء عليها ))
في باب الإحتياط لكي لا يقدم العرب على سحق الدولة الصهيونيه تم السعي من قبل الصهاينه للحصول على أسباب القوة حتى وصلوا درجة - الفائض - لدرجة يمكن معها القول أن ما من شعب على الأرض اليوم يملك قوة عسكرية بالنسبة لعدد السكان كما هو حاصل مع "اسرائيل" ولكن المفارقة العجيبة هي أنه كلما زاد فائض القوة لدى "اسرائيل" كلما زاد مخزون الرعب النفسي لدى الإسرائيلي كائنا من كان .
ها هم هذه الأيام ترتعد فرائصهم من ظل شجرة ومن هبة ريح ومن حقيبة مسافر ومن _ حتى عميل لهم _ ومن معطف طويل ومن سائح ملتحي .
كل شيء يرعبهم حتى من أنفسهم .
من الطبيعي أنهم هذه الأيام يفركون أيديهم بحيرة متمتمين وما فائدة الذرة وما جدوى الدبابة إذا كانوا لا يشعرون بالأمن .
كلهم جنود وجميعهم رجال شرطه وهؤلاء واولئك مخابرات واستخبارات يعيشون حالة من مطاردة غريبة .
أتدرون ما الذي يطاردونه .. إنهم يطاردون (( حالة الرعب الكامنه في أعماقهم )) وكلما إزدادت مطارتهم إضطرد الفزع أكثر فأكثر في نفوسهم .
هم في حالة خواء كامل .. مهزومون قبل أن يهزموا .. يائسون قبل أية مواجهة حقيقية ؟ كل براهين الدنيا تفشل في إقناعهم بأنه من الممكن عقد سلام معهم .. فذعرهم وخوفهم وضعهم في حالة من الأسر وداخل سجن ويجرعهم مرارة الهزيمة كل صباح وكل مساء .
ما الفائدة إذن في فائض القوة إذا ظل يصحبها تنامي الخوف والذعر .
مستقبل الصهيونية محسوم على أيدي الصهاينة أنفسهم .. فمن سيقنعهم أن باقة ورد في كف طفل فلسطيني ليست قنبلة موقوته .
|